مقالات

هشام توفيق.. بايدن ومشروع الدمج..أسبابه ودلالته ومآله

مقدمة:

في غضون هذه الأحداث المتصاعدة في فلسطين والمنطقة والغرب، فإننا بحاجة إلى وقفة مع الداء الصهيوني رفقة الداء العربي الاستبدادي والاستكبار الأمريكي حتى نرصد إلى أين مسار المعركة والاستراتجية الصهيونية وعملية الدمج الجديد بعد فشل الأول، وكيف تتصاعد معالم التطبيع مع تغيرات في الإقليم والشعوب والمقاومة، وكيف نفهم تصريحات بتخوف من انهيار الكيان الصهيوني وعيشه شبح الخراب وبداية احتراقه وربط ذلك كله بصفقة بايدن الصامتة اللاشعبوية الميتة في بداياتها ..؟

لماذا هذه القراءة ؟
الهدف من هذه القراءة بعد تجاوزنا مرحلة مهمة من الصراع وهي فترة صفقة القرن هو :
1- فهم المعركة كيف تنتقل من مرحلة إلى مرحلة باستراتجية إسرائيلية أمريكية عربية تعضد المرحلة الأولى من المواجهة الفاشلة التي كانت مع ترامب ونتياهو وصفقة القرن؟
2- الهدف الثاني من القراءة هو عدم الغوص في قراءة الزيارة الأمريكية بنظرة محبطة للأمة وفلسطين، وهي نفس القراءة التي ترصد نقط القوة في الزيارة على الكيان دون النظر إلى نقط الضعف من هذه الزيارة.
فإذا كانت لبعض الباحثين قراءات حول الزيارة من جهة ذكر خطر الاتفاقات الجديدة على المنطقة وقوة الخطة، فإنه لا ينبغي تغييب مثالب هذه الخطوة الأمريكية التي تكشف ملامح ضعف وردات فعل إسرائيلية أمريكية، لإنقاذ المشروع الصهيوني في المنطقة بعد فشله في صفقة القرن وبعده في معسكر الشرق واهترائه..
وأظن المقاومة تدرك جيدا مدى أهداف هذه الزيارة، وربما يسخر منها القوم لأنها جاءت “منقذة متأخرة”..

مصطلحات مفاتيح:
ولكي نفقه ثنايا هذه الورقات فلا بأس من تذكير بهذه المصطلحات كمفاتيح للفهم والنقاش:

– مصطلح العلو: استخدمت هذا المصطلح كم من مرة لأنه عنوان ضعف يفضي بالعدو إلى إخراج أوراقه، ومن أشد هذه الأوراق صفقة القرن ثم مشروع الدمج الجديد..
مصطلح العلو مؤصل في النص القرآني كمرحلة وخطة إفساد يسعى لها العدو حالة شعوره بالانهيار..

– مصطلح التقمص : هذا المصلطح وظفته سلفا في كتابي “الاستراتيجية الصهيونية والتطبيع الجديد”، وذكرت أن التقمص هو تلبس بمعنى سياسة صهيونية لاختراق المؤسسة أو الدولة أو الإنسان أو أي جهاز لتحويله إلى كيان تابع. إذن هي الروح الصهيونية تتقمص الأوراق الأمريكية والعربية لتصعيد التكالب..
وقد ذكرت في كتاب الاستراتيجية أن صفقة القرن جاءت من أجل هذا الاختراق والتقمص لإحداث خراب في المنطقة، لكن هذه الصفقة ستفشل لقوة الشعوب العربية والإسلامية في رفض هذا التقمص الذي يخالف الهوية والفطرة الإسلامية، مما سيدفع مستقبلا المشروع الصهيوني لإيجاد مشروع آخر في التقمص وهو ما جاء به بايدن اليوم هو الدمج، اختراق وتطبيع في أقصاه كما ذكرنا به تصريح وزير الخارجية المغربي بوريطا..
وأظن مصطلح الدمج يفضي إلى هذا المعنى كذلك..

– مصطلح الروح الصهيونية: هي عمق الصهيونية هي فكرها التي تتحرك في الأجسام الغربية والشرقية والعربية لاختراقها فتوظيفها كقوة إفسادية لضرب الشعوب والقوى وفلسطين..

– مصطلح الدمج: ترامب سمى التطبيع والتنسيق العريي الإسرائيلي بالتطبيع الكامل، وبايدن سماه بالدمج الكامل، والدمج أقوى من التطبيع، لأن التطبيع وسيلة التقاء وتنسيق، والدمج التقاء ووصول إلى نتائج الاندماج والتكامل بين الطرفين، فالتطبيع وسيلة والدمج غاية..

كيف نفهم التحرك الجديد الصهيوني من السياق؟

لا يمكن فهم مسار الاستراتجية الجديدة في المنطقة من قبل القوة الأمريكية والإسرائيلية ودواعيها دون فهم لسياق الأحداث، فالتاريخ وماضي الوقائع يمهد لنا الفهم لنفقه كيف تتحرك هذه القوة الثنائية الأمريكية والإسرائيلية، وأي تحليل خارج سياق التاريخ يفضي إلى فهم غير كامل..

تأتي الزيارة بتحول كبير في نفسية الصهيوني التي بدأت تشعر بالخلل والاهتراء، خصوصا بعد تصريحات قادة الكيان ببدايات انهيار الكيان فضلا إلى تصريحات مفكريه وباحثيه.
هذا التحول النفسي العقدي الذي بدأ يشعر بالشك الكبير والتهديد للمشروع الصهيوني نرصده خصوصا بعد انتصار المقاومة في سيف القدس ومعارك القدس والمرابطين ، التي هددت الاحتلال في فلسطين بل والمشروع الصهيوني في المنطقة والشعوب العربية والإسلامية.

قلت هو تحول نفسي قبل أن يكون سياسيا أو عسكريا، لأن فقدان البوصلة وحدوث الخلل هو من خلال ضرب عمق المشروع الصهيوني في هويته وفكره، فأنت بسيف القدس ومنع مسيرات الأعلام أو تهديدها وتقزيم حجمها، هو يؤثر في مفهوم السيادة الصهيونية لفلسطين، أي أنك تقوض فكرة وجود شيء اسمه إسرائيل، وبالتالي فأنت تؤثر سلبا في الروح الصهيونية التي تلبست بالقوى الغربية والعربية لإنقاذ الخنجر الصهيوني الكياني الذي بدأ يتزعزع من مكانه بسبب قوة المقاومة..

وهذا التأثير في النفسية الصهيونية بسبب توالي الانتصارات الفلسطينية هو الذي أفضى إلى تصاعد التطرف الصهيوني، وخروج “منظمات لاهافا”، والقوى اليمينية لتسريع عملية السيادة والاحتلال والاقتحام، سواء في حدث الشيخ جراح وما بعده في جنين ومقتل شيرين، لكنهم فشلوا بسبب وجود قوة استراتيجية في المنطقة، وهي المقاومة الفلسطينية الشعبية والعسكرية فضلا عن نصرة الشعوب…

وتزداد النفسية الصهيونية تأزما وشعورا بالانهيار مع بداية اهتراء المشروع الصهيوني في معسكر الشرق بعد الحرب الأوكرانية الروسية، وبوادر تخلص المعسكر الشرقي الروسي من فضلات هذه الروح الصهيونية التي تقصمت منذ عقود المعسكر الشرقي والغربي، والتخوف الكبير تحرك في الغرب يفضي إلى استخلاص الروح الصهيونية من المعسكر الغربي الأروبي والأمريكي خصوصا بعد ردود أفعال القوى الغريية بعد مقتل شيرين…

“مرحلة الإنعاش “
أمام هذه الظروف الصعبة للكيان الصهيوني ومشروعه العالمي، فإن الكيان الصهيوني كما عهدناه بشكل طبيعي ومسلم يجنح إلى سياسة قديمة سميها إن شئت (البحث عن السيادة الإسرائيلية خارج إسرائيل )، وإن شئت اختصر السياسة في استراتجية اسمها (الإنعاش الاستراتجي) من خلال خطوات استراتجية قوية وازنة، تسطر لمسار جديد من التعزيز والدعم للكيان الصهيوني، ونتذكر هنا الخطوة الاستراتجية الصهيونية التي تسمى (صفقة القرن مع ترامب وفتح السفارة في القدس ) كانت خطوة استراتجية لها ما بعدها من برنامج إسرائيلي أمريكي في الكيان الصهيوني والمنطقة، جاءت صفقة القرن بعد شعور بتغيرات في المنطقة رغم الانقلابات المنظمة المخربة في المنطقة..

الإنعاش استراتجية جديدة :

وهذه الخطوة الاستراتيجية بطبيعة الحال جاءت بعد مجموعة من البحوث والدراسات الصهيونية والإسرائيلية، تجنح إلى وصول الكيان الصهيوني في 2018 إلى حد الضعف والتهديد أمام استراتجية في المقاومة الفلسطينية، وتغيرات في العالم العربي والإسلامي والشعوب العربية ضد الكيان الصهيوني في المنطقة.
فليس عبثا التفكير في خطة وصفقة تنعش الكيان الصهيوني من جديد وتنقذ ماء وجهه، من خلال دمج حقيقي للأنظمة الاستبدادية العربية في مشروع الكيان الصهيوني لحماية المنطقة، والكيان من كل تهديد عوض التدخل الأمريكي…

بعد تنزيل صفقة القرن بمعية وريادة أمريكا وتطبيع كثيف مع دول عربية، كله من أجل عملية الإسعاف للكيان الصهيوني الذي صنعوه في 1948 ولا زال يقوم بدور كبير في العالم والمنطقة العربية، وبعد 4 سنوات من (2018 إلى 2022) من تنزيل صفقة القرن وفشل تحقيق الأهداف من الصفقة لتصفية المقاومة والشعوب والقوى المناهضة للصهيونية، وبعد مرحلة سيف القدس وفشل التطبيع الكامل، تأتي مرحلة أخرى من (الإنعاش الاستراتيجي) للمشروع الإسرائيلي، وبطبيعة الحال عملية إدخال المريض الإسرائيلي إلى غرفة الإنعاش، تحتاج دائما إلى الطبيب الأمريكي ليقود العملية الإسعافية، ثم تليها الإنعاشات الثانوية العربية المطبعة الصادرة من خطة الإنعاش الكبرى الاستراتجية “خطة بايدن” سميها ..

فما هي ملامح هذه “الخطة الإنعاشية” في هذا التوقيت، ويتساءل الكثير عن مدى غايات هذه الزيارة الأمريكية ؟ وهل تشبه سابقتها مع ترامب ونتنياهو؟
وهنا نقف عند أربعة أسباب من استدعاء أمريكا مجددا بعد صفقة ترامب الشعبوية :

– السبب الأول، توسعي إقلميي:
السبب الأول من هذه الزيارة هو فتح آفاق تمدد وتوسع المشروع الصهيوني بشكل جيو سياسي من خلال صناعة ( ناتو الشرق الأوسط ) بقيادة إسرائيل، وهذا حلم الكيان الصهيوني، أي انتقال من التطبيع الثانوي في تخصص أمني أو عسكري أو سياسي أو دبلوماسي أو اقتصادي، إلى تطبيع متكامل كامل اندماجي، وحين نقول صناعة “ناتو عربي إسرائيلي” بمعنى هو تطبيع أمني استخباراتي عسكري سياسي دبلوماسي اقتصادي علمي بحثي، لا يختصر في مجال محدد، بل كل المجالات التي تخدم المشروع العربي الإسرائيلي والأمن بمفهومه العام..
وهذا له دلالة قوة وضعف:

– قوة من حيث الانتقال من حجم كيان صهيوني يدافع عن نفسه إلى حجم أكبر يسمى “كيان ناتو عربي إسرائيلي”….
-ومن ناحية الضعف فالسعي إلى “ناتو عربي إسرائيلي” هو دلالة تخوف الكيان الصهيوني مما وصلت إليه المقاومة في فلسطين والقوة في إيران وحزب الله، فضلا إلى مستوى مناهضة الشعوب العربية والإسلامية للكيان.
إذن تحقيق الهدف الإقليمي في المنطقة هو توسع وتمدد، نابع من تخوفات بسبب انهزامات سابقة، وخسائر صهيونية في فلسطين مع المقاومة، وفي المنطقة مع الشعوب العربية والإسلامية، إذن لا بد من تصعيد جديد في التطبيع الكامل والتوسع والاختراق بمستوى يصل إلى الدمج أي جهاز عربي إسرائيلي موحد في التصور والبرنامج، يوجه المعركة إلى العدو الأساس في نظرهم، المقاومة وحماس وإيران والشعوب ..

هذا التخوف كان بارزا بعد سيف القدس، وخروج الشعوب العربية والإسلامية إلى الشارع، وفشل التطبيع في المنطقة، ورفضه من الشعوب العربية والإسلامية، وهذا التخوف من التحولات الجديدة هو بطبيعة الحال ما رصدته مراكز إسرائيلية، ورصدت مدى وصول الكيان إلى عنق الزجاجة وتطرف أكبر، خصوصا بعد هزيمة معارك أعلام المسيرات الإسرائيلية، وانتصار معارك المقدسيين في المسجد الأقصى والشيخ جراح وسلوان وباب العمود وغزة..

فلا غرو إذن التفكير الإسرائيلي في إيجاد كيان أوسع يسمى (الناتو العربي الإسرائيلي) لمنح الكيان الصهيوني الأمن والقوة والدعم الكامل وتمكينه من التهويد والاستيطان دون مشوشات وبتنازل ودعم وتشجيع، لا شبه الدعم الأول فترة صفقة القرن التي لم تنجح مع ترامب ونتنياهو في صناعة “كيان كبير يسمى الناتو العربي الإسرائيلي”..

– السبب الثاني، النفسي:
زيارة بايدن هو لتعزيز الثقة في الصهاينة والمستوطنين الذين باتوا يشعرون بالقلق وهاجس شبح الزوال بسبب:
– صدمة المعارك: يعاني ما يسمى المجتمع الصهيوني شبح الثقة بعد معركة سيف القدس وشهادات قادة الكيان بالانهيار وبعد وفترات انهزام في تحقيق هدف رفع الأعلام الصهيونية في القدس براحة وأمن وتهديد لتحقيق السيادة..

– صدمة التطبيع: وقد زاد قلق المجتمع الصهيوني إحباطا خصوصا بعد عملية التطبيع الكبيرة، التي جاءت كخطة ادعائية منظمة كاذبة تكذب على الصهاينة، من أوهمتهم القوى الصهيونية الدعائية بمشروع إسرائيل الكبرى، وتحقيق مكاسب كبرى أمنية بعد ردات فعل الحكام العرب والأنظمة أمام التطبيع والارتماء أمام الاتفاقيات الإسرائيلية بسرعة قصوى، مما أوهم الصهاينة أن الكيان الصهيوني سيحقق مكاسب ونجاحات في وقت يتأزم ويتقزم حجمه أمام المقاومة التي تهدد مساره وتظهر للصهاينة أن الكيان الصهيوني يكذب عليهم من خلال خطة تطبيع منظمة، تكشف أن الكيان بخير، وأنه يتمدد.

– صدمة قوة الشعوب: في المقابل الشعوب العربية والإسلامية كانت رافضة، بل مناهضة مما زاد من تهديد المجتمع الصهيوني الذي كان مهددا فقط من المقاومة، وفي الوقت الذي كان يبحث عن نقط انتصار في المنطقة ودعم أمني لكيانه ضد المقاومة، اكتشف مهددا ثانيا وهي الشعوب العربية والإسلامية، فكانت الانتقادات الإسرائيلية قوية تجاه مشروع التطبيع الذي وصف من قوى البحث الصهيوني أنها خطوات فاشلة لا تحقق أمن الكيان الصهيوني من قبل الأنظمة العربية بما أن الشعوب هي الرافضة المؤثرة في الأرض صاحبة الإرادة..

خلاصة القول عملية التطبيع لم تنجح في إعادة الثقة النفسية في المجتمع الصهيوني الذي بات يعيش شبح الخراب، ربما زيارة بايدن وعقد خطط قد تحقق( الإنعاش النفسي ) التي هي ضمن خطة (الإنعاش الاستراتجي)، خصوصا “لمنظمات لاهافا” والجمعيات الصهيونية المتطرفة التي لم تعد تنتظر أكاذيب الحكومة الإسرائيلية، بل تسعى إلى تحرك كبير يسرع عملية الخلاص التي تعتقد بها القوى اليهودية والبروتيستانية..

ربما هذه الزيارة تخفف الغضب الشعبي المتطرف وتوهمه كذبا، وتمدد أساطيره خوفا من تسرعات متطرفة وفشل في الثقة للعقيدة التلمودية، لكن الصدمات ستتوالى بسبب تغيرات في ميزان القوة في المنطقة وما خفي أعظم..لذلك كان هدف الزيارة الأمريكية هو المنطقة بدمجها وتذويب المشروع الصهيوني فيها لتسريع التخريب بدل ظهور رياح التحرير من الخارج أي المنطقة..

السبب الثالث أمني:
هو التعزيز الأمني للكيان الصهيوني الذي يتخوف من أهم مهدد وهو القوة العسكرية والأمنية خصوصا بعد تحولات في ميزان القوة قي المنطقة وفلسطين :
– بعد تصاعد قوة المقاومة بعد سيف القدس..
-بعد ظهور دول تدعم المقاومة مثل الجزائر وروسيا..
– بعد تهديد إيران التي يتعزز مسارها بعد تعثر الاتفاق الأمريكي الإيراني النووي خصوصا بعد التنسيق الإيراني الروسي الاستخباراتي والأمني..
ولأهمية الأمن في برنامج هذه الزيارة فلا بد من التعرف على فروق بين :
– فرق بين صفقة ترامب وبايدن
-بين التطبيع والدمج

فرق بين صفقة ترامب وبايدن:

إذن مرحلة ترامب جاءت بصفقة القرن لتحقيق الأمن الإسرائيلي في الكيان ضد المقاومة.
الآن ومع التحولات العالمية والإقليمية الكيان لا يحتاح الكيان الصهيوني إلى صفقة قرن تطبع مع حاكم بحريني في بحر البحرين، و لا يحتاج اليوم إلى تطبيع في شكل رقصة بحرينية يهودية في قصر البحرين، ولا يحتاج الكيان إلى تطبيع ينقل تلاميذ مدرسة مغربية إلى معبد يهودي من أجل التهويد، هذه المرحلة بالنسبة للكيان الصهيوني هي مرحلة العلو، أي إخراج الكيان الصهيوني آخر أوراقه، وأظن آخر ورقة التي كلفت الكثير هي مع ترامب وصفقته، أما بايدن فلن يحقق سوى القليل لماذا :
– وورقته مكملة متأخرة،
– لأن حركته لن ترقى إلى فعل وشعبوية ترامب وكوشنير،
– وحركته ستوصف بالضعف ولن تأتي بقوة لأن هناك إكراهات دولية وأولويات وهي الصين وروسيا، وليس عبثا أن جعل بايدن ضمن برنامجه السياسي الانتخابي قضية فلسطين وإسرائيل هي الثامنة أو العاشرة، وقضية الصين وروسيا هي الأولوية والخطر الكبير..

مع ذلك لن تتخلى أمريكا عن الكيان الصهيوني الذي يخدم مشروعها الصليبي ويحقق (حصارا ومنعا وأسرا “لغول كبير ” في أصفاد الصهيونية والاستبداد العربي) وهو “مارد” الشعوب العربية والإسلامية والفطرة..
إذا كانت أمريكا مهددة من روسيا ومن الشرق الروسي، فإن مهدد( الأمة الإسلامية ) والمنطقة وتحررها قد يشكل خطرا كبيرا أمام الكيان الصهيوني ومشروع الغرب وأمريكا..
ويزداد الطين بلة..
إذن ما الحل لإيقاف المهددات المستقبلية في المنطقة؟

من التطبيع إلى الدمج:

إذن زيارة بايدن تأتي باستراتجية وصفقة جديد لكنها جزئية خصوصا في المجال الأمني العسكري لتأمين المنطقة من أي انفلات وتقوية للحضور الإسرائيلي، كي لا تخسر أمريكا المنطقة كما خسرت أوكرانيا وروسيا، وكي لا تظهر في العالم قوة جديدة في المنطقة فضلا عن القوة الروسية المهددة بتشكيل حلف جديد مهدد بين المنطقة وروسيا..هذا ما ترصده دراستهم…
ومن أهم معالم هذه الصفقة الأمنية وهي نقل الأنظمة العربية المطبعة، من قوى تطبع أمنيا وعسكريا من خلال (اتفاقات محتشمة ) إلى تطبيع ميداني في شكل صناعة مؤسسة سياسية عسكرية أمنية تسمى (الناتو) تحقق الاتفاقيات السالفة المطبعة بين الأنظمة العربية.
شكل المؤسسة هي قوة عسكرية، وروحها صهيونية تجمع قوى الشر في منظومة استكبارية واحدة، أي يمكن أن تسمي هذه المرحلة مرحلة “الاكتمال والتكامل”، أي صناعة كيان كبير إسرائيلي عربي يتحرك بقوة واحدة وتصور واحد يحرق كل من مشوش في مسار الدمج وتصفية المقاومة وإيران والقوى الحية في الشعوب..

وبالتالي أي تهديد سيهدد الكيان من الداخل مثل حماس والمقاومة سيكون بمثابة تهديد للناتو العربي والاسرائيلي، وأي تهديد لكيان الناتو فهو تهديد للكيان الصهيوني، بمعنى مثلا “القوة الإماراتية” بعد غد ستكون ضمن قانون الناتو مجبرة على مواجهة الفلسطيني المقاوم، والكل يفقه جيدا قوانين الناتو..
في المقابل أي تهديد يهدد السعودية أو دولة عربية سيهدد الكيان الصهيوني والناتو وكل من شارك في الحلف..، لكنها الخطة الأمريكية للبحث في المنطقة عن سياغة تنوب عن أمريكا في المنطقة، وهي خطة منظمة محكمة قد تسقط الأنظمة العربية الضعيفة في المزلق الحربي الذي سقطت فيه أوكرانيا وأروبا حين حرضتها أمريكا وتراجعت بعد ذلك…

إذن هي المرحلة الصهيونية التي رصدتها من خلال كتابي (الاستراتيجية الصهيونية والتطبيع الجديد ) وهي (مرحلة الإخراج ) مرحلة إخراج الصهيوني لأوراقه الأخيرة لأنه مهدد، إخراج إلى حد التحالف والتكالب الكامل والدمج بمفهوم بايدن..

السبب الرابع، نيابي خارجي :

تفكيك مفهوم التطبيع والدمج…

تسعى الزيارة إلى الانتقال من مرحلة إلى مرحلة من “مرحلة التمهيد للتطبيع” و التنسيق مع الأنظمة العربية إلى “مرحلة الدمج” معها، وهو ما صرح به بايدن في اليوم الأول من الزيارة، بأن الهدف من الزيارة دمج إسرائيل في المنطقة، بمعنى الخطوة الأولى لأمريكا مع ترامب وصفقة القرن هي خطوة تثبيت الخنجر الصهيوني في المنطقة (بعد معارك المسجد الأقصى وغزة) وفتح الباب للكيان للتطبيع بالضغط على أنظمة، ودفع أنظمة أخرى دون ضغط، لكن الخطوة الثانية مع بايدن هي “خطوة دمج الكيان” كاملا في المنطقة ولهذه الخطوة أسباب:
– حين نقول الدمج أي تذويب الكيان الصهيوني ومشروعه في المنطقة عسكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا وفلاحيا وفنيا ورياضيا في كل المجالات، لماذا؟ :
– لصناعة قوة في المنطقة تنوب عن أمريكا التي انسحبت وتركت الفراغ للصين وروسيا (حسب تصريح بايدن في القناة 12 الإسرائيلية)، وهي نفس القوة التي يمكن أن تنفذ أي مشروع في المنطقة بجود (ناتو وتجمع إسرائيلي عربي) يمكنه أن ينوب عن غياب أمريكا ميدانيا ..
لكن هل هذا يعني أن خطوة ترامب وأمريكا في البداية مع صفقة القرن لم تحقق النتائج المرجوة من إدماج كامل سمي في اتفاق أبراهام بالتطبيع الكامل؟
ألم تحقق التحركات التطبيعية الكثيفة الإسرائيلية المطبعة مع الأنظمة العربية التطبيع الكامل والاندماج لحماية إسرائيل في مرحلة صفقة القرن وقمة النقب وأبراهام ؟
أين هي إذن تصريحات قادة الكيان أن اتفاق المغرب مع إسرائيل والإمارات والبحرين ووو هي اتفاقات تاريخية؟
– إذن استدعاء أمريكا مرة إلى المنطقة من قبل الكيان الصهيوني بعد فشل ترامب، هو عودة إلى النظر في هذا التطبيع وكأن به خللا، وخصوصا أنه تطبيع كاذب كانت وراؤه خطة إعلامية ادعائية ذكية..
الحقيقة أنه تطبيع لن يرقى إلى التطبيع “والدمج الكامل” بسبب رفض الشعوب التي لها الكلمة في ذلك ووجود قوى مناهضة كبيرة ترفض دمج الكيان في المنطقة …
إذن “مفهوم الدمج” الذي صرح به بايدن في اليوم الأول من الزيارة هو مفهوم جديد، لكن معناه قديم تلبس سابقا في لبوس التطبيع الكامل الذي فشل.
ها هي دائما أمريكا تأتي كقوة عالمية تقمصتها الروح الصهيونية منذ عقود لتقدم شيئا للكيان الصهيوني، وها هي أمريكا حاضرة مرة أخرى لتلعب لعبة صناعة الاستراتجية لصالح الكيان الصهيوني، ثم الرجوع إلى الوراء للاهتمام بمعركة روسيا والصين..
لكن التحرك هذه المرة لن يرقى إلى التحرك الأمريكي في فترة ترامب لأن التحديات كبيرة وعالمية ومتجددة..

سينياورهات :
لكن خطة بايدن هل ستنجح؟
لن تنجح لأن بايدن دخل إلى حلبة الصراع التاريخي تحت مظلة الأخطاء ومتأخرا:
أولها: خطأ مستشار الأمن القومي الأمريكي حين صرح قبل نزول طائرة بايدن بأن أمريكا ستفتح القنصلية فيما يسمونها( القدس الشرقية)، ثم رصدنا التراجع عن هذا التصريح وتم وصفه بالخطأ، لأن القدس في سياسة بايدن هي القدس التي هي عاصمة إسرائيل بما أن بايدن لم يقم بإلغاء قرارات ترامب وصفقة القرن…
-ثانيا: تأتي زيارة بايدن، وروسيا تتوجه في نفس الوقت إلى إيران. وهي رسالة خطيرة من روسيا إلى أمريكا، فهذا التنسيق الروسي الايراني يثقل كاهل أمريكا التي لا يمكنها فتح بوابات صراعها على روسيا وإيران معا. وهذا التوجه الأمريكي إلى المنطقة هو دلالة تخوف تصاعد تنسيق أعداء إسرائيل مع روسيا، وهذا يهدد الكيان والزرع الذي زرعوه، مما يستدعي على الأقل صناعة ناتو حقيقي يعوض وجود أمريكا في المنطقة، وإلا فإن وجود أمريكا في المنطقة كما سبق مع ترامب (بتقديم لأولوية الإسرائيلية على كل القضايا العالمية) سيجعل أمريكا في منزلق أولويات الأخطار، و هذا ما لا يرغب بايدن السقوط فيه كما فعلت سياسة ترامب سلفا(تركت الصين وروسيا وقدمت اسرائيل والمنطقة كأولوية ).

وفي هذه الأثناء أظن أن المقاومة الفلسطينية والشعوب هي الرابحة من هذه الزيارة، لأنها زيارة تعكس مدى فشل الأولى (صفقة القرن )، فتم استدعاء الثانية لترميم المنكسر والمنهار من مشروع الخنجر الصهيوني، أظنه زمن الاحتراق ببطء..
وبهذه المناسبة أسأل الله أن يرحم الفقيد الدكتور محمد اللياوي المغربي الذي كان محبا لبيت المقدس منافحا عن الأمة دارسا للتاريخ بعمق، رحمه الله وهو الذي كنت أتقاسم معه قراءاتي ومقالاتي…

بقلم هشام توفيق

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى