عبد السلام انويكًة..أية قضايا بحاجة للإنصات تجويداً للمدرسة المغربية ..
يحيلنا الحديث عن المدرسة المغربية العمومية وفق فهم مفتوح، على نسق تعليمي تكويني في اطار شمولي مع ما هناك طبعا من تعدد مسارات من التعليم الأولي حتى الجامعي، ولعل هذه المدرسة بهذا الامتداد بقدر ما هي تركيب من واقع اخترقته تحولات وتقلبات ورهانات وتطلعات ظلت تتفاعل منذ استقلال البلاد، بقدر ما تعد مشروعا شكلت منعطفات عدة أسسه المرجعية ودينامية تجديده لعقود من الزمن. الى جانب كون هذه المدرسة هي ايضا نتاجا تراكميا لتفاعلات متداخلة، من المفيد مساءلته وتناول مكوناته وحاجياته في أفق ما ينبغي من اعادة ترتيب وتركيب أوراق وتوجيه أفق مقاربات واستشراف في علاقة بما هناك من تحديات مجتمعية. فضلا عما ينبغي صوب هذه المؤسسة ايضا من رؤى جديدة واسعة أكثر استثمارا لِما هناك من وعاء علوم انسانية واجتماعية ومناهج بحث وايقاع تراكمات، تخص علوم اقتصاد وسياسة ومجتمع وقانون وفن وسسيولوجيا وتاريخ وانتروبولوجيا وغيرها، ومن ثمة ما ينبغي من محاور اصلاح وتجويد عدة منها يخص سؤال هوية ووظيفية وموقع وأفق في المجتمع.
بناء على كل هذا وذاك من اشارات ارتأينا أنها ذات علاقة بالمدرسة المغربية العمومية، يحق السؤال حول: أية حاجة لتفكير متعدد الرؤى والتخصصات صوب هذه المؤسسة وأدوات اشتغالها، وأية نظرة اصلاح شمولية لقضاياها انما بنوع من النسقية والتكامل، وأية حلقات مفقودة بين ما طرح ولا يزال من مقترحات على مستوى محطات اصلاح وبين ما أنجز على مستوى المنظومة التعليمية كما بالنسبة لِما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وماذا عن سؤال الطلب الاجتماعي على خدمة المدرسة ودرجة تجاوب أثاثها من أجل ما هو منشود، وأي انسجام بين زمن تربوي تعليمي وزمن اقتصادي في البلاد، بل أية جودة تخص هذه المدرسة أولا في علاقتها بمنظومة تعليمية كبنية بعناصر داخلية منسجمة ومتماسكة معرفيا بيداغوجيا وماديا، وثانيا في علاقتها بنظام تربية وتكوين مفروض فيه أن يكون حاملا ومترجما لمشروع مجتمع، وهل تجويد الفعل التعليمي لا يزال بحاجة لإعادة تحديد تساؤلاته الكبرى، لإعطاء دور المدرسة الاستراتيجي ما يستحق كآلية لانتاج موارد بشرية حية.
وغير خاف عن مهتمين وباحثين وفاعلين تربويين هنا وهناك بحسب الأدوار المنوطة، ما شهده المغرب من محطات اصلاح منذ الاستقلال، منها خاصة ما ارتبط بنهاية تسعينات القرن الماضي وقد انتهى بميثاق وطني كنص مرجعي تعاقدي اخلاقي ورمزي وكإطار سياسي تربوي اديولوجي، مع أهمية الاشارة لِما طبع مغرب العشرين سنة الأخيرة خاصة من تفاعلات ذات صلة الى غاية ما هناك من مشاورات حالية.
اشارات ومتغيرات ونقاشات وطروحات واضافات وقضايا مدرسة مغربية ومن خلالها التربية والتكوين بما في ذاك رهان تجويد الفعل التعليمي، هو ما وضعته ندوة تازة العلمية التربوية الربيعية في نسختها الأولى تحت المجهر وما ارتأت مناقشته يوم 10 يونيو 2022، من خلال قراءات واسهامات عدد من الباحثين التربويين المتميزين ضمن موعد علمي وطني، من تنظيم وتأطير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين جهة فاس مكناس بتعاون مع مختبر المعارف التربوية والعلمية ومعالم الحضارة الانسانية. هذا في أفق قراءات فكرية بحثية وخلاصات داعمة لتطلعات ورش اصلاح تربوي، من شأنه تجاوز ما توجد عليه المدرسة المغربية في بعدها الشمولي من خلل وخجل، وفي أفق أيضا ما ينبغي من تتبع ومواكبة ونقاش علمي منفتح على راهن قضايا واشكالات التربية والتكوين، فضلا عن تكريس تقليد تربوي علمي وعمل فريق وإشاعة قيم تواصل معرفي وثقافي ومهني، كذا روح تقاسم بين باحثين ومدبرين ومدرسين وجمعويين تربويين مهتمين وغيرهم.
وكان محمد عابد الجابري رحمه الله قد تحدث قبل حوالي أربعة عقود من الزمن عن قضية المدرسة المغربية ومن ثمة عن التربية والتكوين، معتبراُ اياها من اشكالات البلاد المزمنة التي لم تعالج وفق ما يجب من جدية ووضوح وحلول سليمة، مشيراً الى أن كل اصلاح لاحق كثيرا ما يلغي ما هو سابق أو يعدله. بل حتى محمد كًسوس رحمه الله تحدث قبل حوالي الثلاثة عقود عن نفس الإشكال معتبرا أزمة المدرسة المغربية والتربية والتكوين هي أزمة بنوع من الشمولية، مشيرا الى أن المنظومة التربوية المغربية مدعوة للاجابة عن مهمات أساسية ثلاث، في علاقتها أولا بدرجة تنمية البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وثانيا بدرجة دمقرطة المجتمع على الأقل في مكوناته العامة، وثالثا بدرجة مسايرة ما هو جديد علمي تقني.
ولعل فعل التربية والتكوين بالمغرب رهان يقتضي موارد وعمليات وأثاث بمواصفات محددة، من شأنها بلوغ تجويد عبر ما ينبغي من نهج فعال مؤسَّس على خلاصات دراسات وأبحاث، علما أن ما هو تجديد وتطوير ومن ثمة تجويد بات أكثر الحاحا في زمن وعالم تحكمه أولويات استراتيجية، لعل في مقدمتها ما يحاط بالعنصر البشري التربوي من أهمية إعداد وتجويد تكوين وتأهيل. وعليه، توجد موارد منظومة التربية والتكوين البشرية عموما في قلب نقاش المجتمع، منذ نزول الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيز التطبيق قبل أزيد من عقدين من الزمن، باعتبار هذه الموارد حلقة أساسية مفتاحية في كل مشروع يروم تصريفا أمثل لمقتضياته، وتحقيق اصلاح مدرسة مغربية وتربية وتكوين في بعدها الهوياتي والانساني. هكذا اتسع الحديث في الأدبيات التربوية المغربية خلال العقدين الأخيرين، حول رهان التربوي عموما ومنه المدرس خاصة الحامل لذات باحث ومبدع ومجدد ومبادر ومنتج ومتواصل وفاعل من خلال مشروع. ومن هنا بقدر ما ينبغي من اعادة اعتبار لهذه الحلقة الجوهرية في المنظومة التربوية المغربية، بقدر ما هناك من حاجة لشروط وآليات تكوين ومستويات تجويد وعيا بما يشكله كل هذا وذاك من مدخل أساسي شريك في أية بادرة اصلاح.
وكان المغرب منذ مطلع الألفية الجديدة بعدة محطات وتطلعات حول قضايا التربية والتكوين، تلك التي استهدفت في مجملها الارتقاء بخدمات المنظومة التربوية وتحسين تفاعلها مع ما هناك من تعدد تغيرات وتدفقات علمية واقتصادية واجتماعية وتقنية وغيرها. ولعل مما حضي بنظر وحديث أوسع ضمن هذا الزخم من الانشغال، مسألة الجودة وقضية تجويد ما هناك من أنشطة وعمليات وموارد وفضاءات تربوية، فضلا عما هو تكوين وتأهيل لكسب رهان تحديات الجودة والتنمية والتحديث معا، علما أن الجودة هنا ليست بالفهم والوعي الذي يخص ما هو انتاج وصناعة وغيرها، فهي في التربية والتكوين مخرجات ومتخرجين ضمن حالة ووضع من الحركة والدينامية بالضرورة، وأن جودة المتخرجين لا يمكن أن تبلغ سقفها في أية مرحلة من المراحل حتى لو استمرت الجهود الفعلية من البداية الى النهاية.
ولعل المتصفح لمساحة الاصلاح التربوي ومحطاته خلال العقدين الأخيرين، لا شك أنه سيقف على ما طبعها من حديث عن رهان المدرسة وتجويدها، خاصة من هذه الجودة ما يتعلق ب”المدرسين(ات)” كمكون بمثابة صمام أمان بالنسبة للمنظومة وروحها.
ولا شك أن تجديد المدرسة المغربية عموماً رهين بجودة عمل فاعلين كل من موقعه وبجودة تكوينهم وتأهيلهم، وهو ما انصتت اليه المشاورات التي انبثق عنها الميثاق الوطني للتربية والتكوين قبل ازيد من عقدين من الزمن، ونصت عليه ايضا الوثيقة الاطار التي اندرجت ضمن إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وعيا بما هناك من تحولات ورهانات ترابية جهوية وتنافسية ومن ثمة من تجويد. أسئلة عدة اذن حول معطى التجويد لا تزال تلاحق المدرسة المغربية ومن خلالها منظومة التربية والتكوين، وتلاحق حصيلة ما شهدته من محطات وتطلعات اصلاح على امتداد العشرين سنة الأخيرة. وهو ما ارتأت “ندوة تازة العلمية الربيعية في نسختها الأولى:”رهان التجويد في التربية والتكوين بالمغرب.. أية محطات تطلعات ومشاورات” إثارته، باعتبار قضية الجودة والتجويد إشكال وحلقة بقدر كبير من الأهمية في منظومة البلاد التربوية، بل من المداخل الأساسية في أية بادرة ورؤية اصلاح تخص قطاعا بات بحديث عن اصلاح اصلاح..
ولعل بقدر ما تباينت محاور هذا الموعد العلمي بقدر ما تقاسمتها اشكالات على درجة عالية من الأهمية والراهنية، فقد ناقش يوسف كًرواوي أستاذ التعليم العالي مسألة “الأمن التعليمي ومخططات اصلاح نمط التوظيف بالمغرب، متسائلا عن طبيعة العلاقة بين العنصرين وهناك من أمن نفسي واجتماعي ومالي ذو صلة. من خلال ما تطرق اليه من تأطير قانوني لنمط التوظيف الجديد بقطاع التربية والتكوين الذي بدأ بالتعاقد وانتهى بنظام أساسي خاص بأطر الأكاديمية، مشيرا الى أنه جاء ضمن مخططات اصلاح بدءا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين من خلال المادة 135 كذا القانون المحدث للأكاديميات الجهوية للتربية والتكون المادة 11 والمخطط الاستعجالي من خلال المشروع 15 و17، فضلا عن الرؤية الاستراتيجية والقانون الاطار 51.17. مبرزا كون هذا النمط من التوظيف يكرس هشاشة اجتماعية عبر تدمير الشغل القار في الوظيفة العمومية، مع ما حصل من تراجع عن حقوق ومكتسبات كان وراء اجواء احتقان واحتجاجات وفشل مخططات اصلاح وهدر لموارد، مؤكدا على فقدان هذا الأسلوب للمشروعية في غياب جهوية متقدمة داعمة، مستحضرا جملة مقترحات من شأنها تجاوز ما هناك من اختلالات تخص هذا الإشكال.
أما حسان الحسناوي أستاذ التعليم العالي، فقد توزعت مداخلته “المهننة ورهان الجودة في التكوين..”، على محاور ثلاثة جمعت بين مفهوم المهننة وما ينبغي من علاقة بين ما هو نظري وأجرأة . مشيرا لتجليات هذه المهننة كوضعيات تدريب، مع تركيز على كفايات وتعلم مهارات وملكات بدل وصفات. وأن المهننة التي هي بجملة مبادئ يمكن تنزيلها عبر براديغم عملي نظري عملي من خلال ركائز ثلاثة تجمع بين فرقاء تكوين، مع ما يرتبط بالعملية ايضا من أدوات تخص عملية تنزيل هي بمثابة شبكات ومخططات عمل بمعايير ومؤشرات تقويم وقياس. فضلا عما ينبغي من ثقافة تحفيز وتثمين وروح عمل فريق. وفي مداخلة ثالثة ضمن جلسة ثانية بعنوان “أي متوقع للتعليم المدمج في اصلاح المنظومة “، استحضر عبد الرزاق مزواكً أستاذ للتعليم العالي، تجليات ما هناك من ثورة معلوماتية دعت لأهمية ادماج وتعميم استعمال ما هناك من سبل معلوماتية ووسائط رقمية في مجالي التربية والتكوين، مشيرا لِما بات ضروريا إثر هذا التحول من تطوير وتحديث لأساليب العمل، مثلما يخص التعليم المدمج الذي يشكل مساحة جامعة بين ما هو الكتروني وسبل اشتغال تقليدي، لتقديم تعلمات منسجمة مع احتياجات متمدرسين وطبيعة محتويات دراسية واهداف منشودة. متحدثا في هذا النموذج عن دمج كلي يروم معارف وقدرات وآخر متزامن يروم ما هناك من كفايات، مستحضرا ما هناك من اكراهات من قبيل ما هو تقني وتنظيمي وبشري ولوجستي وأمني.
وحول ما توجد عليه الوزارة الوصية من مشاورات لإرساء مدرسة جودة للجميع، تحدث عمر ودادي أستاذ للتعليم العالي عما لقضية التربية والتكوين من موقع خاص في رهانات المغرب التنموية. وعليه، ما حصل من رهان اصلاح لهذا المجال عبر محطات عدة لم تكن بما ينبغي من أثر فعال وناجع. بدليل رؤية استراتيجية 2015- 2030 وقانون اطار 51-17، مشيرا الى أن ما يجري من مشاورات تدخل في اطار خارطة طريق بمكونات رئيسية تهم المتعلم والمدرس والمؤسسة، كآليات ينتظر منها إغناء ما هو مرجعي من قِبل متدخلين مباشرين وغير مباشرين في مجال التربية والتكوين. مشاورات على ايقاع ورشات هنا وهناك، قال أن من شأنها التحفيز على إبداع افكار وطروحات داعمة لتجويد أداء المدرسة المغربية.
وضمن جلسة ثانية لندوة تازة العلمية في نسختها الربيعية الأولى في موضوع” رهان التجويد في التربية والتكوين محطات تطلعات ومشاورات”، ناقش الأستاذ محمد بن عواد في مداخلة عنونها ب” التربية والتعليم في تقرير النموذج التنموي الجديد”، ما جاء من اشارات بقدر من الأهمية والتطلع حول دور المدرسة في بناء الموارد البشرية وفق مواصفات اكثر انسجاما مع انتظارات مستقبل البلاد والعباد. مشيرا الى أن من أجل هذه الغاية هناك رهان يقوم على “صدمة علاج” تروم دينامية من شأنها تحقيق أثار نوعية، في مقدمتها اعادة الثقة في المدرسة المغربية كتعلمات وتكافؤ فرص وموارد تربية وتكوين ومن ثمة من جودة في أفق 2035.
وكانت مشاورات 2022 وقضية الجودة، هو ما تمحورت حوله مداخلة عبد السلام انويكًة أستاذ التعليم العالي الذي بقدر ما ثمن مبادرة الوزارة الوصية، بقدر ما سجل حولها جملة ملاحظات من قبيل ما ورد من حديث عن استثمار للذكاء الجماعي، متسائلا حول هل هذا الذكاء كان غائبا في مشاورات وطنية أفرزت ميثاقا وطنيا للتربية والتكوين، جمع بين مرجع تعاقدي واخلاقي ورمزي وسياسي فضلا عما احتواه من مقترحات تجويد لم تحض بما ينبغي من أجرأة. مشيرا الى أن ما هناك من مشاورات حول الجودة، يطرح سؤال ما ينبغي من شروط غير خافية من قبيل ما هو خيار بيداغوجي وتفكير نقدي ومهارات حياتية وقيم ورقميات وامكانات تربوية داعمة وفضاءات..، واذا كانت مبادرة الوزارة من خلال مشاوراتها هي قضية الجودة- يضبف-، فأية مرجعية وطنية من شأنها تجاوز ما هناك من قراءات واجتهادات وتأويلات، وأية درجة تجاوب بين مرجعية الوزارة حول جودة الفعل المدرسي وما هو كائن حولها في بعده ومفهومه العالمي. هذا قبل أن يخلص الاستاذ انويكًة الى جملة مقترحات قال أنها بقدر من الأهمية لانجاح ورش التجويد، تلك التي جمعت بين كفاية موارد بشرية تربوية ووعاء تعليم تفكير وانفتاح على ما رقمي، فضلا عن أهمية تجاوز ما هناك من تقليد وتقديس لتجارب فردية وقراءات من اجل ما ينبغي من ابداع وانتاج.
هكذا اثثت هذه المداخلات وغيرها من نقاشات، ندوة تازة العلمية الربيعية مستحضرة ما هو عليه موضوع جودة المدرسة من انشغال وسؤال لدى كل قوى المجتمع في مستواها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري والجمعوي منذ عقود من الزمن، ذلك الانشغال الذي أفرز ما أفرز من تقارير ووثائق وتفاعلات استمرت معها تجليات اختلالات وأزمة، بدليل ما هناك من مؤشرات تهم عددا من الجوانب لعل منها في علاقة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ما يخص تكوين المدرسين والاداريين والداعمين التربويين والاجتماعيين وغيرهم.
ندوة تازة هذه انتهت الى جملة اشارات، منها كون مَهْما كان وزن عوامل وعناصر تهم نجاعة المدرسة المغربية، تبقى جودة وفعل وتفاعل ومردودية الموارد البشرية التربوية كيفما كانت مهمتها عاملا حاسما. وعليه، ما ينبغي من أولوية لهذه الوجهة في مجال التربية والتكوين ومن عمل ابداع وجرأة وسرعة ورصانة وحرص في هذا الاطار، في أفق واقع تكوين للأطر التربوية إن في شقه الأساسي أو المستمر من اجل ما ينبغي من إغناء وارتقاء مهني تربوي على اساس مواصفات محددة. هذا في زمن بات بتدفق وتطور سريع ومعه جيل جديد من اشكالات وقضايا وتحديات عدة، تلك التي باتت تلاحق وتساءل بعمق والحاح أفق المؤسسة التربوية والتعليمية المغربية العمومية وأثاثها البشري والمادي فضلا عن مهامها وامتداداتها البيداغوجية، هذا في علاقة بما هناك من طبيعة تخصصات أفرزتها تحولات مجتمعية جديدة ومن خاصية سوق شغل ضمن اقتصاد معرفة وتدفق رقمي عابر للحدود. وعليه، ما انتهت اليه نقاشات ندوة الفرع الجهوي لمهن التربية والتكوين بتازة، حول ما بات ملحا وضروريا من انصات وعناية أهم وأوسع لقضايا التربية والتكوين، على مستوى تحسين وتجديد وملائمة ما هناك من نهج ومنهج ومسلك وتيمة ومن ثمة من جودة وتجويد.
يبقى ختاما في علاقة بقضية جودة المدرسة، وما حصل من محطات وتطلعات ومشاورات ورأي منذ استقلال البلاد قبل حوالي ستة عقود من الزمن، من المفيد الاشارة لِما أورده السسيولوجي المغربي محمد كًسوس منذ فترة عندما تحدث في سياق يخص بؤر هذه المدرسة، مشيرا في خضم مكون أزمتها الى أنه ليست هناك علوم للتربية بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مجرد تداخلات بين علوم اجتماعية وانسانية تجمع بين علم نفس واقتصاد وسياسة وسسيولوجيا وغيرها، وأن هذا التعدد المعرفي هو الذي يؤثث ما هناك من مقاربات تخص قضايا المدرسة، مشيرا الى أنه من الخطأ الالحاح على علمية هذا الحقل المعرفي، والى أن العديد من المسؤولين ظلوا يعتقدون أن استشارة مختصين في علوم التربية أمر كاف لبلوغ حلول واجابات شافية، تخص أسئلة مدرسة مغربية بتعقيد وغموض كثير.
وهذا “ادغار موران” حول المدرسة وآلياتها وجودة محتواها، يرى أن الكائن البشري هو كائن فزيائي وبيولوجي ونفسي وثقافي واجتماعي وتاريخي، وهذه الوحدة المعقدة للطبيعة البشرية هو ما تم تفكيكه وتفتيته في المدرسة عبر مواد تخصصية، بات الأمر معها من المستحيل تعلم معنى الكائن البشري في وقت على الجميع أن يعرف ويعي الخاصية المعقدة لهويته الخاصة وللهوية التي يشترك فيها مع الآخرين. وعليه، يرى هذا الأخير ما هناك من أهمية أساسية حول ما هو انساني في كل تعليم ومن ثمة في كل عمل تأثيث جودة وتجويد، فلمن ينبغي الانصات اذن من أجل مساحة ورهان تجويد فعل وتفاعل مدرسة مغربية عمومية بأفق معين.
مختبر المعارف التربوية والعلمية ومعالم الحضارة الانسانية