مقالات

حركات الإسلام السياسي.. وجود مؤثر رغم الإخفاقات

ظلت مسألة انتقال حركات الإسلام السياسي من الحالة التنظيمية إلى الحالة السلطوية مثار جدل في أوساط عدة لقصر تجربتها في الحكم.

وشكلت تطورات عقد كامل أعقبت ثورات الربيع العربي، منعطفات حادة في البنية الفكرية لحركات الإسلام السياسي، التي دأبت على الموازنة بين ثوابتها وما تقتضيه سلطة الحكم من تنازلات تفرضها طبيعة المجتمعات التي خضعت لسلطاتها، وضغوط المجتمع الدولي الذي ينظر إلى مثل هذه الحركات من زاوية فهمه لحقوق الإنسان والانفتاح على العادات الغربية، بالإضافة إلى محاولات إسقاط النموذج الديمقراطي الغربي على المجتمعات العربية.

** الإسلام السياسي

ووفق تقارير، فإن ما لا يقل عن 20 حزبا أو حركة تتبنى فكرة الإسلام السياسي ظهرت خلال العقد الأخير، بين عامي 2011 الذي يمثل بداية ظهور تلك الحركات وصدارتها مشهد التغيير، و2021 الذي ينظر إليه على أنه نهاية آخر مركز للسلطة بقيادة حركات الإسلام السياسي، بعد خسارة حزب “العدالة والتنمية” المغربي الانتخابات الأخيرة.

وعلى ما يبدو، فإن معظم الأحزاب والحركات الناشئة تلتقي فكريا مع “الإخوان المسلمين”، الجماعة الأعرق تاريخيا والأكثر تنظيما وانتشارا في العالم الإسلامي، وهي الأكثر استهدافا من قوى “الثورات المضادة” إعلاميا وسياسيا.

لا يبدو أن هناك توافقا بين النماذج التي طُرحت في بلدان الثورات العربية التي تصدّرت مشهدها السلطوي حركات الإسلام السياسي، ورؤية الغرب لنموذج الحكم وفق آليات ديمقراطية صممها في الأساس مفكرون وساسة غربيون بما ينسجم مع واقع مجتمعاتهم.

سعت حركات الإسلام السياسي إلى التماشي مع الإرادات الغربية من خلال إسقاط النموذج الديمقراطي على المجتمعات العربية خلال فترة تسلمها السلطة في عدد من الدول العربية، دون اعتبار للتباينات والتناقضات بين التقاليد الاجتماعية والدينية لمجتمعاتها مقارنة بنظيرتها الغربية.

** خسارات متتالية

خسرت حركات الإسلام السياسي سلطتها تباعا في مصر وتونس والمغرب.

في مصر انتهت سلطة جماعة الإخوان المسلمين في 3 يوليو/ تموز 2013 بـ “انقلاب عسكري” مدعوم من حركات وتيارات سياسية يغلب عليها الطابع العلماني.

وفي تونس نفذ الرئيس الحالي قيس سعيد، ما اختُلف في توصيفه بـ “انقلاب” على المؤسسات الدستورية والاستحواذ على كامل السلطات، ونهج جديد يستهدف منظومات الفساد وإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية.

أما في المغرب، فقد تكون خسارة “العدالة والتنمية” المحسوب على حركات الإسلام السياسي، حالة فريدة تمت عبر صناديق الاقتراع التي خرجت بأدنى مستوى للحزب المتصدر في انتخابات 2016 بنحو 124 مقعدا، ليحصل على 13 مقعدا فقط في الانتخابات الأخيرة.

** خلل بنيوي

إلى جانب ما يراه باحثون بوجود خلل بنيوي في تركيبة حركات الإسلام السياسي التنظيمية واعتماد آليات ديمقراطية “هشة” داخلها، يرى آخرون أن معظم هذه الحركات مصممة للعمل ضمن دائرة النشاطات الدعوية والاجتماعية بشكل أوسع من العمل في المجالات السياسية.

ويلعب توظيف الدين والقبيلة والمناطقية في بلدان المنطقة دورا فاعلا في توجهات الناخبين بشكل أكبر من البرامج الانتخابية للأحزاب أو الحركات.

لكن هذا التوظيف ليس حكرا على حركات الإسلام السياسي أو الأحزاب السياسية بشكل عام، إنما أجادت أنظمة الحكم الشمولية والاستبدادية الاستثمار في ذلك بالالتفاف على العملية الانتخابية بوسائل شتى تفضي إلى نتائج تخدم هذه الأنظمة.

لقد ساهمت عوامل عدة في عزوف نسبي عن قبول الآليات الديمقراطية في التغيير “السلمي” لأنظمة الحكم القائمة، منها فشل تجربة الحكم في تونس والمغرب بعيدا عن مسببات ذلك، وحالة عدم الاستقرار في كل من سوريا واليمن، وفي ليبيا إلى وقت قريب.

** آمال ومخاوف

في بدايات ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، بنت الجماهير العربية آمالا عريضة على إمكانية التغيير “الإيجابي” في منظومة الحكم القائمة منذ عقود، التي غلب عليها طابع “الاستبداد” أو الدكتاتوريات العسكرية.

لكن الحروب الأهلية التي شهدتها ليبيا وسوريا واليمن، أثارت الكثير من مخاوف تيار واسع من الجماهير العربية من أن يؤدي التغيير في بلدانهم إلى حالات شبيهة، دون أن ينسبوا تلك الاضطرابات والحروب إلى قوى “الثورات المضادة” التي أجهضت الثورات الثلاث وحرفت مسارها “السلمي” وأرغمتها على النهج العسكري.

لم تُظهر حركات الإسلام السياسي أي ردود فعل ضد الكثير من الانتهاكات التي تعرضت لها شعوب المنطقة جراء ممارسات الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة باحتلالها للعراق وأفغانستان.

كما أن تلك الحركات لم تتبن معارضة حقيقية للتصدي لحملات التغريب التي تتعرض لها المجتمعات العربية وقيمها الإسلامية، بل على العكس تماهت مع القيم الغربية في المستويات السياسية والاجتماعية، رغم الانتقادات التي تتلقاها من تيار جماهيري واسع يوصف بـ “التدين” أو “المحافظ”.

** إعادة اعتبار

المشروع “الاستبدادي” أو قوى “الثورات المضادة” نجح إلى حد بعيد في ترسيخ قناعات لدى أوساط المجتمعات العربية الباحثة عن الأمن والاستقرار أولا، بأن أي تغيير في الأوضاع القائمة سيقود حتما إلى الفوضى والاضطرابات على غرار ما شهدته ليبيا واليمن وسوريا، وهي دول تصدرت حركات الإسلام السياسي مشهد التغيير فيها.

لكن أحداث أفغانستان الأخيرة ولدت قناعات جديدة لدى قادة المجتمع الدولي بضرورة التعامل “الواقعي” مع حركات الإسلام السياسي، بوصفها قوى فاعلة في المجتمعات العربية والإسلامية.

ويعتقد باحثون غربيون أن على المجتمع الدولي تحمل تبعات باهظة الثمن في حال واصل دعم القوى التي تمنع حركات الإسلام السياسي من ممارسة حرية التعبير عن الرأي وتشكيل أحزاب خاصة بها تعكس توجهاتها الفكرية، وبالتالي المشاركة السياسية الفاعلة في الانتخابات.

ومع غياب الأحزاب السياسية القوية من خارج حركات الإسلام السياسي في معظم الدول العربية، ووجود أحزاب هامشية مشاركة في السلطة لا تعكس تطلعات الجماهير، فإن منع تلك الحركات من تشكيل أحزاب خاصة بها أو حرمانها من المشاركة السياسية، “قد” يؤدي إلى انجراف نسبة لا يستهان بها من أعضائها إلى منظمات أو تنظيمات متشددة أو إرهابية أو متطرفة.

** عابرة للحدود

ستظل “الإخوان المسلمين” التي تمثل الأب الروحي لمعظم حركات الإسلام السياسي، جماعة عابرة للحدود تثير مخاوف الأنظمة المستبدة والدكتاتوريات العسكرية.

ولا تزال حركات الإسلام السياسي عاملا فاعلا ومؤثرا في المجتمعات العربية والإسلامية على الرغم من سلسلة الإخفاقات التي اعترت مسيرتها خلال العقد الأخير.

ورغم محاولات الضغط التي مارستها قوى “الثورات المضادة”، احتفظت الولايات المتحدة والدول الغربية بموقف ثابت يرفض تجريم جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المنبثقة عنها وتصنيفها على لائحة التنظيمات والمنظمات الإرهابية.

إحسان الفقيه

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى