مقالات

فاتح ماي.. حوار اجتماعي دون كلفة في سياق أزمة اجتماعية مكلفة

1. بلاغ رمضان!

أعلنت الحكومة في بلاغ لها بتاريخ 30 أبريل 2022 عن مخرجات اجتماع اللجنة العُلْيَا للحوار الاجتماعي التي ضمت وفدا حكوميا برئاسة رئيس الحكومة، وبحضور مسؤولي وممثلي النقابات المركزية الأكثر تمثيلية، إلى جانب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ورَئِيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، خصص لختم جولة أبريل من الحوار الاجتماعي، وتوقيع محضر اختار موقعوه أن ينسبوه إلى رمضان عوض أبريل على غرار الاتفاقات السالفة!

وقد حرص البلاغ على تأطير هذا الاتفاق باعتباره الأول من نوعه منذ تنزيل مضامين “النموذج التنموي”، وكذا ربطه بسياق تنزيل أسس “الدولة الاجتماعية” التي ترى الحكومة أن لا منفذ إليها إلا بإشراك الطبقة العمالية وتحفيز دورها في بناء أسس تلك الدولة الاجتماعية المعلنة. ويأتي الاتفاق أيضا في إطار فتح الحكومة، حسب بلاغها الصحفي “لحوار صادق وجدي وواقعي وممأسس مَعَ النقابات”.

2. سياق غير السياق

بعيدا عن هذا السياق الحكومي المعلن، فإن فاتح ماي لهذه السنة يأتي في سياق أزمة اجتماعية خانقة من أبرز تمظهراتها موجة الغلاء الحارق الذي مسّ المحروقات وكل المواد الأساسية، مما انعكس سلبا وبشكل كبير على القدرة الشرائية لعموم المواطنين وخاصة الشغيلة المستضعفة والمستعبدة، وكذا استفحال ظواهر الفقر والبطالة، ونزيف الأرواح والطاقات في قوارب الموت المادي لشباب أعياهم الموت المعنوي في بلادهم.

كما يأتي هذا المأتم الأممي المسمى تجاوزا بالعيد، في سياق دولي صعب ما كاد يخرج من تبعات جائحة كورونا حتى دخل في أزمة خانقة أخرى بفعل اندلاع الحرب في أوكرانيا التي عرت العطب البنيوي لاقتصاد محلي، قائم على الريع ومأسسة الفساد ورعايته من طرف منظومة استبدادية قائمة على الزبونية وشراء الولاء، وذيلية وتبعية للمصالح المالية للرأسمالية العالمية المهيمنة. والنتيجة شعارات للاستهلاك من قبيل: “النموذج التنموي” و“الدولة الاجتماعية”… النتيجة سياسات عمومية ارتجالية إطفائية، ومناسبة لتبذير المال العام، وجعله دُولة بين النافذين في صفقات مشبوهة غير مجدية. والنتيجة ما ترى في واقع الناس لا ما تقرأ في بلاغات الحكومة.

واختيار نسب الاتفاق لرمضان بما يحمله من قدسية عند الشعب المغربي وعموم المسلمين، هو محاولة لإلباسه لبوس صدق بعد أن أعيت الشغيلة أسمال الكذب في الاتفاقات السابقة التي كانت مجرد كذبات تتجدد كل أبريل. ولعل تحاشي نسب الاتفاق لأبريل، بل تم تأريخه خطأ بيوم 30 ماي عوض 30 أبريل فيه ما فيه من رغبة في طمس معالم الاتفاق الالتفافي لأبريل 2011، الذي تنصلت منه الحكومات المتلاحقة بعد أن اطمأن الحاكمون لزوال تأثير دومينو الربيع العربي وتجاوز عنق الزجاجة للتقوقع داخلها عوض الخروج منها.

فهل سيكون اتفاق رمضان أصدق من اتفاقات أبريل ولو بكلفة صفر درهم؟

3. اتفاق بدون كلفة

جاء الاتفاق بوعود فضفاضة ومواعيد ممطّطة عبر الزمن، من قبيل الرفع من الحد الأدنى للأجور في بعض القطاعات الخاصة والقطاع العام، حذف بعض السلالم الدنيا ورفع حصيص الترقي والتعويضات العائلية للأبناء الرابع والخامس والسادس، تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة، تخفيض كلفة الأجر الخاص بالعاملات والعمال المنزليين لَدَى مشغليهم، تشجيع النساء العاملات المشغلات عَلَى الانخراط فِي سوق الشغل ورفع نسبة نشاطهن الاقتصادي، وما سوى ذلك مما وعد به محضر 28 رمضان! مع التذكير أيضا بالاتفاقات القطاعية المبرمة في قطاعات مثل الصحة، التعليم وغيرهما.

والملاحظ من خلال هذه المخرجات أنها بدون كلفة مالية واضحة للحكومة، ولا وقع اجتماعي إيجابي ملموس على أوضاع الطبقة العاملة، بقدر ما هي إلا صيغ إنشائية لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشغيلة الرازحة تحت كلك العوز الاجتماعي، بل إنها تكرس استقالة الدولة من مهامها الاجتماعية، ورهنها المغاربة بمصالح المؤسسات الدولية المانحة، ولوبيات الفساد المهيكل.

وهكذا تخلت الدولة عن الإجراءات الجادة الفعالة، المتمثل بعضها في الرفع الملموس من الأجور بشكل ينقذ القدرة الشرائية لعموم المغاربة وتحسين دخلهم بما يتلاءم مع ارتفاع تكاليف العيش، وتوفير شغل لائق وكريم للمعطلين الصريحين والمقنعين، وممارسة الدولة لمهامها في ضبط الأسعار بإجراءات ذات مقاربة اجتماعية عوض التعويل على جيوب المواطنين لأداء كلفة ارتفاعها، وقبلها وبعدها أداء كلفة الفساد المنظم. وما لجوء الدولة لرفع أسعار المحروقات عوض تشغيل محطة لاسمير الموؤودة لخير مثال على تعويل الدولة على بسطائها لتصريف تداعيات أزماتها البنيوية وترضية لمترفيها.

4. النقابات والتوقيع على بياض

إن هذا الاتفاق المجاني لا يسائل فقط الحكومة ومسؤولياتها، بل يسائل أيضا النقابات التي باتت تلعب دور معكوسا في آلية التواصل السياسي؛ فعوض أن تراهن على إيصال مطالب قاعدة الشغيلة نحو قمة القرار العمومي من خلال الحوار المتكافئ، والتدافع الميداني والنضال الوحدي لتحقيق مطالبها، أضحت تقوم بدور الإخبار عن وعود الحكومة والناطق غير الرسمي باسم سياساتها اللاجتماعية، ووظيفة الإطفاء الاجتماعي لصالح السلطة السياسية دون مقابل واضح، بل مقابل استمرار هذه السلطة في التضييق على الحريات النقابية والسياسية والهجوم الكاسح على حقوق الإنسان والمواطن عموما، وحقوق الأجير والعامل والمستخدم والموظف خصوصا.

والرهان الصحيح الذي ينبغي أن تعمل من أجله النقابات تصدّيا لهذا التردي العام والزحف الشامل على حقوق العمال بعد وأد كل المكتسبات، هو الاشتغال على الذات ديمقراطيةً داخلية، وممارسة ميدانية، وبحثا وحدويا عن تكثيف الجهود ورص الصفوف من أجل بلورة جبهة نقابية واجتماعية ونضالية تسمع أنين المواطن البسيط والعامل المحقور والموظف المقهور والأجير الذي يؤكل جبين عرقه قبل أن يجف.

بقلم عبد الرحمان دهباني

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى