ثقافة

مضامين المواثيق الدولية واستراتيجياتها وآلياتها التي تهدد مؤسسة الأسرة عنوان محاضرة ضمن برنامج سفراء المكارم

في إطار الفعاليات والأنشطة الرئيسية لبرنامج سفراء المكارم-دورة فطرة 2023، استضاف المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الدولي يومه الجمعة 19 مايو 2023، المتخصصة في قضايا الأسرة والمواثيق الدولية المهندسة والدكتورة كاميليا حلمي طولون من تركيا، في محاضرة علمية موسومة ب” الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالأسرة، رصد مداخل التغريب”، وحاورها الدكتور محمد فخري صويلح محام ومحكم تجاري من الأردن.

افتتحت الأمسية العلمية بتوطئة للموضوع من قبل منسقة الدورة الدكتورة صباح العمراني من المغرب، حول اهتمام المنظومة الدولية بالأسرة والمرأة، وبتذكير المشاركين بالبرنامج الأسبوعيليومي السبت والأحد مع التنويه بانخراطهم الجاد، ثم أحالت الكلمة إلى الدكتورة حياة الكرماط المديرة التنفيذية لأكاديمية منار الشريك التنفيذي لبرنامج سفراء المكارم من إسبانيا، لعرض الإحصائيات والمعطيات المتعلقة بأنشطة الأسبوع الماضي.

أحليت الكلمة على مدير المحاضرة الذي بسط أرضية الموضوع بجملة من الأسئلة منها: هل تسهم المواثيق الدولية في تفكيك الأسر أم تعيد بناءها؟ ومن المستهدف تحديدا الرجل أم المرأة أم الطفل أو فطرة الإنسان؟

من هنا شرعت المحاضِرة كامليا حلمي في عرض عناصر مداخلتها وفق قراءة وصفية ونقدية على النحو الآتي:

أولا: الشرعة الدولية واستهداف الاسرة، استعرضت بعض المواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة المتعلقة بمؤسسة الأسرة والتي تهدف إلى تدميرها، منها سيداو، واتفاقية الطفل، والقاهرة للسكان..، لكن في عام 2015 استعانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة  بمظلة جديدة سميت بوثيقة  “التنمية المستدامة ” ووضعت لها أهداف وبرامج خاصة ومدعومة بتمويل ضخم، في الوثيقة مثالب عديدة وخطيرة منها: مصطلح مصالح الطفل الفضلى الذي يهدف إلى رفض كل الممارسات  التي تتعارض مع حقوقه وهويته الجنسية والميل الجنسي ودعم  استقواء الطفل ضد الوالدين.

ثم انتقلت لعرض صور مختلفة لهذه الاتفاقيات الدولية التي تمس بالفطرة السليمة وتفضي إلى اختفاء النموذج السليم للأسرة بمكوناتها الطبيعية التي خلقها الله عليها.نسوق من هذه القوانين اتفاقيةسيداو في بند تجريم الزواج دون سن الثامنة عشرةلتقنين النسل ومحاربة الزواج المبكر، وبالمقابل التشجيع على الزنا تحت مسمى العلاقات الجنسية الرضائية،والعناية بحقوق الأم العزباء وطفلها، ومحاربة القوانين التي تجرم الزنا والشذوذ وامتهان الدعارة.

فبدأت الدول العربية والإسلامية تصدر قوانين ووثائق توافق على ما جاءت به هذه المواثيق الدولية نذكر منها وثيقة القاهرة للسكان ما بعد 2014،والتي تستنكر القوانين التي تجرم الزنا والعلاقات المثلية الرضائية والعمل في مجال الجنس الذي أصبح عملا مشروعا يقوم على أمور ثلاثة هي أن الزنا يكون بالرضا و أن الشذوذ يكون بالرضا بالإضافة إلى ممارسة الدعارة في مقابل هذا كله أصبح الزواج عنفا وممارسة ضارة، وهذا تناقضوازدواجية في الخطاب.

لتمرير هذا التناقض أدخلوا ما أسموه بخدمات الصحة الجنسية والإنجابية للجميع ولكل الاعمار وفق برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية  1994 ، من اجل ضمان حصول الجميع على هذه الخدمات المتمثلة في التثقيف الجنسي والتدريب على استعمال العزل الطبي، وإباحة  الإجهاض وتسميته “بالإجهاض الآمن “، والتدريب على الشذوذ الجنسي “الآمن” .

وقد أكدت وثيقة القاهرة للسكان على وصول هذه الخدمات للأفراد غير المتزوجين النشطين جنسيا الذين يرغبون في الحصول على المعلومات والخدمات، فبدأت تنشر في المدارس بطريقة ممنهجة، وخرجتمظاهرات ضد منع الإجهاض بتشجيع مجموعة من النسويات الحداثيات.

وتستطرد الدكتورة كاميليا في حديثها عن تلك الكوارث التي أفقدت الشباب الاهتمام بمؤسسة الأسرة، بالتنبيه على التلاعب بالمصطلحات وما أنتجه من مفارقات في آثار المواثيق الدولية في هدم الأسرة،  نذكر من مثل هذه المصطلحات العمل بالجنس في مقابل الزنا، ليصبح حقا من الحقوق الإنسانية المشروعة تحت مظلة الوقاية من الايدز باعتباره البوابة الذهبية لنشر الإباحية، وذلك بإخراج دليل إرشادي يخص الإيدز والعمل بالجنس ، جاء فيه أن ” العاملون في الجنس هم أنثى وذكر ومتحول النوع من البالغين والشباب الذين يتلقون المال أو البضائع في مقابل خدماتهم الجنسية”. وهو اعتراف بحقوق العاملين في الجنس وأن عملهم هذا من صميم حقوق الإنسان. و ما لبث الأمر أن أصبح للشواذ يوم ثم أسبوع ثم أسبوع فخر ثم شهر فوضعوا رمزا خاصا بهم حتى تقرر 17 دجنبر اليوم العالمي لإنهاء العنف ضد العاملين في الجنس .

وفي مظهر آخر من مظاهر آثار المواثيق الدولية على الأسرة، انتقلت الدكتورة للحديث عن الشق المتعلق بالمرأة بالإشارة إلى بنود تناهض جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها كما كانت تبدو في الظاهر على حد تعبير الدكتورة، لكنها في الحقيقة عكس ذلك حيث كان المقصود منها تهدف إلى حماية حرية المرأة في ممارسة الدعارة.

ثم انتقلت إلى الحديث عن نشر الشذوذ الجنسي خاصة في صفوف الأطفال، وتناولته من خلال مصطلح الجندر الذي وضعوه مقابل الجنس، مطالبين بتساوي الحقوق بين الجميع لاعتبار أساس هو أن نظرية الجندر تقوم على الخصائص والعلاقات والأدوار التي هي كلها مبنية اجتماعيا ومتغيرة وليست ثابتة، الأمر الذي أنتج مسميات هي ” هو / هي / هم للشواذ.

فأبيحت الهوية الجندرية باعتبارها حق من حقوق الإنسان، كما فرض احترام الميول الجنسي بالترويج لزواج الشواذ، وبالمقابل حاربوا ما يسمى بالجندرية النمطية التي تحافظ على المهن التقليدية للذكر والأنثى، هنا  تساءلت الدكتورة عن المهن غير التقليدية التي تحافظ على الأسرة من الضياع وتترك لكل فرد دوره الطبيعي المناسب له فطريا  في الحياة؟

تحدثت الدكتورة كاميليا حلمي عن قضية استقواء النساء باعتباره دعوة للاستغناء عن الرجل عن طريق القيام بأدواره، مشيرة إلى بعض بنود اتفاقية سيداو التي ورد فيها المطالبة بالقضاء على أعراف تحدد الأدوار النمطية للمرأة، وذلك عن طريق نشر مناهج تعليمية تضمن فهم التربية الأسرية تفهما سليما تعتبر فيه الأمومة وظيفة اجتماعية. فبدأت الدورات التدريبية لإدماج النوع الاجتماعي والجندر وتحقيق المساواة وإدخال المثلية والشذوذ وغيرها فيالتعليم، فكانت النتيجة بروز بعض مظاهر اختلال الأدوار الفطرية كتدقيق الحاجبين عند الذكور وتغيير الألوان الخاصة بالإناث والذكور… إلى غير ذلك من المظاهر والتجليات. ولقد ساهمت العديد من المجلات العالمية المعروفة في نشر هذه الثقافة والدعوة إليها من مثل مجلة THE TIME و THE NEW YORK TIMES

وتحت ذريعة الجنس الآمن والممارسة الجنسية المسئولة، بدأت الدول الغربية في الضغط على الأطفال للتحول وإقناعهم بأنه حقهم المشروع،فبدأت ثورة التحول الجنسي الذي قيد سلطة الآباء، وأصبحوا ممنوعين من الاعتراض على هذا التحول، فأصبح الحرام مباحا والحلال محاربا.

ثانيا: التنمية المستدامة والمساواة ومناهضة العنف الأسري: وفي الحديث عن العنف الأسري تناولت الدكتورة مصطلح العنف، قائلة بأنه مصطلح خطير وضبابي، الغرض منه هو تمرير منظومة من القوانين الاستئصالية للأسرة والأخلاق كلها. ثم عرضت العديد من مظاهر هذا العنف حسب المواثيق الدولية منطلقة من تعريف هذه المواثيق للعنف محددة إياه في عنف نفسي ولفظي ومعنوي وجنسي وعنف مبني على النوع أو الجندر. كما أشارت الدكتورة إلى أن هناك العديد من البنود في هذه المواثيق التيتعتبر القوامة والولاية والوصاية وسلطة التطليق بيد الزوج وعدم المساواة في الإرث وعمل البنت في بيت أهلها وتأديب الأبناء و تجريم البغاء كلها أنواع العنف المبني عل الجندر، موضحةبأن الهدف من هذا التصنيف هو تمرير مدونة الأسرة لدول العالم الإسلامي .

هذا التمرير وضحته الدكتورة كاميليا في المحور الثالث متحدثة عن توظيف الخطاب الإسلامي لشرعنة الأجندة الأممية، والذي تحقق من خلال ثلاث مراحل، أولها هو اجتماع المنظمات النسوية واتحادها وتناسي ما بينها من اختلافات ثم وضع مشروع مع رفع السقف في بنود هذا المشروع، ثم الانتقال إلى استقطاب شخصيات ذات نفوذ وأخيرا دعوة الإسلاميين للتفاوض، الأمر الذي حقق لهم ما كانوا يرغبون فيه لأن الإسلاميين على حد تعبير الدكتورة وقعوا في الفخ الذي نصب لهم. وبهذا خرجت بنود مرونة الأسرة بموافقة كل الحاضرين رغم أن أهداف هذه المدونة كانت تتجه نحو ضرب الفطرة وتغيير الإنسان وتحويله بحيث لا يستطيع القيام بدوره الأسري الطبيعي والسليم.

 اختتمت هذه المحاضرة بتفاعل المشاركينفي دورة فطرة بطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات للمزيد من الإيضاح والتنوير في قضية هي من الأهمية بمكان، هي قضية الأسرة وما تتعرض له من مظاهر التغريب والهدم الذي أصابها في مقتل، وما تعرفه الإنسانية الآن  خير دليل وشاهد على ذلك.

التقرير من إنجاز: أسماء فاضل وأنيسة الكركاري

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى