مقالات

الياس واحي..إدارة النقاش العام داخل المنظمة الإسلامية

  • هناك ثلاث محددات لإبداء الرأي داخل المنظمة الاسلامية، حتى لا يزيغ عن قصده ويصبح معولا من معاول الهدم لصرح البناء ، الذي عانى الأباء والأجداد في تشييده وتثبيت قواعده والسهر علي تربية أجياله تلو الأجيال.
  • أ : عرض القول اثناء انعقاد المؤسسة.

كما هو معلوم ان البناء التنظيمي للعمل الإسلامي يتألف من مؤسسات تحتية -قاعدية ، قواعد- ومؤسسات بينية ، ثم مؤسسات قيادية. وذلك باختلاف التنظيم ونضجه ووجوده الزمني الحركي في ساحة العمل الدعوي السياسي.

هل هو في مرحلة التأسيس؟

ام في عنفوان الطفولة؟

ام في مرحلة النجاعة والامتداد والتغلغل الشامل في كل مناحي الحياة العامة للبلاد؟

ينشط داخل كل هذه الأجهزة “عناصر” {عضو ، متعاطف ،منخرط….} كل حسب دوره والمهمة المنوطة له، وفضاء الاشتغال. حيث تختلف صفته التنظيمية هاهنا باختلاف مجال اشتغال الجغرافي للجهاز التنظيمي {المدينة، الإقليم ، الوطن…}.

المرتكز الذي تنفرد به جل الحركات الإسلامية، انها مضطهدة من طرف أنظمتها السياسية السيادية، فلذا فهي في الغالب تنتهج اسلوبين للعمل:

  • السرية : هذا الأسلوب يكاد يختفي بفعل سياقات واقعية وسياسية.
  • العلانية: أسلوب اثبت نجاعته وجدواه.

كلا الاسلوبين يحرص التنظيم الاسلامي ان يظل عمله وجهازه المعلوماتي حكرا على أعضائه ،وبذلك يحرص ان لا يتسرب شيء منه للأجهزة الاستخباراتية. وفي المقابل ما يظهر للعيان سوى المخرجات ومظاهر التفكير والاعداد القبلي.هاهنا، العضو عندما يريد ان يُنصب نفسه كقوة اقتراحية فهو ملزم – من الناحية الأخلاقية- بحكم الوضعية الاستثنائية التي يرزح تحت ظلها كيانه التنظيمي ولأسباب أخرى ، على ان يضع مقترحاته في المؤسسة المناسبة. ويبتعد عن طرحها علي هامش المؤسسة وذلك – مثلا- في صالونات خاصة ،مجموعات للأقران المشترك بينهما الصداقة بحكم عامل السن او الفئة الاجتماعية او رابطة المصلحة والمنفعة….

خطورة هذا الامر في اعتقادي انه يفسح المجال على مصراعيه امام خلق وعي – في شقه السلبي – موازي للوعي السائد داخل المؤسسات وأجهزة التنظيم. في الغالب يصبح معرقلا لما اتفق حوله الجميع، وذلك في إطار مقتضيات الشورى وامانة المجالس.

ـ ب : انتهاج الادب واللباقة في القاء القول “الصواب بلفظ الدارج”.

عندما تُطرح الاراء ،من المفروض ان تمتزج بأسلوب منهجي منسق مرتب ،مضفى عليها الآداب الإسلامية والأخلاق النبوية .اكيد ستلقى صدى طيبا في حالة صوابها ،اما في حالة جانبت الصواب فستبقى مقترحات يمكن ان يستفيد منها الأعضاء والتنظيم على حد سواء، وذلك على مستوى تصحيح المنحى وتوحيد التصور والوعي الجماعي لجموع العاملين في الحقل الدعوي السياسي.

هاهنا العضو يجب ان يتسلح بالصراحة والوضوح في طرحه ولو كان قوله يعارض التوجه العام .  على اعتبار انه إن وُجِه طرحه بالرفض ،مصحوبا بالتعنيف اللفظي والمعنوي، فأكيد سينزوي على حاله و سيظل يتخبط في متاهات نفسية وما تسول له من خيارات للرد، قد تزيغ عن الجادة وتوغل في التطرف.

انا اعتقد ان الحركات الاسلامية يجب عليها ان تؤسس “لألية نقدية “دائمة يستفيد منها العضو. أي انه يتربى على نمط من السلوك يعي بأنه بشر، قد يخطئ، وان يعترف بذلك بدون حرج ،ويُساهم بذلك  في المحصلة ،في تأسيس لثقافة “الاعتراف بالخطأ التنظيمي”.

كما ان الأعضاء تخطئ فلا شك ان المؤسسات كذلك ، لأنها في اخر المطاف تتألف من بشر. ان حدث ذلك فعليها ان تعلن ذلك في تقاريرها الداخلية في صفوف أعضائها وتكون بذلك قد حققت امرين:

  • الأول :  “عملية خلق الموضوعية النقدية”: أي ان التنظيم سيفرز عبر العملية التربوية التي يشرف عليها ،عضوا  متوازن الشخصية سواء على مستوى فعله او على مستوى النقد وتوجيه النقد البَنَاء لمؤسساته .
  • الثاني: يتمثل في ان جسم العمل الإسلامي سيتمكن من خلال هذه العملية من تصحيح المسار والتكيف مع المتغيرات الداخلية ، التي تصيب البنية التنظيمية وكذلك المتغيرات الخارجية.

أقول هذا الكلام من منطق ان الحركات الإسلامية- باعتبارها حركات اجتماعية-  عندما تخضع للدراسة الاجتماعية، فالباحث يحكم على مسارها – إما بالدوام لفترة معتبرة او بالزوال – انطلاقا من حركية وفعالية قواعدها وتنظيماتها.على اعتبار ان الأصل و منبع جل المبادرات هو البنية التحتية للكيان. أي انه يجب ان تنبثق من عمق التنظيم، أما القيادة، في اعتقادي، فقط تتلقى هذه الإشارات وتصوبها وفق الخط العام للحركة واختيار الوقت والمكان المناسبين لأجرأتها على ارض الواقع.هنا تستثنى القرارات ذات صبغة اللحظية ،التي تحتاج لعنصر السرعة واستغلال اللحظة التاريخية. اما كل ما هو استراتيجي فيتم صياغته من قبل عدة مؤسسات وعبر فترات تطول ام تقصر بحسب الجهد المبذول وتوافر الإمكانيات والمعلومات والإحصاءات الكافية لذلك. اي انها وليدة لمشاورات كثيفة لتحقيق التعبئة والاجماع المطلوبين في هكذا خطط وقرارات.

  • ج: الانصياع التام لمقتضيات الشورى.

كما تجدر الإشارة، ان العامل في الحقل الإسلامي، يمكن تصنيفه عدة تصنيفات ومن بينها، ذلك التصنيف المرتبط بطبيعة مهامه، أي لب وفلسفة ما يتأسس عليه عمله. ومن هذا المنظور فهو: إما عضوا منظرا وموجها، وإما منفذا للسياسة العامة للتنظيم التي تتفرع عنها سياسات قطاعية فرعية . هذا لا يعني ان الامر يتعلق بفصل تام بين العنصرين من حيث الاشتغال ولكنه فصل “تشخيصي” للحالة . و كذا التوظيف الأنسب لطاقات وكفاءات التنظيم، لا اقل ولا اكثر، وفي اخر المطاف بعد – واثناء، وقبل-  صياغة الخطط والسياسات ،الكل ينخرط في عملية التنزيل.

رغم ان رأي العضو قد يخالف ما تم الحسم فيه والاتفاق حوله في المؤسسة، سواء بالتوافق او عبر ألية التصويت ،فيتحتم عليه ان يسهم بكل ما أُوتيَ من علم ،وكفاءة، وجهد ،في تنزيل قرارات ومخرجات المؤسسة التي ينتمي لها ويمثلها.

هاهنا يمكن الحديث عن امرين جوهريين، لهما علاقة بالتطوير الذاتي “للعنصر” و”المؤسسة “على حد سواء:

  • عملية التدريب الميداني:

العضو هنا، عندما يقوم بعمل التنزيل يروض نفسه على الالتزام الحركي، والعمل في اطار منظومة وكيان مشترك، والانصياع الكلي لعمل جاد يعود بالفائدة عليه وعلي المجتمع. حيث يتمكن من خلال ذلك، تطوير كفاءاته وإعادة صياغة شخصيته القيادية الريادية، شخصية عاملة غير قاعدة ،حيث ان جسم التربوي السياسي بأمس حاجة لمثل هكذا “كريز مات” باعتبارها شخصية مبدعة محركة مشعة بنورانيتها – من المنظور التربوي- في صفوف الأعضاء والمؤسسات.

  • اليقظة الدائمة:

ثم يساهم من جهته في سد كل الثغور – محتملة- التي قد تسبب في اجهاض العمل وبالتالي فشل عمل وخفوت جذوة مؤسسات العمل الإسلامي.

عملية جندية متنوعة الاشكال والوسائل ،يمتزج فيها التوعية الفكرية بالدعم التربوي ،- بلغة دعوية، الزاد الإيماني التربوي- الذي يكتسبه العضو من خلال مواظبته على المحاضن التربوية والعناوين الايمانية.هذا المرتكز، عموما ،يتطلب نوعا من “الاستيعاب” فكر التنظيم ،وقابلية الفرد تجديد فهمه وتصوره، ليصبح كيانا يتمتع باستقلالية ذاتية نوعا ما .

طبيعة هذه الاستقلالية التي نحن في صدد الحديث عنها، تنهل من ادبيات التنظيم وخطه الفكري والتربوي و تلتزم بهديه . ولكن في المقابل تترك المجال مفتوحا اما الابداع الذاتي والابتعاد عن النمطية التي ترزح تحت ظلالها بعض التنظيمات الإسلامية مع الأسف.

الكل سينتقل لعملية التنزيل السياسات، ولكن المبدع من تلقى الامر ،مع فهم كامل للبيئة المستهدفة من ذلك ،وأهداف ما طلب منه، وترك حيز للتصحيح والتقويم اثناء أجرأة السياسة المستهدفة من الجهد.

طبعا للمؤسسات كل الامكانيات لإحداث نوع من التراكم الميداني المرتبط بألية من أليات التقويم اثناء عملية التنفيذ.

بقلم الياس واحي.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى