إدريس النعيمي..علال بن عبد الله..الغضب الآتي من الشرق
لطالما اعتبر الشرق أرضا مجهولة ومجالا ساحرا ملهما على مر التاريخ ، وقد شكل المقاوم الفذ علال بن عبد الله تجسيدا لأرض الشرق بعدما أصبح علال شعلة أنارت طريق البلاد نحو الاستقلال ،وإليكم الشرارة التي أطلقت رصاصة قاتلة في جسد الاستعمار الغاشم.
قبل حوالي قرن من الزمن سمع سكان المناطق الحدودية للمغرب الشرقي حديثا تناهى لمسامع شيوخ القبائل الرحل مصدره شاطئ سيدي فرج هناك على ساحل البحر بالجارة الجزائر ويقول الخبر الجلل أن:
-“النصارى قد نزلوا بالشاطئ لاحتلال أرض الإسلام.”
حينها علم سكان المغرب أن قوة معادية مسلحة بالحديد والنار قد أضحت على مقربة من الحدود ، لذا هبوا لنصرة أمير الجزائر الثائر عبد القادر بن محيي الدين أملا في طرد هذا الشر المستطير.وقد كان الأمير عبد القادر قد اتخذ من غرب الجزائر مقرا لمقاومته العنيفة ، جاعلا مدينة معسكر عاصمة له ، ومتخذا من شرق المغرب مجالا للاحتماء به حينما تشتد عليه الآلة الحربية الفرنسية المتطورة عددا وعدة.
ظل أهل الشرق يقدمون صنوف الدعم للأمير الثائر،وقدم سلطان المغرب حينها “عبد الرحمن بن هشام ” دعما لا مشروطا لأهل الجزائر ،وكان من عواقب ذلك أن نشبت معركة غير متكافئة لم تدم سوى سويعات وانتهت بفاجعة مدوية :
-هزيمة الجيش المغربي أمام الفرنسيين في العام 1844 للميلاد.
أدرك أهل الشرق أن الغزو هاته المرة لن يقف عند حدود لالة مغنية التي عينت شريطا فاصلا بين الفرنسيين بالجزائر وأرض المغرب، بل إن هؤلاء النصارى قد عقدوا العزم على اقتحام سيادة الدولة الشريفة بعدما أظهرت لهم معركة إيسلي أن الجيش المغربي لم يعد ذاك الجيش الرهيب الذي ظل راسخا في ذهن الأوربيين منذ انتصار “وادي المخازن ” في العام 1578 للميلاد.
وهكذا كشفت الهزيمة لقبائل الشرق المجاورة للجزائر أن الدفاع عن وجودهم بات رهينا باستماتتهم وتكتلهم في أحلاف قبلية قد توحد الجهود ضد الخطر الفرنسي القريب من الحدود،وأضحت تشن هجماتها السريعة على المراكز الفرنسية التي تتغيى التقدم لاحتلال المغرب.
ظلت تلك القبائل الشجاعة حاجزا للفرنسيين طيلة القرن التاسع عشر للميلاد، إلى أن اضطربت السلطة المركزية والتي كانت تقدم الدعم للمرابطين خلف الحدود، وأطل القرن العشرون على شبه اتفاق بين بلدان أوربا الإمبريالية على تسليم المغرب للاستعمار الفرنسي.
وهكذا استغلت فرنسا قصة مقتل الطبيب موشان فدفعت بجيوشها المتواجدة بالجزائر نحو سهول ملوية المفتوحة ،ولم يمض وقت طويل حتى احتلت مدينة وجدة في العام 1907 للميلاد.وذلك رغم مقاومة الحلف الزناتي لهاته الجيوش المتطورة رجالا وسلاحا.ثم وسعت القوات الغازية من دائرة نفوذها فوجهت نيرانها نحو مدينة جرسيف ، تلك المدينة الهادئة التي يخترقها نهر ملوية وتحيط بها مزارع الزيتون من كل صوب واتجاه كأنها “جنة آدم وسط الصحراء ” كما وصفها ذات يوم الرحالة الشهير محمد بن الحسن الوزان.
في ظروف الاحتلال تلك ولد بطلنا علال في مطلع العام 1916 للميلاد، هذا الفتى الذي سيلقن الاستعمار الفرنسي درسا في الوطنية الصادقة حينما أعلنها شرارة ستحرق لا محالة ما تبقى من جسد المستعمر الآيل للسقوط.
كان والد علال واسمه عبد الله الهواري ينتمي لقبيلة أولاد رحو، تلك القبيلة الأبية والتي حاربت الفرنسيين لعقود ، وقتل الكثير من أفرادها في المواجهات الدامية مع الجيش الاستعماري منذ أن وطئت قواته أرض جرسيف وأحوازها الواسعة، ولذلك شب الفتى علال ناقما على هذا العدو الذي جثم على أرض أجداده وسد على الأهالي سبل الحياة الكريمة.
والمعروف أن القبائل الشرقية حملت السلاح في وجه المستعمر حتى استنفذن كل إمكاناتها ، فرضخت مؤقتا لسطوة الحديد والنار التي سلطها المعمر على كل مقاوم ، ففضل الكثير من أفراد قبيلة أولاد رحو إتباع طريق الانتجاع والترحال حتى لا يخضعوا للقوانين الفرنسية التي قيدت من حريتهم وسلبت ممتلكاتهم .
وقد فضل عبد الله والد علال الاستقرار في جرسيف على مضض ، بعد أن علم أن قوانين جديدة استصدرتها السلطات المعمرة تكبل بها طرق الانتجاع حتى تحد من خطورته ، لكنه ما فتئ يذكر أبناءه ومنهم الشاب عبد الله على عدم الرضوخ للنصارى ويذكرهم دائما بأن :
-هؤلاء النصارى سيرحلون عن أرضنا يوما ما.
وما لبث عبد الله أن غادر الحياة وفي حلقه غصة تكالب النصارى على أرض الأجداد ، والأدهى من ذلك هو إعانة القواد والمقدمين المغاربة للمستعمر ضدا في بني جنسهم ، بل راح يقول وهو في سكرات الموت :
-” إن هؤلاء الخونة هم من ثبتوا سلطة النصارى علينا،وهم من يوجهوا لنا الضربة الغادرة في الخاصرة ولولى خيانتهم لكان لنا شأن آخر مع بني الأصفر.”
ولسوف تكون وصيته لابنه علال وباقي أهله آخر ما نطق به قبل أن يرحل حزينا على وطن مغتصب ، وسرعان ما ستتحقق مخاوف الراحل عبد الله حينما سيهب قائد جرسيف الموالي للفرنسيين على إصدار أمره للاستيلاء على الأرض الكبيرة التي تركها عبد الله ونزعها من ورثته على اعتبار أن الراحل كان مقاوما للفرنسيين وأذنابهم، وتلك كانت الصفعة الأولى التي تلقاها الفتى علال والتي سيكون لها وقع التماس الكهربائي الذي سيوقظ فيه روح الفداء.
بدت تحرشات القواد وجشع المعمرين تتزايد تغولا على أهالي البلد المستعمر ، وقد اشتدت سطوتهم على الأراضي الزراعية لإطعام الجوعى الناجين من الحرب العظمى الثانية التي انتهت منتصف الأربعينات ولم يتوقف حرها بعد أن خلفت عدد لا يحصى من المشردين والمعطوبين والمرضى ، وكان الفرنسيون أكثر الشعوب التي نالها شواظا من لهيبها الذي استعر طوال ست سنين كاملة ، لذا رأى الفرنسيون –كغيرهم من الدول الاستعمارية –أن الحل يكمن في :
-استغلال الشعوب الخاضعة لهم بكل الوسائل المتاحة حتى النجاة مما خلفته الحرب من ويلات.
وهكذا أصدرت الأوامر إلى القواد والمقدمين قصد جمع المحاصيل والاستيلاء على الأرض التي يتمنع أصحابها أو يبدو أدنى مقاومة للأوامر الصادرة.وكانت أرض علال التي ورثها عن والده الراحل من ضمن الأراضي التي طالتها يد القائد الظالم والذي أمر المقدم بمنع علال وأسرته من استغلالها بدعوى :
-أنها غير محفظة ولا يملك أصحابها أوراقا ثبوتية.
وكانت تلك حيلة لجأت إليها الإدارة الاستعمارية كخطة جهنمية جمعت بها ملايين الهكتارات من أجود أنواع التربة ونقلتها بتلك الطرق الملتوية للمعمرين ولأتباعهم من أعوان السلطة، وفقدت آلاف الأسر المغربية أراضيها –مصدر رزقها الوحيد-واضطر كثير منهم للهجرة نحو أقرب المدن للخلاص من شبح الفقر والحرمان التي أضحت تزداد قوة وصلابة ، وبعض من الأهالي لم يجدوا بدا من الرحيل نحو مناجم الفحم نحو جرادة التي تحولت إلى مركز استقطاب كبير للبائسين من المغاربة الذين تحولوا فجأة إلى عمال مياومين في ظروف صعبة مجردين من أبسط حقوقهم، وربما اشتغل كثير منهم لساعات متواصلة تحت التعنيف والضرب المبرح .
فقد علال أرضه وكاد معها يفقد عقله، وتوفيت والدته بعد مدة يسيرة على الحادثة الأليمة ، متأثرة بما حل بأرضها وأهلها، فربما كانت المرأة أكثر ارتباطا بالأرض من شقيقها الرجل ، فكلتاهما تحملان صفة الأنوثة، وكلتاهما تبكيان أبنائهما من شدة الفقد:
-فالأرض تبكي وديانا وأنهارا.
-والأم تذرف الدموع للفراق وفيرا مغزارا..
هكذا بكت أم علال أرضا ضاعت، وبلادا احتلت ، ولا أمل قريب يبدو في الأفق..ظلت تبكي حتى خبت روحها وغادرت الدنيا ، كما غادرها من قبل زوجها دون أمل رؤية أحلامهما الكبيرة :
-أن تتحرر البلاد من هذا الاستعباد.
دفن علال أمه بجوار أبيه،وانطل لشأن يغنيه ، كان قد عزم على الرحيل هو كذلك ، رائحة الموت أضحت تملأ أنفه ، وصوت أنين الأرض تملأ سمعه ، أرض تناديه ليعيدها من أيدي غاصبة لفت حبل الأسر عليها وعلى أهلها ، ولم تأت السنة الأخيرة من أربعينات القرن العشرين حتى انطلق علال مندفعا، مبتعدا عن وضع خنق أنفاسه ، وأشعل فيه روح الانتقام ، انتقام يكاد يظهره على شكل نظرات حادة للمقدم الذي سلبه أرضه حينما يرمقه في السوق الأسبوعي ، كان يود أن يختلط أحشائه بسكين يحمله معه بين ثيابه ، لكن علال سرعان ما يطرد وساوسه تلك ويقول في قرارات نفسه :
-“إن هذا المقدم ما هو إلا صنيعة لأسياده الفرنسيين ، وأن قتله لن يقطع رأس الأفعى ، وسيأتي النصارى بعميل جديد يسير على سنة سابقه في موالاة المعمر على حساب أبناء الوطن المستعمر”.
كان يعلم أن روح الثأر قد تقوده لقتل هذا الطاغية، لكن النهاية ستكون مقتله لا محالة، فلم لا يوجه ضربة قاصمة لأسياد هذا المقدم وغيره من أذناب الاستعمار ومعاونيه؟..فكر في ذلك بعدما عقد مع نفسه عهدا على أن:
-“يهب روحه فداء لوطنه.”
لذا قرر علال أن يغادر صوب مقر إقامة المعمر ومركز حكمه :
-الرباط.
بدت المدينة الساحلية للآتي من الشرق كعاصمة حديثة، ومدينة لا تشبه جرسيف موطنه التي يطغى عليها الطابع الريفي وتمتد أزقتها على أشجار الزيتون والنخيل ، أما الرباط فقد استحدثتها الإقامة العامة في شخض ” المارشال هوبير ليوطي” هذا المقيم العام الذي نقل مقر الحكم من فاس –العاصمة التقليدية للمغرب- إلى هذا المركز الصغير على ساحل الأطلنتي ، وذلك بعدما رأى أن مدينة الأدارسة تحيط بها الجبال ولا شك ستظل مركزا للمقاومة التي ستذيق المعمر كل الوبال.
لما استقر علال بالرباط كان قد مضى على وجودها كعاصمة ثلاثة عقود ، تزينها الأعلام الفرنسية المتعددة الألوان ، ويحيط بها الصمت والاستعداد لكل طارئ ، لا سيما وأن مطلع الخمسينات كان قد أطل على شد الحبل بين الإقامة العامة والسلطان محمد بن يوسف ، هذا الحبل الذي بدا أن مسألة قطعه أضحت قضية وقت ليس إلا ، وذلك بعدما شعرت سلطات الحماية أن الحركة الوطنية النشيطة بمدن الرباط وفاس والدار البيضاء قد اخترقت القصر السلطاني ووثقت صلاتها بعاهل البلاد .
شعرت سلطات الإقامة بهذا المستجد في أعقاب وثيقة المطالبة بالاستقلال في الحادي عشر من كانون الثاني /يناير من العام 1944 للميلاد ، ثم ازداد الأمر توترا بينها وبين محمد بن يوسف بعد خطابه المستفز بمدينة طنجة “الدولية” في العام 1947، لذا فالخمسينات كانت ستطل لا محالة على صراع وشيك بينهما بعد أن امتنع السلطان على وضع خاتمه في الظهائر التي تصدرها السلطات الاستعمارية بشكل دوري.
أما علال فتى الشرق المستقر حديثا بحي العكاري ذي البيوت الفقيرة المتشابكة والتي سهلت تواصل المغاربة مع بعضهم البعض بعيدا عن آذان المقدمين وعيون البوليس السري ، زكى ذلك سرعة فرار المطلوبين “للعدالة الاستعمارية” عبر تلك البيوت المرتطبة بعضها ببعض عبر فتحات سرية توصل حتى البحر المحيط.
كان يسمع كغيره من شباب الحي بعض الهمسات القادمة من القصر السلطاني القريب، ويخبر الوطنيون بعضهم البعض أثناء اجتماعاتهم السرية أن التوتر أضحى الفيصل بين ابن يوسف والمقيم العام الجديد…وأن السلطان مهدد في حياته ومنصبه نتيجة ممانعته.
وفي العام 1952 للميلاد عاش علال مع رفاقه حوادث القمع العنيف الذي صبته الإدارة الاستعمارية على المتظاهرين في المدن الكبرى على خلفية اغتيال الزعيم النقابي التونسي الشهير “فرحات حشاد ” ولما كان مشاركا في تلك المظاهرات السلمية أدرك أن البوليس الفرنسي يستهدف الشباب بدرجة عامة ، وغير المتزوجين بدرجة خاصة لما لهؤلاء من اندفاع شديد نحو المخاطر ، دفعه ذلك لأن يتقدم نحو إحدى بنات حي العكاري حيث طلب يديها من والديها ، ثم بعد ذلك انصرف نحو أعمال التجارة حتى لا تتعقبه أعين الفرنسيين وأذنابهم الكثيرين، وبذلك يحولون دون أن يضرب ضربته القادمة.
سمع تجار حي العكاري همهمة صارت خبرا يقينا،ونبأ سيزلزل المغرب زلزالا عظيما:
-“خلع ابن يوسف عن العرش ونفي خارج الوطن”.
سرعان ما انتشر الخبر الفاجع انتشار النار في الهشيم وراجت الأرض بأهالي المغرب سواء بالحواضر أو البوادي النائية،وعلا الحزن الوجوه، وحتى إن لم يستطع الأهالي فعل شيء اللهم الاستنكار وتناقل الخبر الفاجع الذي حول النهار إلى ليل دامس ، ولم يجد كثير من المغاربة بدا من الاستئناس بضوء القمر الخافت حتى تخيل كبار السن منهم أن ابن يوسف أضحت صورته –التي نشرتها الحركة الوطنية بشكل منظم وسريع- أضحت تتخيل لديهم في دائرة القمر نفسه.
وما زاد الأمر سوء وتعنتا لدى الإدارة الاستعمارية أنها ستقدم على حماقة أكثر من الأولى بعد أن نصبت على العرش الشاغر ابن عم السلطان “محمد بن عرفة”.
شيخ ستيني كان بعيدا عن دواليب السلطة حتى وإن كان جده هو السلطان محمد بن عبد الرحمن بن هشام،وحتى وإن كان مقربا من رجل فرنسا القوي:
-الباشا التهامي الكلاوي “.
هذا الباشا الجبار الذي أصدر بيانا سريعا،جمع فيه توقيع مائتي وسبعين باشا وقائد موالي للاستعمار، وأرسلها للمقيم العام “كيوم” مرفوقة برسالة كلها تمجيد للأسياد الفرنسيين وفيها دعوة صريحة لخلع ابن يوسف وتعيين ابن عرفة مكانه :
-“إننا معشر القواد في مختلف الجهات المغربية …نتقدم بكل شرف إلى سعادة المقيم العام للدولة الفرنسية الفخيمة بما يأتي :بما أن السلطان محمد بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين ،واتبع طريقا مخالفا للقواعد الدينية بانتمائه للأحزاب المتطرفة …الشيء الذي جعله يسير بالمغرب في طريق الهاوية…فإننا نقدم …طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من يستحقه”.
ولسرعة ما استجابت الإقامة العامة لهذا البيان الملغوم، وعزلت ابن يوسف في الثالث عشر من آب/أغسطس من العام 1953 للميلاد،ونفته بعد أسبوع إلى جزيرتها في البحر المتوسط “كورسيكا”.وفي الواحد والعشرين من نفس الشهر عينت ابن عرفة سلطانا جديدا.
هنا ظهر معدن الرجال،وانقسم العلماء بين مبايع ومعارض ومستنكر،وانبرى الشيخ محمد بن العربي العلوي حاسما في هاته النازلة التي زلزلت القصر السلطاني وعدلت من ساكنيه مصدرا فتوى سيكون لها شأن ولو بعد حين :
-“يجب قتل “السلطان الجديد”.
-لا ندري هل سمع علال بن عبد الله تلك الفتوى ؟
-أم أنه سيتخذ قراره من نفسه الثائرة؟
-أو أن ضربته الكبرى التي كان يخطط لها منذ مغادرته جرسيف قد آن أوانها؟؟
المهم أن فتى الشرق تحرك سريعا بعد أن علم بعزل ونفي سلطان البلاد الشرعي،اجتمع مع رفاقه التجار الذين كان معظمهم أعضاء في صفوف الحركة الوطنية،وخرج علال بقراره الذي لا رجعة فيه :
-“ضرورة تصفية هذا السلطان ..صنيعة الاستعمار.
حاول أن يحصل على سلاح ناري بمختلف الطرق، لكنه فشل في ذلك، فلم يكن الحصول على السلاح بالأمر السهل في تلك الأيام العصيبة ، وسلطات الحماية ومعاونيها المغاربة على أشد الاستعداد لكل طارئ ،والحركة الوطنية لم تكن قد رخصت حمل السلاح في وجه الاستعمار بعد،كان رموزها لا يزالون يتشبثون إلى حدود نفي ابن يوسف بالحوار والمظاهرات السلمية لعله يكون الحل الأمثل لخروج المعمرين إلى بلادهم دون إراقة الدماء.
لكن هيهات هيهات،فالخطب جلل،والأيام أثبتت خبث المحتل وأصداء كلمات رموز المقاومة لا زالت تثبت صحتها،وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المستعمر لم ولن يغادر إلا إذا لعلع البارود فوق قبعاته الزرقاء.
-ألم يعلنها موحى أوحمو الزياني صرخة غاضبة حينما ردد فوق أعالي خنيفرة الأبية:”لا أرى نصرانيا إلا ويدي فوق زناد بندقيتي.
– ألم يطلق أسد تادلة “أحمد الحنصالي” ثورته المسلحة على معمري فرنسا قبل شهر من مؤامرة النفي حينما قال :”إن الاستعمار لا يمكن إخراجه إلا بالسلاح”.
ربما كانت كلمات وجدت في علال آذانا صاغية ،وقلبا شجاعا من حديد ،فاجتمعت لديه ذكريات الماضي الحزين هناك في جرسيف البعيدة، مع خطوب عزل السلطان ونفيه خارج بلاده ،فلم يجد إلا سكينا حادا يبلغ به ثأره وثأر شعب بأكمله،وهاهو ابن الشرق يحدد هدفه ليتحدد معها مصيره…
بقلم إدريس النعيمي
يتبع