في صلب الوثيقة السياسية -3-مسألة الهوية و المرجعية..
بقلم إلياس واحي
أكيد أن لكل وثيقة { فكرية ،تربوية، سياسية…. } – باختلاف حيثياتها و منطلقاتها – مرجعية ما ،تستلهم من معينها و روحها الأساس النظري و التصوري و كذا أسلوب الفعل على أرض الميدان.
كذلك الأمر بالنسبة للوثيقة السياسية لجماعة العدل و الإحسان ،حيث تعتمد بالأساس على نظرية “المنهاج النبوي “الذي صاغها و قَعَّدَ لمرتكزاتها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، معتمدا في ذلك على نصوص الوحي {الكتاب و السنة} و منطلقا من قراءة تجديدية ، نبوية لتاريخ المسلمين وذلك من أعاليه و بإزاء القرآن،طبعا، مع الاستعانة و الاستفادة من الحكمة البشرية و استخلاص الدروس من كتاب العالم.
بيدا أن النظرية المذكورة عرفت تطورا و نضجا ملحوظا عبر مسارين: الأول / “المسار النظري” ؛ المتمثل في “أزمنة تأليف” كتب الاستاذ ياسين وكذلك ما تلا زمنه من إصدارات، سواء كانت كتبا أو أوراقا ، خطتها مؤسسات الجماعة أو بعض مثقفيها، سواء بإيعاز من الأجهزة التنظيمية أو بشكل ذاتي باعثه خدمة المشروع و استكمال صياغته.
الثاني/ المتمثل في حقب “العمل الميداني التدافعي” ؛ التي حقق كيان الجماعة من خلاله تراكما مهما من التجارب أهلت مُنظري الجماعة الى تجريب كل ما تم التنظير اليه، و محاولة إستهلال عملية تنزيل كل مبادئ التي عكف على صياغتها أستاذ ياسين طيلة عمره النضالي ،حيث من أثبت جدواه تم التمسك به و صقله ، والعمل به ك”نموذج تنزيلي تجريبي” وعند نضجه العملي ،يتم استدعاؤه عند الحاجة. في المقابل من أثبت قصوره و تجاوزته معطيات الواقع يُوضع جانبا و يستثمر في بناء ” الثقافة التنظيمية” الذاتية لدى أعضاء الجماعة .
يرمي المشروع السياسي لجماعة العدل و الاحسان “الى تحقيق العدل الذي هو قرين الإحسان”، على اعتبار أن المشروع “العدلي” ، -السياسي بلغة العصر- يرتبط على مستوى مبادئه و قيمه ارتباطا وثيقا بالمشروع الدعوي العام و بالتغيير الأخلاقي.إلا أن هذا الارتباط و التكامل لا ينفى أن هناك “تمايزا وظيفيا موضوعيا” ما بين العمل الدعوي و العمل السياسي.
جماعة العدل و الإحسان كما عرفتها الوثيقة السياسية على أنها “حركة إسلامية مغربية الأصل و المنشأ ” ليس لها أي ارتباط تنظيمي بأي فصيل إسلامي خارج أسوار “البيئة المغربية” ولم يُسهم في صياغتها أي “فاعل إسلامي” ينتمي الى بيئة جغرافية أخرى.
ثم إنها جماعة دعوية تربوية و “حركة مجتمعية سياسية” تشكل جزءا أصيلا من النسيج المجتمعي المغربي المتنوع بتنوع ثقافته و بامتداد تاريخه العريق . تسعى للإسهام الى جانب باقي مكونات المجتمع “في تحقيق المعنى الكلي للعبادة فرديا و مجتمعيا”، وذلك “بدون احتكار الإسلام،ولا فرضا لفهمها له على الغير،ولا ادعاء على قدرتها وحدها على حل معضلات المجتمع بدون تظافر جهود فاعلي المجتمع انطلاقا من منطق الحوار.
حيث يمكن تحديد المعالم الكبرى لمسألة المرجعية التي تنطلق منها هذه الوثيقة السياسية في ما تضمنته الصفحة 18 من الوثيقة المذكورة:
“تنطلق المرجعية التنظيرية لجماعة العدل والإحسان من المنهاج النبوى بما هو آلة للعلم ومرشد للعمل ، فهو في مستوى التصور يحدد المنطلقات و المبادئ، و يرسم الأهداف و الغايات و يضبط الوسائل، ويرتب المراحل، وينظم الفعل الدعوي و المجتمعي لجماعة العدل و الاحسان في إطار مشروع مجتمعي تغييري مطلبه الآني العدل و غايته الإحسان و أداته العملية الأساسية :التربية ثم التربية ثم التربية”.