الأستاذ بدر الدين زواقة متحدثا عن نداء المكارم في برنامج سفراء المكارم -دورة فطرة
ضمن الفعاليات والأنشطة الموازية لبرنامج سفراء المكارم -دورة فطرة 2023 المنظم من قبلالمركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري، تابع أزيد من 217 مشارك في غرفة زووم يومه الأربعاء 18 مايو 2023، محاضرة علمية حول موضوع “نداء المكارم، رؤية كونية قرآنية في عالم الشهادة” ألقاها الدكتور بدر الدين زواقة أستاذ فلسفة الإعلام جامعة باتنة الجزائر، وأدارت الجلسة الأستاذة وديان البخاري من المغرب.
استهل الأستاذ المحاضر كلمته بتفكيك عنوان المحاضرة إلى أسئلة ثلاثة، تساءل أولا: لماذا نداء المكارم؟ مجيبا أن التحدي والتدافع والصراع يكون دائما على المكارم والقيم، ومنوها بدور المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري في الاهتمام بالمكارم الضائعة في بلاد المسلمين والمغيبة في غير بلاد المسلمين فنداء المكارم هي صرخة في هذا العالم من أجل استحضار واستنطاق القرآن من جديد. ثم انتقل إلى السؤال الثاني: لماذا رؤية قرآنية؟ لأن القرآن الكريم يهدف لصناعة الإنسان وبناء القيم، ويؤصل للتواصل الإنساني الحضاري.وأجاب ثالثا عن سؤال لماذا عالم الشهادة؟ لأن معناها في كتاب الله الحياة والحضور والبلاغ وليسالموت انطلاقا من قوله تعالى (ويتخذ منكم شهداء).
بعد هذه المقدمات الممهدات انطلق الدكتور زواقةلبيان الرؤية الكونية التي أسسها القرآن الكريم على ثلاثة كتب: المقروء وهو القرآن الكريم، والمنظور وهو الكون، والثالث هو الإنسان. ثم أبان عن غياب هذهالرؤية الكونية عن تفكير المسلمين، حيث اهتموا بالوحي وضيعوا الكون والإنسان فتخلفوا، وبالمقابل اهتم الغرب بعلوم الإنسان وضيع الوحي باعتباره مخزون القيم فتخبط.
من هنا خلص إلى أن فهم نظرية المقاصد والقيم الإنسانية ينبنيعلى الرؤية الكونية حتى نؤسس لنداء المكارم يفهمه غيرنا، وحذر من القراءة الظاهرية الساذجةللوحي التي تختزل مفهوم الدين في الأحكام التوقيفية الثابتة مما أدى إلى تغولها على حساب المقاصد والقيم والسنن الكونية لولا ظهور العلماء المجددين كالشافعيوالشاطبي، وكثير من المفكرين والعلماء المعاصرين الذين أعادوا الاعتبار للمقاصد الفردية والاجتماعية ووظفوها في فهم الدين.
ثم خلص إلى تعريف شامل للفقه الإسلامي وحدده في”أحكام فقهية ومقاصد إنسانية وسنن كونية”وفصل فيه طويلا بذكر بعض النماذجلمشاريع فكرية حضارية مؤسسة على ثلاثيات، منها ثلاثية طه جابر العلواني التوحيد والتزكية والعمران…
وبعد ذلكأشار الدكتور بدر الدين زواقة إلى تعدد المقاربات للمسألة القيمية وفصل فيمقاربة طه عبد الرحمن التي تدعمقضية القيم عبر مستويات ثلاثة وهي:
1- المقاربة العلمانية: تريد أن تفصل الدين عن القيم وعن عالم الشهادة وعن عالم الإنسان رغم تطورها بحيث أصبحت تطالب بإدخال الدين في الفضاء العمومي بعد وصول الغرب إلى الطريق المسدود، طريق ما بعد الحداث.
2- المقاربة الائتمارية: التي تغزو خطاب المسلمين في المسجد والبيت مركزة على الأحكام الفقهية دون المقاصد،فهي مقاربة متعبة أخرت أمة الإسلام وضيعت عليها وعلى غيرها الشهادة للدين الإسلامي.
3- المقاربة الائتمانية: وتتلخص في التزكية والأمانة والشهادة بحيث يمثل التوحيد تمظهرا للتزكية، وهي وظيفة الأنبياء.وفي هذه المقاربة ركز على الحديث على أن معظم خطابنا يكون حول الغيب والماضي ببطولاته وأمجاده، لكن الحاضر والمستقبل مغيبين فيه، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الخطاب الموجه للناس يجمع بين الغيب والماضي والحاضر والمستقبل: لأن الماضي نأخذ منه السنن والعبر والغيب يعطينا الدافعية لعالم الشهادة لنعيش الحاضر ونستشرف المستقبل، مؤصلا لذلك من كتاب الله تعالى أخذا قول الله تعالى “الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون” نموذجا لذلك.
تابع الدكتور حديثه عن خطاب القيم في عالم الشهادة ضرورة استحضار ذاك التكامل في الخطاب الموجه للناس الذي يجمع بين الماضي والغيب والحاضر والمستقبل منطلقا من نموذج أخر من الشواهد القرآنية المتمثلة في قول الله تعالى”الذين إن مكنا لهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور” سورة الحج 41. فالتمكين في الأرض والفاعلية في دار الشهادة مرتبط بالاستمداد من الغيب وتفعيل هذا الاستمداد على اعتبار أن دار الشهادة أقيمت ليقوم الناس بالشهادة على الناس.
وختم الدكتور بدر الدين زواقة مداخلته بالحديث عن ثلاث استراتيجيات مهمة أجملهافي:
– ضرورة إعادة كتابة الفقه الإسلامي على أساس الأحكام والقيم والسنن الكونية مع الحرص على ضرورة استحضار المقاصد وعلاقتها بتلك الحكام والقيم والسنن.
– العمل المؤسسي المعرفيالاستشرافي :حتى تكونخطوة المركز الدولي وخطوة سفراء المكارموخطوة نداء المكارم، خطوةفي مجال التأسيس المعرفي المؤسسي، خاصة أن الأمة في حاجة إلى برامج تربوية قيمية وإعلامية …
– لابد من صنع النموذج : متمنيا من المركز ومن سفراء المكارم ومن نداء المكارم أن يصنع بمعية الباقين نموذجا للنقاش والتجلي يجسد حقيقة الإسلام.
كانت المحاضرة تساؤلية غير تلقينية، وتفاعلية تأسيسية لإعادة سؤال القيم وسؤال المكارم من جديد، وأبدى المشاركون والمتتبعون اهتماما كبيرا بمحاورها ومضامينها، لينهي المحاضر كلمته بأن نداء المكارم بدأ بقيم التراحم الإنساني لذا وجب الالتفاف حوله.
إنجاز: أسماء فاضل، أنيسة الكركاري