مقالات

النويني..قرار التطبيع خطوة شاردة عن عدالة القضية الفلسطينية

أقدمت الدولة المغربية قبل أيام في خطوة مفاجئة وبقرار انفرادي غير موفق إلى إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني قاتل الأطفال ومغتصب الأرض دون اعتبار للرأي العام الرافض لهاته الخطوة المشؤومة، ودون إنصات لنبض الشعب المغربي المناصر للقضية الفلسطينية من خلال المسيرات التضامنية المليونية والفعاليات الفكرية والثقافية المتنوعة.
خطوة التطبيع الممقوتة شعبيا وعربيا وإسلاميا وإنسانيا جاءت على بعد أيام من تخليد المنتظم الدولي لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي نفس اليوم الذي يحتفي فيه العالم بالإعلان الأممي لحقوق الإنسان، لتكون بمثابة طعنة غادرة لأنبل وأعدل قضية إنسانية في التاريخ والتي بقيت عصية على التركيع والإخضاع رغم المحن والإحن وستتوارثها الأجيال تلوى الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قرار التطبيع المنبوذ من قبل أحرار المغرب وحرائره وأصدقاء القضية الفلسطينية يتعارض مع القرار الأممي الشهير عدد 194 الصادر بتاريخ 11 دجنبر 1948 والذي يمنح بموجبه سكان فلسطين المهجرين قسرا، في حق العودة إلى أراضيهم مع تعويضهم عن الأضرار التي لحقتهم جراء ذلك التعسف، ويناقض “القرار الأممي عدد 242” الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 22 نونبر 1967، والذي يحث الكيان الصهيوني عن الانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة بما فيها فلسطين، وإنهاء كل حالات الحرب والمطالب المتعلقة بها، واحترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديدات أو استخدام للقوة.
إن الكيان الصهيوني يسعى من خلال هاته الاتفاقيات أساسا إلى كسر الموقف العربي الرسمي اتجاهه والذي عمد إلى مقاطعته لما يفوق سبعة عقود من الزمن، تمهيدا للهدف الأهم عنده وهو رغبته في تفكيك الوعي الجمعي العربي ضد مسألة التطبيع وبروز جيل جديد متعايش ومطبع مع هذا الكيان غير الشرعي؟
هكذا جند هذا الكيان ومعه أعداء أمتنا خبراءهم وعملاءهم وإمكانياتهم وأسطولهم الحربي الفتاك وجهازهم الإعلامي المنحاز ونظامهم الاقتصادي المتغول وسلوكهم الثقافي الماسخ لتدمير أمتنا وتمزيق أوصالها وإشعال نيران حروب عرقية وأهلية وسياسية بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد، في إطار ما اصطلح عليه بالفوضى الخلاقة رغبة منهم في إعادة بناء أوطان جديدة على المقاس، بشكل يخدم أهدافهم ويحقق مبتغاهم ولا يتعارض مع مصالحهم، وينبطح لخياراتهم وإراداتهم.
كيف للرواية الرسمية المغربية أن تتحدث عن إجماع وطني اتجاه خطوة التطبيع، وأجهزتها الأمنية تجمهرت أمام البرلمان المغربي وبكل المنافذ المؤدية إلى مكان انعقاد تظاهرة احتجاجية رافضة لخطوة التطبيع دعت لها ما يناهز 65 هيئة وتنظيم سياسي ؟
متى تقتنع هاته الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني أن مصلحتها في التطبيع مع شعوبها والتصالح معها والإنصات لنبضها ومطالبها؟
ألم يتأكد بعد هذا الخنوع العربي الرسمي أن استراتيجية المقاومة هي الخيار الوحيد لمواجهة الارهاب والاحتلال الصهيوني وتحرير القدس الشريف وجميع الأراضي المحتلة بدعم من الحملات التضامنية من قبل الشعوب العربية وأصدقاء القضية في باقي دول العالم الذين يؤمنون بنبلها وعدالتها؟
إن الصراع بين قوى الحق والباطل هو صراع أزلي وسنة إلهية، قد لا يخلو منه زمان ولا مكان، وأن أطراف النزاع وإن اختلفوا في أيديولوجياتهم وعقائدهم وأفكارهم لكنك تراهم يرفعون راية الحق معا، وكل يدعي أنه يمثل جبهة الخير والصلاح، لذلك ذهب بعض المفكرين إلى أن مفردة الحق والحقيقة، هي إصطلاحات نسبية تختلف باختلاف الظروف وملابسات الصراع، فترى الأمة قد ابتليت بالغفلة والضياع وغياب البصيرة والتيه في تشخيص ومعرفة الحق وأهله.
وغابت عن ميادين الصراع أبسط القواعد والمفاهيم الأخلاقية واختفت المثل والمبادئ خلف ستار مسرح المصالح والمكاسب وبسط النفوذ؛ لذلك يحق لنا أن نسأل أين إذن ذهبت تلك القيم الإنسانية والأخلاق الإسلامية والنظريات الفلسفيّة والآراء الفكرية في الأخلاق؟
ولماذا هذا الفكر الإمبريالي الذي أصبح منهجا تتبناه دول متعدده في عصرنا الحالي مستندين فيه إلى دعامة البراغماتية، أو ما يسمى بالمنهج النفعي، صراع تسقط فيه القيم ويجوز فيه استخدام جميع الأدوات، حتى وإن كانت لا تنسجم مع المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية.؟
إن مسؤولية العلماء والدعاة والمفكرين والساسة والمثقفين مسؤولية كبيرة وعظيمة حيال ما يحاك للأمة ويخطط لها، من خلال الصدع بكلمة الحق والتصدي لهذا المخطط الظالم والهجوم الغاشم ورفع الهمم وشحذ العزائم والإرادات وبث روح ومعاني اليقين في الله وفي نصره وتمكينه، من أجل تشكيل جبهة موحدة صلبة وقوية ممانعة لهذا الاختراق البغيض ولهذا المخطط الشيطاني المفضوح.
ذ محمد النويني محام وباحث في القانون الدولي الإنساني

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى