بلاطي شروط بنموسى عبثية وارتجالية وتحكمها هواجس أمنية وتقنية لاعلاقة لها بتجويد المنظومة التعليمية
وصف الدكتور أحمد بلاطي أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين سطات ،الشروط التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لولوج مهن التربية والتعليم بالعبثية والارتجالية.
وكشف عضو عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي ،في حوار شامل وصريح مع موقع أنباء 24 ،عن الاختلالات والعيوب التي شابت الشروط التي اعتمدتها الوزارة،و الأبعاد والخلفيات التي ارتهنت لها، والمؤسسات المحلية والدولية التي انصاعت لضغوطها.
كما تطرق بلاطي في ذات الحوار للمتطلبات والسبل الحقيقية لإصلاح جدي ل ” أعطاب المنظومة التربوية والتعليمية الكثيرة والمتعددة”
ووقف أستاذ التعليم العالي مع ردة فعل الشارع، ومواقف النقابات ومختلف الهيئات، مشددا على أن هذا الملف الذي يهم المشروع المجتمعي يهم الجميع خاصة الفاعلين السياسيين ،وكذا الطلبة العاطلين.
وهذا نص الحوار كاملا.
بداية مرحبا بكم أستاذ أحمد بلاطي على موقع أنباء 24، وشكرا جزيلا على قبول الدعوة.
شكرا جزيلا لموقعكم على إتاحة الفرصة لمناقشة هذا الموضوع الهام والساخن، الذي يشغل بال الجميع، مرحبا بكم.
س: كيف تابعتم أستاذ الجدل الكبير الدائر حول الشروط التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لإجراء مباريات توظيف الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين؟
ج: توصلت بمسودة القرار عن إعلان المباراة ساعات قبل نشر الأكاديميات الإعلان رسميا، لقد أخبرت من أرسل المسودة مستفسرا، أن الأمر ربما يتعلق بفقاعة لقياس ردة الفعل، لذلك حين تم الإعلان أحسست بصدمة شديدة. لأن مثل هذا القرار ينبغي أن يتم التهييء له مدة طويلة، وأن يكون ناتجا عن دراسة علمية، عُرضت على النقاش العام. ويمر القرار عبر تغيير القوانين، أولا: قانون الوظيفة العمومية يحدد السن الأعلى للتوظيف في 45 سنة، والقانون المؤطر لأطر الأكاديميات الذين فرض عليهم التعاقد، يحصر سن التوظيف بين 18 سنة و40 سنة، مع إمكانية رفعه.
وفي السنوات السابقة، كان يصدر سنويا إلغاء شرط السن بدعوى استقطاب أطر جيدة ومتمكنة؛ لذلك فإن الشروط الجديدة التي اعتمدتها الوزارة، إنما تعبر عن رؤية ذاتية شخصية وفردية لمسؤول يظن أنه الوحيد الذي يملك الحل السحري لأعطاب المنظومة التربوية، ويعتبر أن السن هو عقدة هذا الحل، وسيمضي هذا القرار كما مضى غيره بمجرد تغيير الوزير أو المسؤول.
هذا قرار عبثي ارتجالي ينضاف إلى مختلف القرارات الارتجالية التي يتم اتخاذها في هذا القطاع الحساس، وفي كل مرة يهب المسؤولون (المسؤولون عن الكوارث السابقة هم من كانوا يتخذون القرارات)، الذين اتخذوا هذه القرارات من أجل إقناعنا بأن قراراتهم صائبة، وفي مصلحة المنظومة، وهم المسؤولون الحقيقيون، بقراراتهم الارتجالية، عن كل أعطاب المنظومة. والمبررات التي يقدمونها بها لأي قرار، يمكن أن تقنع بالقرار وعكسه في الوقت نفسه. لقد تم رفع قيد السن في الحكومة السابقة من أجل استقطاب العناصر الجيدة، ويتم الآن تحديد السن الأقصى في ثلاثين (30) سنة من أجل استقطاب العناصر الجيدة. ليكذبوا على الأموات لا الأحياء.
س: اعتبرت الوزارة أن هذه المستجدات في غاية الأهمية، وتندرج في صلب سياسة الارتقاء بالمنظومة التعليمية التي أكد عليها القانون الإطار 17-51، والتي جعلها النموذج التنموي الجديد في صدارة أولوياته، ومثلما اعتمدها أيضا، وبشكل صريح، البرنامج الحكومي، ما رأيكم أستاذ أحمد؟
ج: الصياغة الإنشائية للنموذج التنموي لن تؤدي إلى إصلاح المنظومة، فالقرار يتعارض كليا مع الشعار المرفوع في النموذج التنموي الذي ينص على اعتماد الخيارات الكبرى” الكفيلة بإعادة بناء الثقة وجعل المغرب بلداً متضامنا ومزدهرا لفائدة جميع مواطنيه”. هل بهذا القرار نعيد بناء الثقة في القرارات التي يتخذها المسؤولون؟ لأنه بجرة قلم يعدم أمل المغاربة الحاصلين على الإجازة في الدراسات الأساسية، ويعدم أمل المغاربة الذين تجاوزوا سن الثلاثين !
ثانيا؛ الانتقاء وتحديد السن في 30 سنة شرطا للولوج لمهن التربية، ليسا عاملين حاسمين في تجويد المنظومة وإصلاح أعطابها الكثيرة والمتعددة. ولذلك، أين هو الوطن المتضامن والمزدهر لجميع مواطنيه؟؟
إذا كان السن مدخلا للإصلاح، فماذا يقدم هذا النموذج لمن تجاوز هذا السن؟ ما هي الحلول والبدائل التي يقترحها للآلاف الذين حصلوا على إجازة في الدراسات الأساسية في مختلف القطاعات، وليس فقط التعليم، لأن السن لم يحدد في قطاع التعليم فقط بل في قطاعات أخرى؟؟
يتطلب الإصلاح إرادة سياسية تشرك جميع الفاعلين والمتدخلين الحقيقيين وبدون استثناءات، سيظل ملف الإصلاح مؤجلا إلى حين تحقق هذه الإرادة السياسية الحقيقية، التي تضع التعليم المغربي العمومي المجاني نصب عينها من أجل تحسينه وتطويره ودعمه، وأي حديث عن الإصلاح في غياب مدرسة عمومية مجانية هو ضرب من العبث، لأن التعليم الخاص في نهاية المطاف ليس إلا مقاولة ربحية تجارية !
إذا كانت غاية الإصلاح هي الجودة، فكل المبررات التي ذكرت لا علاقة لها بالجودة، فمدخل الجودة واضح: مباريات شفافة ونزيهة؛ أجور متناسبة مع الجهد المبذول؛ حفز الموظفين بما يتناسب مع جهودهم وخبراتهم؛ توفير الموارد الكافية: كالوسائل والتكوين الجيد….
على من نكذب حين يتم تقليص زمن التكوين في سبعة أشهر، وحذف التداريب من تكوين مُمَهْنِن ومهني، وتحويل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إلى مؤسسات للتكوين النظري تقريبا، وبدء الموسم التكويني في يناير عوض شتنبر.. تحويل مهمة المراكز الأساسية من تكوين الأساتذة والمدرسين والإداريين إلى مؤسسة لتكوين المترشحين للمباريات؟؟ مع من استشارت الحكومة أو الوزارة في هذا القرار؟
أليس هذا هدرا للمال العام في تفريخ مؤسسات تستنسخ المهام نفسها :
المدرسة العليا للأساتذة، المدرسة العليا للتربية والتكوين، الإجازة المهنية بالجامعات والمعاهد؟؟ للأسف حتى المدارس العليا للعلوم التطبيقية وكليات الحقوق تم إرساء مسالك للتربية فيها ! إنه العبث بعينه! فكل هذه المؤسسات، باستثناء المدارس العليا للأساتذة وكلية علوم التربية بالرباط، في بعض الشعب، لا تتوفر فيها الشروط لإرساء هذه المسالك، وتستعين بأساتذة من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.
س: كيف تفسرون هذا التذبذب في اعتماد المعايير من حكومة لأخرى؟
ج: هناك ملاحظة هامة تتعلق بوازرة التربية الوطنية تحديدا، وهي:
م نذ الاستقلال إلى الآن يتغير الوزراء في وزارة التربية كل سنتين إلا بضع أشهر أو بزيادة أشهر، فالمعدل لتعاقب الوزراء تقريبا وزير لكل 22 شهرا ونصف الشهر منذ الاستقلال. ففي عشر سنوات (2011-2021) مر في وزارة التربية الوطنية (بنموسى- أمزازي – حصاد – بلمختار – الوفا)، كل وزير، بما فيهم الوزير بنموسى، يأتي ليفرض مجموعة من القرارات التي تتوافق مع هواه، يتم التخلي عنها مباشرة بعد مغادرة الوزير لمنصبه. كيف يتم الإصلاح في ظرف سنتين أو ثلاث سنوات؟
دون أن ننسى أنه مع كل تعديل حكومي، أو تنصيب حكومي جديد، يتم إما فصل أو دمج وزارة التربية الوطنية وقطاعات أخرى لصيقة بها كالتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني وتكوين الأطر والتعليم الأولي ومحو الأمية والثقافة والشباب…
لقد قدم كثير من الفاعلين (الخبراء والنقابات) تشخيصات دقيقة لأعطاب المنظومة، وحذروا من تبعات القرارات العشوائية والارتجالية التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، ونددت بالمقاربات اللاتشاركية للحكومات السابقة؛ ينضاف إلى ذلك تعيين تكنوقراطيين (يصبغونهم أحيانا) بدون أي خلفية اجتماعية أو في هذا القطاع الحساس. ويأتي كل وزير ليضرب بالدراسات السابقة عرض الحائط.
س: ماهي في نظركم الاعتبارات المتحكمة في اعتماد هذه الشروط؟
ج: الاعتبارات المتحكمة في القرارات الحكومية بصفة عامة هي،: المؤسسات المالية الدولية التي تفرض التقليص من الخدمات الاجتماعية للدولة التي تعتبرها غير منتجة من أجل التقليص من النفقات؛ ثم المقاربة الأمنية التي يتم بها تدبير مختلف الملفات الاجتماعية، بما فيها ملف التوظيف في التعليم، منذ 2016 حين تم إقرار فصل التوظيف عن التكوين، وفرض التعاقد من طرف أحادي بدون إشراك للنقابات أو الفاعلين السياسيين. لم تهدأ الاحتجاجات في الشارع ضد هذه القرارات الانفرادية للحكومة، وربما المسؤولون الأمنيون يعتبرون أن الذين يقودون هذه الاحتجاجات هم الكبار في السن، لذلك أعطوا توصية بخفض سن التوظيف.
ودعم القطاع الخاص بمنع من هم أكبر سنا وذوي التجربة من مغادرة القطاع، وهو ما كان مصدر احتجاجات لهيآتهم كل سنة بفعل تفضيل كثير من الأساتذة في القطاع الخاص العمل بالقطاع العام توظيفا أو تعاقدا، بسبب معاناتهم من ضعف الأجور وهشاشة العقدة التي تربطهم بالمؤسسات التعليمية الخاصة. للأسف، فإن الحكومة تفضل إرضاء أصحاب المال على حساب المواطنين والقطاعات العريضة للشعب.
وأيضا معالجة اختلالات صندوق التقاعد بفعل الضغط عليه سواء بسبب الفساد وإهدار المال العام أو بسبب التزامات المعاشات والموارد المخصصة لتمويلها، فحين تقطع مع شكل من أشكال التوظيف، نتحدث هنا عن “الوظيفة العمومية”؛ فإن الموظفين الذين يتم الاقتطاع من أجورهم لتمويل صندوق التقاعد، لن يكون هناك خلف كاف لتمويل تقاعدهم. خاصة أن أجور المتعاقدين في البداية لم تكن تمول الصندوق المغربي للتقاعد CMR بل الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCAR، وهو ما تمت معالجته مؤخرا بالقرار الانفرادي للحكومة بإلحاق المتعاقدين في التعليم بالصندوق المغربي للتقاعد.
أخيرا، معالجة إشكالية عدم إقبال الطلبة على الإجازات المهنية في التربية في الكليات والتكوين والإجازة في التربية في المدارس العليا للأساتذة أو المدارس العليا للتربية والتكوين، بسبب انعدام الآفاق، ومعالجة فشل البرنامج الحكومي: عشرة آلاف إطار.
س: في وقت يشهد الشارع ردة فعل قوية رافضة “للشروط”، يسجل غياب أو قل خفوت لصوت النقابات التعليمية، هل من تفسير أستاذ؟
ج: طبيعي أن ردة فعل الشارع لن تكون متساوية مع ردة فعل النقابات التي رفضت هذا القرار في بياناتها بدون استثناء، وشكل موضوعا رئيسا في جلسات الحوار مع الوزارة. ورغم تنبيه النقابات لوزارة التربية الوطنية عن انفرادها بتدبير كثير من الملفات، منها ملف التوظيف؛ فإن المسؤولين بوزارة التربية الوطنية يتبجحون بالمقاربة التشاركية؛ فعن أي مقاربة تشاركية يتحدثون؟ علما أن النقابات تدافع عن الموظفين والعاملين وليس عن الراغبين في الشغل؛ وفي كل الملفات، على المعنيين بالأمر الدفاع عن مصالحهم، لا انتظار موقف النقابات فقط، للضغط على المسؤولين والنقابات في الوقت نفسه. كما أن النقابات في المغرب لم تتدخل سابقا في سياسات التوظيف والتشغيل خاصة شروط الولوج للمهن، إذ يبقى ذلك حكرا على الدولة. ولا يتجاوز تدخل النقابات المطالبة بسن سياسات توظيف عادلة، وتغطية الخصاص، وتحسين أجور الولوج.
في الحقيقة، فإن هذا الملف يعني الفاعل السياسي من أحزاب وهيئات سياسية أكثر من النقابات، لأنه يتعلق بالمشروع المجتمعي، ويدخل في صلب اهتمامات هذه العمل الحزبي. ونتساءل عن غياب موقف الأحزاب (إلى حدود الآن) باستثناء حزب اليسار الاشتراكي الموحد وشبيبة حزب النهج الديموقراطي وفيدرالية اليسار وبعض القيادات في الأحزاب والهيئات السياسية كالعدل والإحسان، أو قيادات بعض الأحزاب التي اضطرت للخروج من الحكومة الحالية…
ويعني أيضا الهيآت التي تمثل الطلبة الجامعيين بالمغرب، كالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهو ما يفسر التحرك القوي للطلبة، بتأطير من هذه الهيئة، في مختلف المواقع الجامعية المغربية. كما يبين أن هذا القرار غير مدروس، ولم يراع مستوى الاحتقان والإحباط الذي سيسببه لدى ملايين المغاربة.
حاوره الطيب مؤنس