مصطفى شكري..مغلق من أجل الزيادة في التطبيع
كنا نعتاد -ونعقل ذلك وإن كنا فتية صغارا- أن نسمع ونرى الدولة قد أغلقت دكانا وشمّعت أبوابه وكتبت عليه باللون الأحمر “مغلق من أجل الزيادة في الأسعار”، وهي العبارة التي كانت دليل العار والشنار، وطريق البوار والخسار. لكن أن يمتد بنا العمر -ويا لعجب الأقدار- لنسمع ونرى مؤسسة جامعية تسد أبوابها، وتصد عن سبل الدرس والتحصيل، وتصدر بيانا من أجل منع نشاط طلابي حول القدس الشريف فذلك -لعمر الله- سبّة الدهر وحاملة لواء الغدر، وكانت جامعة الأثافي أن تكون الأعذار المبسوطة لذلك أكبر من الذنب، والأسباب المقدمة أجلّ من الزلة. ولقد كان حريا بها أن تلصق بالأبواب الموصدة شعار “مغلق من أجل الزيادة في التطبيع”، وتضيف إليه عنوانا فرعيا تخط فيه “من أجل عيون بني صهيون”، بل كان جديرا بها أن تزيد حواجز مكتوب عليها “ممنوع الدخول.. هنا القدس”! بل وتمعن فترفع رايات خفاقة يقرأ فيها الكل “ممنوع الولوج.. هنا فلسطين”!
ألهذا الحد بلغ استخفاف الدولة بمشاعر الناس وعقولهم أن تهرب الجامعة إلى دهاليز التعطيل بسبب نشاط طلابي يحمل عنوان “ملتقى القدس”؟ ألهذا الحد تفزع دولة من مباراة في كرة القدم من أجل فلسطين؟ ألهذا الحد تقلق دولة من رواق ومنشورات تحمل صور فلسطين؟ ألهذا الحد تهتز الأرض تحت أقدام دولة بسبب معارف مقدسية تدل على فلسطين؟ ألهذا الحد تُستفَز دولة من كلمة وخطابة من أجل فلسطين؟
ألهذا الحد بلغ رعب الدولة من الكيان الصهيوني مبلغا يجعلها تقفل وتمنع الولوج إلى جامعة يفترض فيها أنها قلعة التربية والتعليم، ومختبر البحث العلمي والتجديد، وفضاء الحرية والإبداع؟ ألهذا الحد وصل الارتماء في أحضان التطبيع مع الكيان الصهيوني لتقف الدولة حاجزا أمام ممانعة الوجدان والوعي الشعبيين استجلابا لأوهام السلام، وتحصيلا لخرافات المصالح السياسية والاقتصادية؟
ألهذا الحد أُشربت الدولة في قلبها عجل التطبيع، وأشبعت في بطنها بقرة الصهينة، وأتخمت في سلوكها بسحر ولوثة الهرولة فما عادت تصبر إلا على طعام واحد مطهو على نار الخبث الصهيوني؟ ألهذا الحد بلغ الهوان والخسران -عياذا بالله- بدولة التطبيع والتضييع فأرسلت الطعنة الغادرة والضربة الفاجرة لفلسطين في شهر رمضان شهر الذكر والتمكين؟ ألهذا الدرك السافل الأسفل تدحرجت دولة التطبيع والتضييع فانتقمت لهلكى الصهاينة هناك بأن نفذت هنا عملية اغتيال العلم وتفجير المروءة؟
ألهذه الذلة والمسكنة هبطت همة دولة فبدلت قولا غير الذي قيل لهم من نصرة الدين والمستضعفين والذود عن حمى وحياض المسجد الأقصى أولي القبلتين وثالث الحرمين؟ ألهذا المستوى تشابه بقر التطبيع على دولة التطبيع والتضييع فما عادت تزن الأمور بميزان عقل أن لا خير يرتجى ولا طائل تحت كيان الاغتصاب والإرهاب، وما عادت تكيل الأشياء بمكيال شرع أنه لن ينال رضى الصهاينة إلا باتباع ملتهم؟
ألهذا الدرك نزلتم تظاهرون على الطلاب بالإثم والعدوان، وتخرجونهم من ديار العلم والثقافة والحرية باسم حفظ الأمن والأمان، ومنع التعرض للوباء؟ وما الوباء والبلاء والغباء إلا ما فعلتم وسلكتم! أولستم من صدع رؤوسنا بالتسامح والتمدن والتنمية فأين التسامح مع طلاب الوطن؟
إنه ما من ظلم أشد وأعتى من منعكم معاقل العلم والعرفان بعد منعكم مساجد الله الرحمن أن يذكر فيها اسم فلسطين دعاء وتوعية وتحفيزا وترسيخا لثوابت الأمة في الدفاع عن مسرى النبي العدنان. فبيسما اشتريتم به أنفسكم أن تتنكروا لفلسطين! وبيسما يأمركم به خشوعكم وتبتلكم في محراب التطبيع أن تخيبوا آمال الملايين من المسلمين والأحرار في العاملين من أجل سواد عيون حفنة من المغتصبين الظالمين! وبيسما تحرصون عليه أن تستبدلوا الذي هو أدنى من موالاة المجرمين بالذي هو خير من نصرة المستضعفين من أجل متاع زائف من الدنيا قليل! وبيسما استكبرتم به من هُوِيِّ أنفسكم وكذبة أعذاركم ونبذكم لعهودكم وراء ظهوركم أن تتبعوا سحر شياطين الصهاينة فإذا أنتم لا في العير ولا في النفير، وما ملكتم ببؤس صنيعكم لا الفتيل ولا النقير ولا القطمير!
لنذكر دولة التطبيع والتضييع أن كذبتها البلقاء في أن منع النشاط سببه وجود هيئة لا علاقة لها بالجامعة، أنها بالأمس القريب جدا فتحت أبواب جامعتها العريقة مشرعة في عاصمتها الرسمية في سنة احتفاليتها بها “عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي” أمام الحاخامات والرهبان وكهنة التطبيع وخدام سدنة التمسح بالتسامح.
لنذكر دولة التطبيع والتضييع أنها استغلت فلذات كبد الأمة فحملت أطفالا أبرياء على زيارة الأضرحة والقبور في دولة تتغنى كل لحظة بالحداثة والتقدم، ومحاربة التطرف والانغلاق، ولننذكر دولة التطبيع والتضييع أنها فتحت مؤسساتها التعليمية لكل ناعق مدع في نوادي التسامح تفتل في غرس قيم الانهزام والرضى بالهوان لتكون بذلك تضرب بمعاول الهدم والردم في معاقل التنشئة الاجتماعية، لتصيب في مقتل -لا قدر الله- قيم الأمة، غارسة الشقاق والتصدع في لحمة المجتمع الجامعة ورابطته المانعة، كل هذا إرضاء لحفنة من قتلة النساء والأطفال، وهادمي البيوت وساجني الرجال.
وأخيرا، لنذكر دولة التطبيع والتضييع بأن قراءة كتاب الله المسطور وكتاب العالم المنظور، وسجل التاريخ المخبور يقول لنا إن الصهيونية هي الجرثومة الخبيثة الساكنة روح العالم، وأن علوها الثاني بشارة عظيمة بدنو وعد الآخرة يسوء وجوههم ووجوه محبيهم، ويفتح المسجد يدخله المؤمنون كما دخلوه أول مرة، وليبقى التتبير كسرا وهلاكا من نصيبهم أبد الدهر. وخاتمة القول الفصل الذي ليس بالهزل قول ربنا “وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ”. والله غالب على أمره.