آمال ميّت
بقلم الخامس غفير
كل هذه الزيادات وهذا الغلاء بالمغرب؟
لا !!!
هادشي بزاااف!
انتفض صاحب الصورة بشدة..
حاولنا تهدئته..ربتنا على كتفه لعله يفهم ما يجري، وأخبرناه، و هو العائد من هناك، الخارج من قبره..
قلنا له إن الأمر مرتبط بحسابات دولية، و رهين بتحولات اقتصادية عالمية كبرى.
ابتسم ابتسامة خفيفة ساخرة، همهم همهمات لم نع معناها..ثم أدار وجهه منفعلا صارخا: ينبغي ان يكون رد الدولة قويا..
ذهلنا من قول ميت عائد إلى عالمنا السفلي، بادرته بالسؤال : عفوا يا” خواجة”، كيف؟ وماذا تقصد بالرد؟
تهديد، تنبيه….
قاطعوهم اقتصاديا..امنعوا عنهم أسماك بحوركم.. اوقفوا تصدير الطماطم لبلاد الغرب و أصدقاء العم سام..
قلنا له: ارتح و لا تتعب نفسك. لن يحصل ذلك في زمن” الشمولية”. و بلغة ابنتكم المدللة في زمن هوسرل و زميلها مارتن هيدجر، عصر التوتاليتارية.
سمع صوتا يهاتفه، كما أخبرنا بذلك، بعدما استبد بنا الذهول من قوله:
الوضع مستقر من حيث الأثمنة، والسوق العالمية لا تعرف هذا الغلاء الذي عندكم أيها المغاربة..
ثم تابع محرضا:
لابد من خطوة جريئة للتخفيف على الفقراء و المساكين و ذوي الدخل المحدود.
-لا تتعب نفسك يا هذا، خطواتنا جبانة، و منطق المسؤول فينا، كلما اشتدت الأزمة استثمرها في زيادة أزمة على أزمة، و فتح له مزيدا من فرص مراكمة الثروة.
لم يهدأ للرجل بال.. بدأ يتحدث بتعبيرات وجهه، و تقاسيم جبينه، متسائلا:
ما العمل إذن!؟
استرسل، متمتما، وبالكاد عرفنا ما يقصد:
إرادتكم قوية و تاريخ شعبكم حافل بالبطولات والأمجاد، ومواجهة التحديات و العقبات، وإلا فماذا تذكرون عن الأندلس؟ و هل قرأتم تلك الكتابات عن غرناطة و.. و..و.. ؟
فأجابه ” صديقي الداهية” دون أدنى تفكير، و ببداهة قل نظيرها إلا عند هذا ” الداهية”، جاحظ عصره كما يحلو للبعض نعته.
نعم.. أجاب قائلا:
لم يبق لنا يا ” خواجة” من الأندلس إلا الطرب الأندلسي، و لم يعد لنا ذكر في متعلق غرناطة إلا الطرب الغرناطي.
تغيرت ملامح وجه ” الميت.. و وضع يديه وراء ظهره، مُنحني الرأس على غرار ما نسميه في ثقافتنا الشعبية ” راه يخمم”…
وفي لحظة الجواب عن سؤال ما العمل؟ تدخل من الحضور من كان يطلق على نفسه لقب” حطيئة المغرب الأقصى”:
لا يمكن التخفيف من وطأة ما يجري في الأسعار و مواجهة الغلاء إلا برفع شعارات سالفة من قبيل، ” خليه عندك”، ” ما شرينوش” ، ” قاطع يا مواطن ” مع تحرك شعبي واسع.
و اعلم أن المقاطعة الناجحة تستلزم مقاطعة سفراء التطبيع و الغلاء و الزيادة المهولة في المواد الاستهلاكية بالداخل قبل الخارج، و كل من لم يتمتع بجميل خصلة في كبد رطب رحمة على الشعب المفقرة ، المكتوي بنار الغلاء، و المعذب بعذاب القهر اليومي، و المتطلع لغد أفضل مما هو عليه وضع راهن الساعة …
قاطعه بقوة و كأنه حاز ما كان يبحث عنه:
إذن هذا هو رايكم، و هو رأيي ايضا، ومن الآن..بخصوص رفع الضرر و نزع فتيل الأزمة و التنفيس عن كرب الشعب…
ظهر ” حطيئة عصره” أكثر فهما لواقع مغربه، و سديد رأي من آنف الآراء الأخرى، مستدعيا تجربة ماض قريب، قارئا لمرحلة انتصرت فيه إرادة الشعب على تخطيط شجع الاقتصادي و المتنمر السياسي، برغبة وطن يتململ كي يتحرر من أغلال كبلت أرجل شعب، بات بالكاد يزحف نحو الهدف المتغيى، و أصبحت حركته بطيئة كسير الحلزون.. و نسي مثبطو العزائم أنه يسير ببطء و لكن بثبات و عزم، و سيصل دون أن يقفز على مراحل التاريخ…
ابتسم الداهية، و التفت إلى “الحطيئة المغربي” قائلا متفكها: اراك في هذه الأيام صاحب مشورة و رأي قويم، لعلك تذاكر خلسة عنا.
حدقنا يمنة و يسرة، و عن جنوبنا و شمالنا، بحثا عن الخواجة صاحب الصورة، فوجدناه قد اختفى و لم يعد له مكان بيننا…
استيقظت مفزوعا..تناولت كأسا من الماء والعسل..نظرت إلى الساعة، فعلمت أن اليوم هو أول يوم الامتحانات الإشهادية.. صحيح.. فقد افرنقع القوم، و تبخر كل ما رأيت، و لكن بقي الاقتراح و النقاش عالقا بذهني، و لم تغادر الصورة عيني، فقررت تحويل ذلك الجو و تلك الأرضية الحوارية من منطوق إلى مكتوب…
ولكم واسع النظر.
…………………………………………………………………………
– سأكون أسعد باقتراحكم لهذا الحدث.
– حتى الأموات زعلوا من الزيادات الصاروخية بالمغرب.