خديجة الرياضي لأنباء24..الاستقرار لا يتعايش مع الظلم و الأمم القوية وصلت بالعدل واحترام كرامة الناس
تستضيف الجريدة الالكترونية أنباء24 الأستاذة والفاعلة الحقوقية خديجة الرياضي، للحديث عن الوضع الحقوقي المغربي الذي عرف في الاونة الأخيرة نوعا من الاحتقان بعد اعتقال عدد من الصحفيين والمعارضين .
1 _ يتسم المشهد السياسي بالمغرب باحتقان كبير، احتجاجات فئوية وقطاعية (التعليم /الصحة..) متواصلة ،ردة حقوقية غير مسبوقة (اعتقال الصحفيين والحقوقيين..) فكيف تقيمون الوضع وماهي قراءتكم للمشهد؟
يعرف الوضع الحقوقي تراجعات تتعمق أكثر فأكثر منذ سنوات. يمكن القول أن يوليوز 2014 منطلق هذه الردة التي أطلقها وزير الداخلية بهجومه العنيف على الحركة الحقوقية في البرلمان معلنا حربا ضد التنظيمات الديمقراطية بحرمانها تعسفا من وصولات الإيداع ومن القاعات العمومية. ثم جاءت 2017 حيث الهجوم العميق على حراك الريف والمحاكمات السياسية التي تعرض لها نشطاؤه حيث عودة الاعتقالات بالمئات والأحكام بعشرات السنين. ثم الهجوم على الصحافة للإجهاز على ما تبقى من الصحافة غير الموالية، باعتقال الصحافيين المستقلين والمنتقدين وصحافيي التحقيق وخنق الصحف التي لازالت تنفتح على الأصوات المعارضة والمنتقدة. وجاءت مرحلة الجائحة التي شكلت قوانين الطوارئ الفرصة التي استغلتها السلطة بشكل مقيت لقمع أي صوت احتجاجي سواء في الفضاء الرقمي أو في الساحات العمومية وضعت المغرب في لائحة الأمم المتحدة للدول التي تستغل الجائحة لقمع المعارضة وانتهاك الحقوق والحريات. ولم تستثن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ذلك حيث عرفت تدهورا مريعا وتعرضت الطبقة العاملة لأبشع هجوم على مكتسباتها وحقوقها في الوقت الذي اغتنت فيه كمشة الأغنياء الذين يسطون على ثروات البلاد ويتسلطون على الحكم فيها. ومن الطبيعي أن هذا المنحى الذي اتخذته سياسة الحاكمين بالبلاد مرتبط بطبيعة تسييرها الذي يتضح أن الأجهزة الأمنية هي التي لها اليوم السلطة والقرار في إفلات تام من أي محاسبة أو مساءلة مما يجعلنا نرجع لوضعية ما قبل هيئة الإنصاف والمصالحة التي وضعت عددا من التوصيات بقيت حبرا على ورق. وهذا التسلط والتغول الذي أصبحت عليه الأجهزة الأمنية سمح لها باستغلال لفترة الجائحة لمحاولة إفراغ الساحات العمومية من أي احتجاج أو صوت منتقد تحت ذريعة قوانين الطوارئ التي فرضتها السلطة بطريقة استبدادية مستغلة الخوف والرعب الذي خلقتهما الجائحة في البداية.
ولم يترك النظام السياسي الفرصة تمر دون تحقيق حلمه القديم وهو القيام بأكبر خطوة خيانية ضد الشعب المغربي تجلت في الارتماء في أحضان الصهيونية وقمع ممنهج لكل الأصوات الفاضحة لخيانته. طبعا كل هذا المسار الانتكاسي والخياني للالتزامات الحقوقية للدولة ولقضايا الشعب المصيرية من طرف النظام لا يمكن أن يعطي إلا تأجج النضالات وتزايد الاحتجاجات، ولازالت الأوضاع تنذر بانفجارات أكبر.
2_ علاقة بهذا الوضع المتأجج ، ما هي الحلول المقترحة للتجاوز ؟
يتطلب الأمر أولا على القوى المناهضة للاستبداد أن تنظم نفسها أكثر، وتنخرط بشكل أقوى إلى جانب الحركات المناضلة ضد هذه التراجعات من نضالات الفئات الاجتماعية والمهنية العديدة التي تواجه القمع والعنف باستمرار، والنضالات العمالية في عدد من المعامل الكبرى والمناطق الفلاحية، وأيضا الحراكات الشعبية التي تنطلق من حين إلى آخر وتواجه أيضا بقمع رهيب. الحل الوحيد الممكن هو خلق قوة مجتمعية رادعة للتسلط والاستبداد. لأن النظام السياسي يخدم مصلحة الأقلية القليلة من ناهبي المال العام والمستولين على ثروات الشعب المغربي وبالتالي لن يقدم أي شيء للفئات المقهورة ولن يحل أيا من مشاكل البلاد المتصاعدة بل هو السبب في وجودها أصلا من التزايد المهول للمديونية وتهريب الأموال إلى الجنات الضريبية والأبناك الخارجية، وتفقير الشعب إلى أدنى المستويات، وفتح البلاد للعدو الصهيوني ليعيث فيها بدوره فسادا ونهبا وقمعا. الحل هو خلق ميزان قوى جديد لصالح القوى المناضلة ضد الاستبداد وهذا جد ممكن لو حصل الوعي بضرورة تجميع كل هذه القوى بتعددها واختلافاتها كما حصل في مرحلة 2011. لأن هذا التكتل هو الذي جعل ميزان القوى يختل لصالح الحراك في تلك المرحلة ويفرض على النظام تنازلات، ولو أنها غير كافية، إلا أنها أيضا غير مسبوقة.
3_في نظركم لماذا كل هذا التغول والإمعان في السلطوية، هل تقدر السلطة السياسية في البلد فشل حراك ” الربيع ” وبالتالي انتهاء مرحلة الانحناء للعاصفة. ام ان هناك عوامل أخرى مشجعة كالوضع الدولي والاقليمي؟
يقول البعض فعلا أن السلطة السياسية تعتقد أن قوس ما سمي بالربيع أغلق ولهذا هي تمارس هذا التغول والإمعان في المواجهة العنيفة والقمعية لكل صوت منتقد. وأنا أرى أن العكس هو الصحيح، هو أن الحاكمين يعرفون أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج وأن التناقضات التي خلقت الربيع تعمقت اليوم أكثر. وإذا كانت في 2011 عوامل خارجية مساعدة لتلك الانتفاضة والمتجسدة في الوضع الإقليمي وما عرفه من هبات شعبية أسقطت بعض رموز الطغيان، فإنها تبقى عوامل خارجية وأن المحدد في الصراع هو دائما التناقضات الداخلية. ولهذا فهذا الهيجان الذي نراه في سلوك السلطة ضد الجماهير الشعبية مرده الفزع الذي يتملكها من تكرار تجربة 2011 أو تجربة مماثلة لأن التاريخ لا يعيد نفسه. والرعب الذي يتملكها لا يترك مجالا للتفكير أو الحكمة، ولهذا يستغرب الجميع لهذا المستوى من التجبر لحد العبث؟ ويتساءل الكثيرون أليس هناك عقلاء وسط المتسلطين على هذا البلد؟ لا، ليس هناك عقلاء وحتى إذا كان بعض الأشخاص غير راضين على شكل تدبير البلاد فتناقضهم مع المتحكمين هامشي، لأن المسألة ليست مسألة أشخاص بل هي بنيات ومصالح طبقية هم أيضا جزء منها.
4_يلاحظ في الآونة الأخيرة وجود العديد من الهيئات واللجان الدعم والمساندة والنضال المشترك (الاعتقال/ ملف الطلبة /مناهضة التطبيع…) هل هذا الأمر فرضته ظروف التغول والسلطوية أم هناك قناعة لدى كل الفرقاء لتكوين جبهة موحدة ضد “الفساد والاستبداد “.؟
وضعية الهجوم المخزني على الطبقات الشعبية ومختلف القوى المناهضة للمخزن وسياساته التدميرية للبلاد هي التي تفرض الاستمرار في المقاومة وابداع مختلف الأشكال الممكنة للنضال في الظروف الصعبة الحالية لممارسة هذه المقاومة وتقويتها. ولجن الدعم والتضامن مع المعتقلين السياسيين والجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع وقبلها الجبهة الاجتماعية المغربية، وعدد من الشبكات النسائية ضد الاعتداء على حقوقهن، وتنسيقات نقابية، وغيرها كلها تدخل ضمن أشكال المقاومة الشعبية لمناهضة الاستبداد والدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية ومصالحها. ورغم هذه الأشكال وغيرها كثير من أليات النضال المشترك، لازال الوعي بأهمية توحيد القوى بين جميع من يناهض الاستبداد غير حاصل، كما قلت قبل قليل. وحصول هذا الوعي هو الكابوس الكبير الذي يرعب الحاكمين. لهذا هم يعملون بكل ما أوتو من قوة للحيلولة دون حصوله. ولازالوا ناجحين في ذلك، بتحويل التناقض بين المخزن من جهة والقوى المناهضة له من جهة أخرى، إلى تناقضات تخترق هذه الأخيرة وتضعفها ليظل هو الأقوى والمهيمن. ولهذا نراه في وسائل القمع الجديدة التي هي صحافة التشهير يهاجم كالثور الهائج كل دعاة الوحدة وخاصة الذين يعملون على تحقيقها ويمارسونها.
5 _ كلمة ختامية الاستاذة خديجة؟
كلمتي الختامية هي كلمة عمر الراضي التي قالها لما تعرض للاعتقال التعسفي للمرة الثانية في يوليوز الماضي : “الاستبداد ليس قدرا ولا بد من الحرية ولو طال الزمن”؛ وأضيف أنه كلما اشتد الظلم اقتربت نهاية الظالم كما يقال. وهذا التغول الذي تمارسه السلطة ضد الشعب هو دليل ضعفها لأنها تخشى الكلمة الحرة وتخشى الصراع السياسي الحقيقي وتلجأ لأسلوب العصابات التي تختطف الناس الذين يقفون في وجهها، وتحتجزهم لتعيث في الأرض فسادا. لهذا أغتنم الفرصة لتجديد تضامني مع عمر الراضي وسليمان الريسوني الصحفيين المعتقلين اعتقالا تعسفيا دون محاكمة، وكل معتقلي الرأي بالمغرب من صحفيين ومدونين ونشطاء حقوقيين وسياسيين ونشطاء الحراكات الشعبية في مقدمتهم معتقلي حراك الريف. وأجدد مطالبتي بإطلاق سراحهم فورا. لأنهم كما يقول الشعار الذي نرفعه ونحن طلبة “من أجلنا اعتقلوا من أجلهم نناضل”. وفي خضم هذا النضال نذكر ليس من اعتقلوهم ــ لكن الساكتين عن اعتقالهم ــ أن الساكت عن الظلم كفاعله، وان الاستقرار لا يتعايش مع الظلم، وأن الأمم القوية وصلت بالعدل وبالقانون واحترام كرامة الناس، ليس بالتعسف والطغيان.