“طلحة جبريل” صحافيون ووحشة النفي وراء الصمت أو القضبان
لعل من المفارقات أن معظم وسائل الإعلام لم تهتم باليوم العالمي “لإنهاء الإفلات من العقاب” على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين والذي صادف الثاني من هذا الشهر .
يقول تقرير المعهد الدولي للصحافة ( IPI ) الذي تلقيت نسخة منه إن معدل الإدانة العالمي بجرائم العنف ضد الصحافيين منخفضة للغاية ، إذ في تسع حالات على الأقل من كل عشر حالات ، يفلت القتلة من العقاب. واختارت هذه المؤسسة العريقة ، الصحافية الاستقصائية “دافني كاروانا غاليزيا” شخصية السنة ، وكانت دافني قد كشفت الكثير من الفضائح وقضايا الفساد في بلدها مالطا، ودفعت الثمن غالياً، إذ قتلت أمام منزلها بعد انفجار سيارة مفخخة في 16 أكتوبر 2017 .
جاء في التقرير كذلك أن قوى الاستبداد تتعمد إسكات الصحافة المستقلة بالعنف وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اغتيال حرية التعبير بل الديمقراطية نفسها. في حين أن العقول المدبرة لاغتيال الصحفيين لا تُحاسب أبدًا.
أعتقد أن هذا الوضع هو ما يفرض غالباً على أعداد متزايدة من الصحافيين ممارسة الرقابة الذاتية للبقاء آمنين .
أقول بوضوح إنه إذا بلغت الأمور هذا الحد، على الصحافي أن يغادر المهنة، إذ لا يجوز لمن يساهم في توعية المجتمعات، أن يخشى الموت أو السجن، أو يرضخ بفرض رقابة ذاتية على نفسه في نشاطه المهني.
هذه السنة اختار المعهد الدولي للصحافة ثماني حالات للإفلات من العقاب ، على رأسهم الصحافية المالطية كاروانا غاليزيا، وتضم اللائحة صحافياً عربياً وروسية وصحافي من غانا وسيرلانكي وأميركي (اغتيل في جنوب السودان) وسلوفاكي ومكسيكية، في حين اعتبرت المكسيك واحدة من أخطر دول العالم على حياة الصحفيين .
الحالات المشار إليها هي فقط لتذكير المجتمع الدولي بأن ثقافة “الإفلات من العقاب“ لا تزال سائدة في جميع أنحاء العالم ، وعلى الرغم من أن بعض القضايا عرفت تطورات في التحقيقات، فإن الذين قتلوا أو أصدروا الأوامر بالقتل أفلتوا من العقاب.
المؤكد أن دور الصحافيين يتجسد في بث الوعي داخل مجتمعاتهم ، وذلك بنشر المعلومات الصحيحة.
يفترض أن نقدم لأي شخص معلومات صحيحة ثم نتركه وشأنه. وكما قال آرثر سالزبورجر مؤسس “نيويورك تايمز” : “أحجب المعلومات الصحيحة عن أي شخص أو قدمها له مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف، تدمر كل جهاز تفكيره، وتنزل به إلى ما دون مستوى الإنسان”.
الراجح أن السلطة خاصة في الدول ذات الأنظمة الشمولية لا تضيق بنشر الآراء لكن ضيقها كله ينصب على نشر المعلومات.
أختم وأقول إن بعض الصحافيين يعانون وحشة النفي الداخلي سواء كان النفي وراء الصمت أو وراء القضبان .