مقالات

مولاي التاج..كوشنير عراب السلام…يعري خطط التطهير والتهجير

ذ سعيد مولاي التاج

قد يكون من حسنات ترامب الرئيس الأمريكي السابق وإدارته ومعاونيه، أنهم يملكون صلفا أمريكيا أصيلا بمعنى أنهم لا يتقنون مجاملات الدبلوماسية ولا لغتها المراوغة، ويقذفون الحقائق في وجه الجمهور دو تنميق ولا تزويق، ودون شك أن تصريحات ترامب الصادمة بشأن علاقته مع العالم العربي وزعمائه ما زالت عالقة بالأذهان.

كوشنير “اليهودي المتصهين” الذي قدمه الإعلام الرسمي الغربي والعربي أيضا في فترة من الفترات عرابا للسلام وأحد رعاة اتفاقية إبراهيم المشؤومة المهزومة، يفجر اليوم في تصريحات نقلتها صحيفة الغارديان البريطانية- خلال لقاء له في جامعة هارفارد قنبلة صادمة عن مصير غزة، كما تتصورها إدارة ترامب لو وصلت للحكم مجددا، وهو ما أعلنته الصحيفة قائلة “إن تصريحات كوشنر تعطي لمحة عن سياسة دونالد ترامب للشرق الأوسط إذا عاد إلى البيت الأبيض”

فالتصريح يكشف النوايا الحقيقية للصهاينة وحلفائهم من الأمريكان المتصهينين، فصهر الرئيس ترامب ومستشار السياسة الخارجية السابق ومبعوث الإدارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط، والمؤثر الحاسم والدائم في قرارات ترامب، كما يقول عنه جون بولتون، مستشار الأمن القومي إن “كثيرين أثروا في ترامب من وقت إلى آخر، ومن قضية إلى أخرى، لكن بصفة عامة لا يتمتع أحد بحجم النفوذ الذي يتمتع به صهره جاريد كوشنر”

صرح لصحيفة الغارديان البريطانية، بكل عنجهية، ودون مواربة إنه لو كان مكان مسؤولي إسرائيل “لنقلت سكان غزة وطهرت المنطقة”، وبكل عنصرية مقيتة وضرب للقوانين الدولية ودوس على قرارات محكمة لاهاي، يؤكد أنه يجب تفريغ قطاع غزة من أهاليها، قائلا “لو كنت أنا، لنقلت الناس من غزة إلى صحراء النقب وطهرت المنطقة”، وخطورة التصريح لا تتمثل في أنها تنطوي على تحريض ودعم لسياسات نتانياهو التطهيرية والتهجيرية، بل في أنها تكشف رؤية الإدارة الأمريكية المتصهينة للوضع في غزة ونواياها الحقيقية في المنطقة مما يفسر العجز المصطنع، والتواطؤ الأمريكي الفعلي، الذي تحاول إدارة ” جو بيدن إخفاءه بتصريحات فارغة موجهة للاستهلاك الإعلامي، فهو يطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو” أن لا يسمح للفلسطينيين الذين يفرون من غزة بالعودة إليها” وأنه “لا ينبغي إخلاء غزة فحسب، بل يجب أيضا إخلاء مدينة رفح”.

فالخطة كما تتكشف خيوطها يوما بعد يوم، تقوم على إطلاق يد الهمجية الصهيونية لإبادة الغزاويين، مما يضطرهم للفرار وإخلاء المنطقة، وبعد ذلك لا يسمح لهم بالعودة إطلاقا، وفي الأخير تفعل خطط نقلهم إلى النقب أو إلى جهات أخرى، وهي الخطة التي تم الاتفاق عليها بمباركة أطراف عربية[1] قبل السابع من أكتوبر للأسف.

وعموما ففكرة تهجير واقتلاع الفلسطينيين ليست جديدة على العقل الصهيوني الأمني، فقد تشكلت منذ بدايات القرن العشرين فكرة الوطن اليهودي في فلسطين المفرغة من أهلها، والتي رسختها سياسة الانتداب البريطاني، ودعمها الأمريكان والأوروبيون يهودا و”مبشرين” نصارى كجون باركلي، حيث كان ينظر إليها كأفضل “حل لمشكلة فلسطين” غير أنها لم تحظى باتفاق وتوافق كاليوم.

وقد كان تهجير سكان غزة بوجه خاص حلما، يخطط له مسؤولي “إسرائيل” بعد نكسة 67 [2]، لأن العمل الفدائي المنطلق من القطاع كان يقض مضاجع تل أبيب، لكن هذا المخطط كان يواجه بمعارضة دولية وبموقف عربي موحد وبمقاومة فلسطينية، لكن بعد السابع من أكتوبر وأمام التأييد الدولي الغربي المتصهين الحاشد والداعم للكيان الصهيوني بشكل غير مسبوق وغير مشروط، قدر الصهاينة أن الظرفية مواتية لإعادة إحياء هذه الخطط مجددا، وهو ما تم الإعلان عنه في بداية الحرب الصهيونية على القطاع، التي حددت ثلاثة أهداف كبرى لها: القضاء على قيادة حركة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة مع تدمير البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، وتهجير سكان غزة إلى سيناء.

وعند بداية العدوان على غزة تم الترويج للخطة، حيث دعت وزيرة الاستخبارات “الإسرائيلية”، غيلا غملئيل المجتمع الدولي لتشجيع “إعادة التوطين الطوعي” للفلسطينيين خارج غزة، بدلاً من توجيه الأموال لإعادة إعمار القطاع، كما أن صحيفة “إسرائيل اليوم” كشفت عن خطة قُدمت إلى الكونغرس الأمريكي، تربط بين تقديم المساعدات الأمريكية للدول العربية والاستعداد لقبول اللاجئين من غزة.

إن تصريح كوشنير رغم كونه صفيقا ومستفزا وغير أخلاقي وغير قانوني إلى درجة جعلت السيناتور جيري كونولي يصفه بالبغيض: “أعتقد أن ما قاله بغيض لأبعد من الخيال، إنه تطهير عرقي في أسوأ حالاته، كوشنير يتساءل عن مدى قيمة عقارات الواجهة البحرية في غزة، في حين أن 31 ألف شخص قتلوا، هذا أمر مثير للاشمئزاز ويتعدى الاحتقار”، لكنه عرى وفضح الخطط الأمريكية في المنطقة، التي بدأت تتحول إلى مشاريع على الأرض، ومنها إنشاء رصيف بحري في غزة من طرف الأمريكان، الذي من بين أهدافه غير المعلنة تسهيل عملية التهجير القسري والطوعي لأهل غزة، وهو ما جعل المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري يشكك في نوايا الأمريكان المشبوهة بقوله: “للمرة الأولى أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري، لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني” ويصف الاقتراح الأمريكي بأنه “مقترح خبيث”.

والخلاصة أنه رغم التخاذل العربي، والتكالب الدولي الرسمي غير المسبوق، يظل الصمود الفلسطيني الأسطوري هو الصخرة التي تتحطم عليها كل مشاريع الهيمنة الصهيو/أمريكية على المنطقة، فبعد 17 عاما من الحصار الخانق على القطاع، وبعد ستة أشهر من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والعقاب الجماعي، ما زال الإحصاءات الصهيونية الرسمية نفسها، تؤكد أن %75 من سكان مخيم جباليا رفضوا الخروج من مناطقهم، وأن حوالي 700- 900 ألف نسمة من أصل 1.1 مليون شخص، ما يزالون صامدين يرفضون مغادرة شمال القطاع، وهو ما يعني أن أعداد النازحين لم تتجاوز 400 ألف نازح رغم هذه الحرب النازية الشرسة، في حين أن عدد النازحين الصهاينة من مستوطنات الشمال ومن غلاف غزة، قارب مائتين وخمسين ألف نازح حسب تقارير “إسرائيلية” رسمية، في حين تشير إحصاءات مستقلة إلى ضعف العدد تقريبا.

 


[1]  رغم المواقف الرافضة لكل من مصر والأردن فهناك حديث عن قبول أطراف عربية بالفكرة بفعل ضغوطات وإغراءات أمريكية.

[2] كشفت وثائق بريطانية أن “إسرائيل” وضعت خطة سرية لترحيل آلاف الفلسطينيين من غزة إلى العريش في سيناء عام 1971

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى