الباحث سعيد مولاي التاج يحلل القانون الأساسي بقراءة مفصلة في مذكرته التقديمية
بقلم سعيد مولاي التاج: باحث في الشأن النقابي
تكتسي المذكرات التقديمية للقوانين كيفما كان نوعها أهمية خاصة، إذ تعتبر وثيقة توجيهية وتفسيرية تحدد فلسفة القوانين وغاياتها وأنساقها وسياقاتها التاريخية والاجتماعية، وحتى الخلفيات التشريعية والسياسية المتحكمة في القانون المشرع، وقد لا نبالغ إذا زعمنا أنها تماثل إلى حد بعيد الديباجة الموجودة في طرة الدساتير، فهي تفصح عن إرادة المشرع وحكمة التشريع وغاياته.
وقد درجت الحكومات والهيئات الرسمية على التقديم لمشاريع المراسيم والقوانين بمذكرات تقديمية، ولعل أهمها تلك المرتبطة بقوانين المالية.
وستحاول هذه القراءة بشكل مركز عرض مضامين المذكرة التقديمية ومساءلة بعض مضامينها من خلال أربعة مستويات: المرجعيات السياسية والقانونية التي تأسست عليها، والمرتكزات التي أطرتها واستندت عليها، وكذا المقاربة ومنهجية العمل التي وجهت المشتغلين على هذا النظام، لنصل إلى المستوى الأخير وهو الغايات والمرامي التي حددت رؤية المشرع/ التنفيذي، بافتراض أنه حتى لو كان يحتاج مصادقة البرلمان بهيئتيه لتمريره، فيعتبر التصويت شكليا في ظل أغلبية حكومية.
المرجعيات السياسية والتشريعية:
تحيل المذكرة التقديمية نصا على أربع مرجعيات تشكل الإطار القانوني والسياسي للنظام الأساسي وهي:
1. أحكام القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، أي القانون.51.17 الذي يرسم معالم الإطار القانوني ويشكل خارطة الطريق لإصلاح التعليم، ويعبر عن تعاقد وطني كما جاء في ديباجته.
2. التوجهات الواردة في النموذج التنموي الجديد للمملكة، التي تضع الرؤية الإستراتيجية للإصلاحات والتعديلات والأهداف المطلوبة باعتبار التعليم جزء من الإدارة ورهانا من رهانات التنمية.
3. بنود البرنامج الحكومي (2021-2026)، الذي رفع شعار مدرسة “تكافؤ الفرص، والتزم بعدة أمور على رأسها رد الاعتبار لمهنة التدريس.
4. اتفاق 14 يناير 2023 الذي تم توقيعه تحت إشراف رئيس الحكومة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بعد عدة محطات ومشاورات ماراطونية، والذي يحدد المبادئ الكبرى المؤطرة للنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.
لكن وثيقة مشروع النظام الأساسي تحيل على ما مجموعه ستة عشر ظهيرا ومرسوما، والتي يعود أقدمها إلى 1958 وهو الظهير 1.58.008، في حين يعود أحدثها إلى سنة 2023 أي المرسوم 2.23.546. وهو ما يؤكد على أن النظام الأساسي وثيقة قانونية تقنية صرفة، رغم أنه أحال على ثلاث وثائق سياسية في ديباجته، يضاف إلى هذا تجاهله للدستور وعدم الإشارة إلى أحكامه المتعلقة بالوظيفة العمومية، كما أنه لم يشر إلى التقارير الدولية والمحلية التي شخصت واقع التعليم في المغرب، وكذا الوثائق المرجعية كالرؤية الاستراتيجية والميثاق الوطني.
المقاربة:
حسب المذكرة التقديمية، فإنه تم إعداد مشروع المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الجديد وفق مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، حيث تم:
1/ تشكيل لجنة تقنية مشتركة بين الإدارة وهذه النقابات.
2/ إحداث لجنة عليا برئاسة السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وعضوية النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية الموقعة على الاتفاق السالف الذكر.
لكنها لم تشر إلى الوزير المنتدب لدى وزارة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، والوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بإصلاح الإدارة والانتقال الرقمي، رغم أنهما كانا من مهندسي هذا الاتفاق وضابطي إيقاعه الإداري والمالي، وهو ما ثبتته توقيعاتهما في مشروع النص المقدم، وهنا نسأل عن صفتهما القانونية والاعتبارية أثناء جلسات الحوار، هل كانا أوصياء أم شركاء؟ وإذا كان هذا الحس التشاركي حاضرا أين هي مساهمة مؤسسات دستورية رسمية وهيئات مدنية ذات صلة بالموضوع؟ وأين هي خلاصات تقاريرها وتوصياتها؟ أو بشكل أوضح لماذا لم يشارك المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للحسابات؟ ولماذا لم تشارك التنسيقيات وهي من تقود الفعل الاحتجاجي واقعيا؟ ولماذا تم القفز على الروابط والجمعيات المهنية خاصة المديرين والمفتشين والمتصرفين؟ ولماذا تم إغفال حضور فيدراليات وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ ولو بصفة عضو ملاحظ وشاهد لرصد من يؤزم الوضع التعليمي في المغرب ويصر على الاحتقان؟ ثم أين هي مكاتب الدراسات والخبراء والهيئات الاستشارية؟ ولماذا تم إقصاء النقابات المعارضة وغير الحاصلة على التمثيلية من الحوار؟ ولماذا قبلت المركزيات بهذا الأمر في إقرار نظام المفروض فيه أنه ورش وطني ويهم عدة شركاء؟
ومع كل هذا الانفراد جاءت لحظة تمرير النظام إلى الحكومة للمصادقة عليه دون تعديلات ودون موافقة النقابات المشاركة، ليفضح بشكل واضح النوايا الانفرادية والتسلطية للحكومة ولوزارة شكيب بن موسى، وليطرح السؤال عن مآل وجدوى جولات من الحوار وتوقيع الاتفاقيات؟ وليطرح السؤال عن حقيقة ما وقع؟ هل هو طعنة غدر للمركزيات النقابية ومحاولة للقضاء على ما بقي من شعبيتها؟ أم هو إخراج متفق عليه كما يتم تداوله في صفوف الشغيلة التعليمية؟ خاصة وأن ردود فعل المركزيات لم تتجاوز سقف التنديد والرفض وإعلان حالة الطوارئ في صفوف هيئاتها التقريرية دون اتخاذ خطوات تصعيدية ميدانية مؤثرة وحاسمة.
المرتكزات الأساسية:
حسب المذكرة التقديمية حدد مشروع النظام الأساسي ثمانية مرتكزات تأسست عليها نصوصه القانونية، وتحكمت في الرؤية التي وجهت سير المفاوضات، وشكلت أيضا فلسفة النظام الأساسي، وهي مضامين مستمدة من كافة الوثائق المرجعية والتوصيات والتقارير والبرامج السياسية، وهو ما لخصه القانون الإطار 51.17 الذي أكد بشكل مختصر ومركز على الربط بين جودة التعليم وإصلاح منظومة التعليم في شقها البشري، حيث نص “على أن ضمان تعليم ذي جودة للجميع يستلزم اتخاذ الإجراءات اللازمة والتي من أهمها ، تجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير، وإعادة تنظيم وهيكلة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وإقامة الجسور بين مكوناته”.
1. تحقيق التكامل والانسجام.
2. الاستقطاب للمهنة.
3. الزامية التكوين الأساس والمستمر.
4. تثمين الاستحقاق
5. التوحيد
6. التحفيز
7. الالتزام والمسؤولية
8. تحقيق المردودية
والملاحظ إجمالا أن كل هذه المرتكزات لم تتحول إلى إجراءات عملية وقرارات إدارية ومالية ذات أثر في المواد القانونية 98 التي تضمنها مشروع النظام الأساسي رقم 2.23.819، وهو ما كان مثار احتجاج ورفض من كافة هيئات وفئات الشغيلة التعليمية، التي رأت أن تحقيق التحفيز والاستقطاب للمهنة وتثمين الاستحقاق يستحيل دون وجود تعويضات مادية معقولة وعادلة، وأجور محفزة ومستقطبة للكفاءات من الشباب، ودون وجود عدالة اعتبارية ومساواة حقيقية بين كافة مكونات المنظومة وغيرها من الموظفين، من حيث المهام والأجور وساعات العمل، والتنصيص على عقوبات دون التنصيص على المخالفات الموجبة لها، بل كرست حتى التمييز بين مكوناتها والتفرقة بين مكوناته، وطغى هاجس التحكم، والمقاربة الكمية دون مراعاة الانسجام .
الغايات والمرامي:
إن باستقرائنا للمذكرة التقديمية نجد أنها أشارت إلى عدة أهداف وحددت عدة غايات بصيغ وتعابير مختلفة، يمكن إجمالها في 12 نقطة، تختلف من حيث الأولوية والاستعجالية، هذه الأهداف والغايات والمرامي منها ما هو استراتيجي ولا يمكن أن تقوم به وزارة التربية الوطنية بإمكاناتها المحدودة، ومنها ما يحتاج إلى أجرأة وتفعيل، ومنها ما هو محل إجماع في العناوين الكبرى ويحتاج تفصيلا وتحليلا، واتفاقا بين مختلف الفاعلين والشركاء السياسيين والمدنيين.
1. تحقيق نهضة تربوية حقيقية.
2. إعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع المجتمعي للمغرب.
3. تحسين جودة المنظومة التعليمية وبناء النموذج الجديد للمدرسة العمومية.
4. إحداث تحول في المدرسة العمومية.
5. تجديد مهن التدريس والتكوين والتدبير.
6. تحسين جودة التعليم بشكل جوهري.
7. رد الاعتبار لمهنة التدريس.
8. ملاءمة الأنظمة الأساسية الخاصة بمختلف الفئات المهنية.
9. الارتقاء بظروف اشتغال الأساتذة.
10. تحسين جودة تكوين الأساتذة.
11. تحفيز نساء ورجال التعليم على الانخراط في تنزيل أوراش منظومة التربية والتكوين
12. تثمين أدوار الأستاذات والأساتذة وتحفيزهم وتأهيلهم وتعبئتهم باعتبارهم الفاعلين الأساسيين في التغيير وتكوينهم.
وإجمالا يمكن القول إن هذا النظام الأساسي الذي طال انتظاره كان مخيبا للآمال في عمومه رغم بعض المكتسبات التي كان الهدف منها إسكات بعض الفئات، وجاء متناقضا مع ما وضعه لنفسه من أهداف وغايات، فلم يحقق العدالة الأجرية ولا تكافؤ الفرص ولا التحفيز المطلوب ولا كرس نفس الحقوق والواجبات، ولا جاء منسجما مع التشريعات الدولية وقانون الوظيفة العمومية، والأنظمة الأساسية لباقي القطاعات، بل الأخطر من هذا أنه حكمته المقاربة الأمنية والضبطية والحصرية، ولم يتمكن من تنفيس حالة الاحتقان التي يعيشها قطاع التعليم منذ عقدين من الزمن، بل زاده تأجيجا مما ينذر بفصل جديد من الاحتجاج لإسقاطه وإسقاط الأطراف التي شاركت في صياغته وتجاوزها.