ذ.عروب:.. الاهتمام بالعنصر البشري مدخل لاستئصال داء البطالة
يسعدنا في موقع “أنباء 24” استضافة المستشار في التوجيه التربوي و الباحث في ماستر السياسات العمومية و التنمية الاقتصادية، السيد “المصطفى عروب”، و ذلك للحديث حول موضوع ذو راهنية، الأمر يتعلق بموضوع البطالة.
تعدالبطالة وصمة اجتماعية ، وخلل اقتصادي واسع الانتشار في جميع بلدان العالم على نسب متفاوتة،وأسباب مختلفة و نتائج متباينة و كلفة باهضة.
وهي في بلداننا النامية أكبر حجما و أشد تأثيرا، وأصعب استئصالا من أوضاعها في البلدان الصناعية.ترتفع عندنا إلى نسبة عالية من القوى العاملة، و يعم انتشارها الأوساط الحضرية والقروية.كمالا ينجو قطاع من بين ميادين النشاط الاقتصادي من سلبياتها، ولا برامج التنمية في مجملها بناجية من عراقيلها.
حاوره: الصحفي الخامس غفير
نود أستاذ عروب في البداية أن تبين لنا لماذا تعتبر البطالة أصعب استئصالا في المجتمعات النامية منها في المجتمعات الصناعية؟
شكرا على الاستضافة، و تحية طيبة لكل قرائكم.
اسمح لي بداية بتعريف هذه الظاهرة الاجتماعية و الاقتصادية، فالتعريف مدخل مهم للفهم.
يعتبر بطالا كل شخص يتوفر على مؤهلات و خبرات لمزاولة مهنة ما امتلكها من خلال المرور عبر مؤسسات التكوين المهنية والهندسية والإدارية، و يبحث عن عقد عمل قار أو مؤقت تحت إشراف مؤسسة متخصصة حكومية أو وكالات خاصة وسيطة.
والبطالة ظاهرة اجتماعية واقتصادية تتعايش معها بلدان العالم منذ زمن بعيد بنسب مختلفة، و ما فتئت تشكل موضوع بحث و دراسات من مجموعة من المهتمين، سواء الاجتماعيين أو السياسيين أو رجال الاقتصاد، و حتى التربية نظرا لانعكاساتها على مختلف مكونات المجتمع و على بنيته، وهي تؤثر كذلك على مستوى النمو في بلد معين و انعكاس لما تحقق في مجال التنمية المحلية والوطنية.
لكن تبقى البطالة ذات تأثير محدود في المجتمعات الصناعية منها في المجتمعات النامية لما يطبع هذه الأخيرة من خصائص نذكر منها:
- كون المجتمعات النامية و لزمن قريب ذات اقتصاديات مغلقة،
- كون مناخ الأعمال بهذه الدول يبقى غير مشجع، و يتميز ب:
- ضعف القدرة على جلب الاستثمارات الخارجية الخالقة لفرص شغل جديدة و المساهمة في النمو (la croissance)، بسبب:
- أولا، تفشي الرشوة و الفساد، و هذا موضوع مظاهره متعددة و تفصيله ينبغي أن يفرد له مقال أو بحث خاص.
- ثانيا، منظومة قوانين غير مشجعة و صعوبة في خلق مقاولات و حلها و الحصول على تراخيص، و بالطبع هناك دول حققت تقدما في المجال، و من بينها على الصعيد العربي و الإفريقي المغرب، لذلك يبقى البلد الأكثر جاذبية بإفريقيا بتحقيقه أرقاما جيدة.
- ثالثا، مشكل الأمن الذي يطبع الدول النامية.
- ثم إن نظام التكوين و التأهيل المهني في الدول النامية عموما يتميز بالضعف، ما يعيق جلب الاستثمارات الخارجية المباشرة (IDE: investissement direct étranger)، و بالطبع المغرب في هذا المجال يشتغل و له خبرة متميزة على الرغم من الانتقادات الوجيهة المسجلة، لكن الاختيارات تحكمها غايات الدول، و يبقى سؤال الجدوى مشروعا.
3.خضوع الدول النامية لمبدأ تسيير الأزمات واللجوء المستمر للقروض الخارجية.
4.ضعف القدرة التنافسية و عدم الاستفادة الإيجابية من الثروات الطبيعية.
و نضيف إلى ذلك بنية الاقتصاديات النامية البعيدة عن المساهمة الوازنة للصناعة في الناتج الداخلي الخام (PIB)، و ذلك لعدم امتلاك التكنولوجيات الحديثة، و ضعف إن لم نقل انعدام البحث العلمي و المرتبط بالاهتمام بالعنصر البشري. و هذا يطرح سؤال منظومة التربية و التكوين في هذه البلدان النامية و يضعها على المحك.
إن العنصر البشري هو العنصر الأساس لكل عملية تغيير و عليه تبنى الآمال، و يبقى دوره جوهريا و عليه تكون المراهنة، لهذا نجد دولا كالمغرب مثلا يعتبر منظومة التربية و إصلاحها من أولى الأولويات.
طيب أستاذ، في نظركم كباحث في الاقتصاد، بأي معنى يمكن القول إن البطالة خلل اقتصادي؟
إذا علمنا أن مؤشرات النمو و التنمية في بلد ما تقاس بسياساته العمومية الاقتصادية و الاجتماعية و ما حققه من أرقام في المجالين، يمكننا فهم أسباب اهتمام الدول بالعوامل المؤثرة في هذه المؤشرات.
إذا كان مثلا الطلب الداخلي الإجمالي يؤثر في النمو و يخضع للمعادلة التالية:
الطلب الداخلي= الاستهلاك+الاستثمار+النفقاتالعمومية+التصدير
آنذاك يمكننا أن نفهم كيف تؤثر هذه العناصر الأربعة في إحداث خلل اقتصادي.
إن قيمة سياسة عمومية في الرفع من مؤشر النمو رهينة بكيفية التوفيق بين عناصر البيانو الأربعة، أي الاستهلاك و الاستثمار و النفقات العمومية و التصدير.
(نقاطعه) كيف ذلك؟
الاستهلاك مرتبط بالاستثمار (عمومي، خاص أو أجنبي) ارتباطا لصيقا. الاستثمار يعني إنتاج (تصدير في مرحلة ما) و توزيع مداخيل. هذه المداخيل يتم ضخها بنسبة كبيرة في الاستهلاك.
الاستثمار يعني استعمالا لعوامل الإنتاج، و التي يبقى العنصر البشري من عناصرها. لكن ما هو منطق المستثمر؟ إنه الربح (le profit)، الربح حيث الأمن و القرب و التكلفة الضعيفة، و لكن أيضا الربح حيث الإنتاجية المرتبطة بالاستخدام الأمثل لعوامل الإنتاج، و المتعلقة أيضا بالكفاءة المهنية، و هذا يطرح علينا سؤال التكوين في المنظومة التربوية و التأهيل المهني، و مدى قدرتنا على تهيئ العنصر البشري لتشجيع الاستثمارات المساهمة في التنمية و تجنب تفشي البطالة أمام الأعداد المتزايدة من الخريجين.
البطالة أيضا تكون عبئا اقتصاديا على الدول من ناحية النفقات العمومية، إذ كيف يعقل أن تصرف الدولة أموالا طائلة و تستثمر في تخريج أفواج من حاملي الشهادات دون تهيئ مناخ الشغل.
من هنا تبرز أهمية التخطيط المسبق لتجنب الانزلاق في هذه الظاهرة الاجتماعية و الاقتصادية، و التي قد تؤدي في حالة تفاقمها إلى خلل اقتصادي إذا ما أصبحت بنيوية.
و يبقى إصلاح مناخ الأعمال و الحريات الاقتصادية، و المراهنة على العنصر البشري من خلال منظومة التكوين السبيل لتجنب البطالة، و تحقيق التنمية و تجنب الخلل الاقتصادي.
ما العلاقة، في نظركم أستاذ عروب، بين البطالة و بين التحصيل الدراسي؟
إذا كان منطق المستثمر هو الربح عبر تشغيل كفاءات قادرة على تحقيق الإنتاجية المطلوبة مساهمة مع باقي العوامل في الإنتاج، كفاءات قادرة على التعامل مع المواقف الجديدة، و التأقلم مع سوق الشغل و المتغيرات التكنولوجية، و الخلق و الإبداع، نفهم كيف أنه على الفضاء المستقبل لهذا الاستثمار أن يكيف منظومته التربوية مع متطلبات سوق الشغل.
فعلا، لقد فهمت مجموعة من الدول الأمر، و سارعت إلى دعم منظومة التكوين للفوز بنقاط نمو إضافية عبر الاستثمارات. و ما المغرب ببعيد عن ذلك، فوعيه بأن عدم الاهتمام بالعنصر البشري يعني مزيدا من البطالة و التراجع و عدم الاستجابة لسوق الشغل، جعله يراهن، و على غرار تجارب عدة دول، على الاستعانة بأحدث المقاربات البيداغوجية، على الأقل على المستوى النظري، مقاربات تسعى إلى تكوين ذلك التلميذ المستقل، القادر على حل المشكلات و التفاعل مع المحيط و اتخاذ القرار المناسب.
إن التحصيل الدراسي وفق ما ترمي إليه المقاربات البيداغوجية الموظفة إيجابيا، وفي ظروف صفية ملائمة، من تحفيز للمتعلم، و من تدبير تربوي جيد و مسؤول، سيسمح في نهاية المسالك الدراسية بتخريج ذلك العنصر البشري الكفؤ، و القادر على التفاعل مع المحيط و الاستجابة لمتطلبات سوق الشغل و تجنب البطالة.
أحسنت أستاذ! بالتوفيق
تحليل واقعي من استاذ ميداني
بوركتم جميعا
تحية إكبار وتقدير لأخي وزميلي الأستاذ مصطفى عروب والأخ الفاضل الخامس غفير الذي حاوره في موضوع غاية في الأهمية، بارك الله في جهودكما التنويرية، ومزيدا من التألق إن شاء الله