مقالات

سعيد مولاي التاج..المقاومة تقلب موازين المعادلة

لا يريد الصهاينة، وحلفاؤهم ووكلاؤهم أن يصدقوا أن عناصر المعادلة تغيرت كثيرا وأن مياها كثيرة جرت تحت الجسر كما يقال، ومبعث عدم التصديق هذا غرور تاريخي صهيوني تراكم من تجارب هزائم العرب، وثقة عمياء في الإمداد الأمريكي والغربي والعربي، فالعدوان على غزة الذي أريد له تحقيق الردع العسكري وتقليم أظافر المقاومة خاصة الجهاد الإسلامي التي تتأبى على الانخراط في مسلسلات المفاوضات السياسية بالسرعة والشكل المطلوبين، فال&هاينة توقعوا نفس السيناريو الدائم حملة تصفية واغتيالات حسب بنك المعلومات المتوفر، ثم رد سريع للمقاومة ثم قصف على غزة، وردود للمقاومة، وإذا خرجت الأمور عن السيطرة أو كانت الخسائر أكثر من المتوقع، تتدخل أمريكا وأدواتها الدولية وكلاب حراستها الإقليمية كالعادة لإنقاذ الموقف، ولطلب التهدئة بتحريك المفاوضات والوصول إلى تسويات مؤقتة.

لكن كل المؤشرات تدل على أن حسابات الص&اينة طاشت، فهذه المرة رغم أن الاغتيالات التي كشفت عن وجود ثغرات أمنية واختراقات دون شك، لكنها لم تكن ثغرات مؤثرة، فرغم استشهاد قيادات من الصف الأول لم ترتبك المقاومة، ولم يتوقف القصف، فقوة الرد وحكمته كشفت عن توحد المقاومة، وامتلاكها لرؤية استراتيجية سياسيا وعسكريا، ومدى جاهزية المقاومة، وأشرت على استقلالية القرار الفلسطيني بعد التخلص من الابتزاز المرتبط بالدعم العربي والإسلامي الرسمي، فالمقاومة رفعت تكلفة الضربات الاستعراضية العسكرية سياسيا وعسكريا وبشريا وماديا، فلم يعد العدوان على غزة أو ضرب المقاومة نزهة هادئة هانئة، بل صار عملا مكلفا للداخل الص&يوني، فمع الرشقات الأولى من الصواريخ تم شل الحياة في الكيان المحتل، وحشر قطعان المستوطنين إلى الملاجئ، وإدخالهم في نوبات من الهلع الشامل.

فالحرب الص&يونية النفسية المضادة فشلت، وأسطورة الردع تهاوت، ونسبة الهجرة سترتفع، ووتيرة الاحتجاج في الشارع ستتضاعف، والأزمة السياسية الداخلية ستتفاقم دون شك، خاصة إذا تم توسيع نطاق القصف ونوعيته وتزايدت أعداد القتلى والمصابين، فالمؤكد الآن أن كل مواجهة مهما كانت قصيرة ومحدودة، تحدث تآكلا وانهيارا في الجبهة الداخلية الص&يونية، وتزيد الفلسطينين ارتباطا بخيار المقاومة وثقة في نجاعتها، رغم ضخامة التضحيات من الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين وحجم التدمير المتعمد للبنيات التحتية والمنازل، التي تعايش معها الشعب الفلسطيني بكل فصائله ولم تعد تؤثر في وحدة صفه أو عزيمته، بل صار مستعدا لمعارك أطول، وتضحيات أكبر، في مقابل قطعان الص&اينة التي تتباكى الآن بعد أن ساهمت في اختيار هذه الحكومة اليمينية المتطرفة وإيصالها إلى الحكم في الانتخابات الأخيرة، وصدق الله العظيم “وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”.

فبطولات المقاومة تحيي الأمة بكاملها، فدماء الشهداء وحدها من تسقي فسائل الرجولة والعزة، وتعزز ثقتها بقوتها وقدراتها، وترسخ أن كل إهانة لا ترد عليها البندقية وكل حق لا تسنده قوة الصواريخ والنار، هو استحلاء للاحتلال وتوطيد له، كما تكشف أمام الأمة حجم الخيانات من داخلها، وتؤكد أن خيار المقاومة هو الخيار الأوحد والأجدى، بعد اغتيال الصهاينة لكل مسارات التسوية ووأدها لعمليات السلام التي ما زالت حلما يراود بعض المطبعين والمثبطين، وتفضح العالم الغربي الديمقراطي الإنساني جدا وأحاسيسه الجياشة أمام طفولة وأبرياء “إسرائيل” إن مستهم شظايا زجاج ورشاش نار وتبلده أمام دماء أطفال فلسطين تراق وجتثهم تحرق بصواريخ الغرب ودعمه المالي والسياسي، وتقطع الإياس من الرهان عليه وعلى دعمه وإنسانيته، ووحدة المقاومة أعطت مثالا رائعا على روح الفعل الجماعي المشترك، رغم محاولة الصهاينة تحييد باقي الفصائل إعلاميا وسياسيا وعسكريا، بزعم أن المعركة الحالية مع” الجهاد” وجناحها العسكري “سرايا القدس”، وهي رسالة في عمقها تخفي هلعا من خروج الوضع عن السيطرة، ومحاولة طمأنة للداخل الصهيوني، لأن المؤسسات الصهيونية العسكرية والأمنية والإعلامية تعلم من يدير غرفة العمليات المشتركة حقيقة ويقينا، وتعلم أن الحسم لا يمكن أن يكون إلا باكتساح شامل وحاسم على الأرض، وهو ما أثبتت التجارب السابقة أن الصهاينة غير قادرين عليه ولا مستعدين له، لان موازين القوة على الأرض تغيرت كثيرا والحمد لله.

بقلم سعيد مولاي التاج

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى