حوارات

بوغنبور لأنباء24..الدولة مطالبة بالانصات لمطالب الشعب والابتعاد عن المقاربة القمعية

تستضيف الجريدة الالكترونية أنباء 24 ،الأستاذ عبدالرزاق بوغنبور المنسق السابق للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان، و منسق هيئة مساندة الراضي و الريسوني و منجيب وكافة ضحايا انتهاك حرية التعبير بالمغرب، وذلك لمناقشة الوضع الحقوقي الحالي الذي يتسم بنوع من الاحتقان . 

يتسم المشهد السياسي بالمغرب باحتقان كبير، احتجاجات  فئوية  وقطاعية  (التعليم /الصحة..) متواصلة ،ردة حقوقية غير مسبوقة (اعتقال الصحفيين والحقوقيين..) فكيف تقيمون الوضع  وماهي قراءتكم للمشهد؟

للأسف الشديد الوضع الحقوقي عموما يتسم باستغلال حالة الطوارئ الصحية من طرف الدولة للتراجع  عن العديد من المكتسبات الحقوقية التي حققتها الحركة الحقوقية والقوى الديمقراطية والحركات الاحتجاجية والمطلبية عبر نضالات مريرة كلفت الكثير من المجهودات ومن التضحيات، كما اتسم بالعودة المكشوفة للتسلط والاستبداد والشطط البين في استعمال السلطة ،وصل حد تغول وتضخم أجهزة السلطة المفروض فيها الالتزام بإنفاذ القانون في إطار مهامها المحددة وفي احترام لحقوق الإنسان. كما ان تراجع الوضع الحقوقي في زمن الجائحة كان أكثر شدة ووقع على اغلب شرائح المجتمع .حيث أن وضعية حقوق الإنسان ببلادنا زادت ترديا وتدهورا جراء السياسات العمومية المتبعة، ناهيك عن  تملص الدولة المغربية من التزاماتها الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ليس فقط، بسبب عدم إعمالها لمقتضيات الاتفاقيات والعهود الدولية، أو بعدم اكتراثها بتوصيات اللجان المعنية وتقارير المقررين الخاصين، أو بتجاهلها لتقارير وملاحظات المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية، ولكن أيضا بتصعيدها لهجومها على حقوق الإنسان والحريات، العامة والفردية، وباستهدافها للمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان وللمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية، وبتقزيمها لأدوار كل الحركات والهيئات خاصة النقابية والسياسية .

لقد استغلت الدولة حالة الطوارئ الصحية لتعميق قبضتها الأمنية والدفع في اتجاه ما يشبه حالة الاستثناء من خلال الإنزال المكثف لقوات الأمن، وأحيانا لقوات الجيش في الشارع العام، لخلق نوع من الرعب والفزع في صفوف المواطنين والمواطنات، لفرض حالة الطوارئ الصحية، بدل الاعتماد على التوعية وتخصيص برامج إعلامية بمشاركة المختصين، وإشراك المجتمع المدني بكل أطيافه في عملية التحسيس بخطورة الوباء. كما باشرت الدولة تنزيل عديد من الإجراءات والتدابير بطريقة ارتجالية وسريعة دون فسح المجال لتوفير شروط إعمالها، مما قوى من درجات الاعتداء على الحريات وتكثيف الاعتقالات، وهنا نشير إلى فرض وضع الكمامة دون وجودها في السوق، أو مرة أخرى تشديد الدعائر والعقوبات على عدم ارتدائها منذ أواخر شهر يوليوز، والإغلاقات المتكررة لبعض المدن أو منع بعض مظاهر التنقل في فترات زمنية محددة، ومن والى اتجاهات محددة ، دون ترك ولو مسافة زمنية للمواطنين لاستيعاب القرار، ناهيك عن التكتم عن المعلومات والتستر عنها، واستهتار وزارة الداخلية وأعوانها بمختلف درجاتهم بالقانون، وتهميش جميع المؤسسات بما فيها، المؤسسات التنفيذية عن القيام بأدوارها الحقيقية في مواجهة تفشي الفيروس، الشيء الذي أدى إلى تغليط الرأي العام، وإيهامه بالقضاء على الفيروس مع بداية شهر يونيو، ليتفاجأ الجميع بالصعود القوي لحالات الإصابة . لقد بدا واضحا نزوع الدولة نحو قمع الحريات والحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين، عبر تشديد رقابتها على الحركة الحقوقية المناضلة، وعلى مختلف القوى الديمقراطية، وتوسيع هجومها على الحركة الحقوقية الدولية، كمنظمة العفو الدولية، ومحاولة تجميد نشاطها والتشكيك في مصداقيتها، لنشرها تقارير تشير إلى تجسس الدولة المغربية على النشطاء الحقوقيين والصحفيين ببلادنا، عبر التطبيق الالكتروني “بيكاسوس”.

في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، تعرضت هذه الحقوق للمزيد من الانتهاكات سواء تعلق الأمر بالحق في الشغل وما يرتبط به من حقوق شغلية أو الحق في الحماية الاجتماعية، أو الحق في التعليم بجميع أسلاكه، أو الحق في الصحة، أو الحقوق الثقافية واللغوية.

لقد أقدمت الدولة في غياب تصور وبرنامج سياسي واقتصادي واضح لمباشرة مواجهة الأزمة، باللجوء إلى المديونية الخارجية التي وصلت أرقاما خيالية وقياسية في مدة زمنية قصيرة (بلغت القروض 9 اقتراضات خارجية زيادة على هبات ومساعدات من دول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية)، حيث لجأت الدولة إلى الاقتراض عوض البحث عن بدائل حقيقية، مما سيرهن الموازنة العامة ومصير الشعب المغربي للسنوات القادمة للدوائر الرأسمالية، كما عملت الدولة إلى تبني سياسة تقشفية تستهدف تقليص مجالات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لخدمة الدين العمومي أو ما يسمى بالتوازنات الماكرو اقتصادية، على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

فالحق في الشغل نال القسط الأوفر من الانتهاكات ، فقد أظهرت الجائحة وسياسات الدولة المتبعة التضحية بحقوق الشغيلة لفائدة خدمة الباطرونا، وتفيد الإحصائيات أن عدد العمال المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يبقى ضعيفا مقارنة مع عدد العمال والعاملات المشتغلين في القطاع الخاص، حيث يوجد 3.5 مليون عاملة وعامل خارج أي تغطية صحية واجتماعية، كما أظهرت الجائحة أن عددا كبيرا من العمال خاصة في قطاع البناء والأشغال العمومية لا يتوفرون على عقود شغل، وأن ما يفوق 25 في المائة من السكان النشيطين يشتغلون بدون أجر، وأن حوالي مليون ونصف عامل وعاملة يشتغلون بأجر أقل بكثير من الحد الأدنى للأجر (العامل الناقص)، كما أظهرت الجائحة ارتفاع نسبة العطالة خاصة في صفوف الشباب والسكان النشيطين من 15 إلى 35 سنة، حيث وصلت حسب الإحصائيات الرسمية إلى 13 في المائة، دون احتساب 4.5 مليون شاب لا يتلقون أي تعليم أو تكوين ولا يشتغلون.

فيما يخص الحق في التعليم، فقد أظهرت الجائحة الاختلالات البنيوية لمنظومة التربية والتكوين، والتفاوتات الاجتماعية للاستفادة من هذا الحق، إضافة إلى التفاوتات المجالية بين العالم القروي والحضري، فقد أظهرت الجائحة عدم قدرة الدولة على تأمين شروط تكافؤ الفرص لوصول التلاميذ للحق في التعليم، حتى التعليم عن بعد رغم الاختلالات التي عرفتها، فنسبة التلاميذ الذين لم يتمكنوا من مواكبة حصص التعليم عن بعد تصل الى 50 في المائة ، نظرا لغياب الإمكانات التقنية واللوجيستيكية  وارتفاع تكلفة الربط بالأنترنت، إضافة إلى غياب مقاربة لدى الدولة فيما يتعلق بتأهيل وتكوين الأطر التعليمية في مجال التعليم عن بعد، ومما فاقم تعميق أزمة التعليم انصياع الدولة  إلى الاستجابة لضغوطات لوبي التعليم الخصوصي، برفضها عبر تصريحات وزير التربية الوطنية عدم قبول التلاميذ الذين يغادرون التعليم الخصوصي إذا لم يؤدوا ما يسمى مستحقات لأصحاب مدارس التعليم الخصوصي، مما يعد تملصا واضحا للدولة في مسؤوليتها في تأمين شروط إعمال الحق في التعليم لجميع فئات المجتمع.ومع الدخول المدرسي تبين بالملموس أن الدولة لم تستغل فترة الحجر الصحي لتهييئ الشروط الأنسب لضمان الحق في التعليم، حيث لجأت إلى سياسة الترقيع والارتجالية.

أما الحق في الصحة فقد بينت الجائحة أن الدولة لا تتوفر على منظومة صحية قادرة على الاستجابة للحاجيات الأساسية والضرورية للمواطنين والمواطنات في مراحل عادية، فما بالك بالجوائح والكوارث، فالبنية الأساسية الصحية مهترئة، والقدرة الاستيعابية للمستشفيات جد ضعيفة، ونسبة تأطير المرضى هزيلة، نظرا لقلة الأطر الصحية من أطباء وممرضين وتقنيين، إضافة إلى افتقار المؤسسات الصحية الاستشفائية للتجهيزات الضرورية.ومع بداية الجائحة واعتماد سياسة الإغلاق والحجر الصحي لجأت الدولة إلى تخصيص عدد من المستشفيات للتكفل بمرضى كوفيد 19، والتخلص التدريجي من العلاجات الاستشفائية العادية، وفي مرحلة متقدمة تم إلغاء جميع الاستشفاءات العادية مما جعل المواطنات والمواطنين الذين يحملون أمراض مزمنة، أو يحتاجون لعمليات جراحية أو تدخلات سريعة يفتقدون للعلاج، كما أن الدعاية وعدم التوعية بحقيقة الوباء جعل المرضى يخافون حتى من التردد على المصحات الخاصة، فما بالك المستشفيات التي أصبحت في نظرهم بؤرا للوباء وليست أماكن للعلاج.

علاقة بهذا الوضع المتأجج ، ما هي الحلول المقترحة للتجاوز ؟

قبل تناول المقترحات الممكنة ، يجب أن نتساءل هل هناك إرادة سياسية لمعالجة هذه الوضعية المتأزمة ؟ من خلال الممارسة يبدو أن الدولة ليست لها الرغبة في معالجة هذه الأوضاع ، والدليل أنها لا تقدم حلولا للمشاكل الآنية مقابل اعتمادها المقاربة القمعية في مواجهة الاحتجاجات لدرجة الافراط في استعمال القوة الذي تحول إلى عنف ممنهج في حق المطالبين بالحقوق والحريات. ولمعالجة هذه الوضعية المتأزمة ببلدنا لابد من اتخاذ مجموعة من المبادرات التي يمكن أن تعيد الثقة للمواطن في مؤسسات دولته ، بدل أن يعتبرها عدوا لمصلحته ومن بين هذه المبادرات المستعجلة :

– على الدولة أن تتخذ اجراءات وتدابيرفورية من أجل تنقية الاجواء السياسية وفتح المجال للحوار الديمقراطي لمعالجة كل القضايا التي كانت سببا في الاحتقان الاجتماعي الذي يعيشه المغرب ؛

– اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ووقف المتابعات واحترام الحق في الاحتجاج السلمي والتظاهر وحرية الرأي والتعبير؛

– توفير شروط وضمانات المحاكمة العادلة لكافة المعتقلين والمتابعين والكف عن توظيف القضاء لتصفية الحسابات مع المنتقدين للأوضاع ونشطاء كافة الحركات الاجتماعية؛

– احترام القواعد النموذجية ( قواعد مانديلا) لمعاملة السجناء الصادرة عن الامم المتحدة ، وخاصة ما يتعلق باحترام حقهم في العلاج والتغذية والفسحة والتواصل والدراسة ، ورفع كل المعيقات التي تمس بالحق في الزيارة؛

– استبعاد المقاربة القمعية في التعاطي مع الحركات الاحتجاجية وذلك عبر اعتماد أسلوب الحوار الديمقراطي واحترام حق المواطنات والمواطنين في التعبير عن مطالبهم العادلة والمشروعة ، خاصة ان الدولة نفسها اعترفت وأقرت بفشل سياساتها وتدبيرها الاقتصادي والاجتماعي ؛

– تمتيع كافة المواطنات والمواطنين بالحقوق الاساسية ( الحق في التعليم/الحق في الصحة/الحق في الشغل/الحق في السكن) باعتبارها الحقوق الضامنة للكرامة والعدالة الاجتماعية


-في نظركم لماذا كل هذا التغول والإمعان في السلطوية، هل تقدر السلطة السياسية في البلد فشل حراك ” الربيع ” وبالتالي انتهاء مرحلة الانحناء للعاصفة،أم ان هناك عوامل أخرى مشجعة كالوضع الدولي والاقليمي؟

أعتقد أن الدولة لم تستفذ من الدروس السابقة ، بالنظر الى أن الاحتجاجات التي شهدها المغرب عبر تاريخه الاجتماعي ، فليس كل مرة تسلم الجرة ، فاذا كان المواطن المغربي يحتج مطالبا بأبسط الحقوق التي تضمن له المواطنة وبأسلوب سلمي وحضاري وفي احترام تام للقوانين المنظمة لذلك ، فاعتماد المقاربة القمعية في حق المحتجين سيجعل سلوكياتهم تتغير نحو الاسوء وتؤدي الى المزيد من التطرف بكافة أشكاله ، الذي قد يؤدي الى فوضى عارمة في البلاد؛

وردا على سؤالكم من الصعب أن نعلن وفاة حركة 20 فبراير بالمغرب ، لأن الاحتجاج كممارسة وأسلوب رافق المغاربة منذ عقود ويمكن أن يعود من جديد وبأساليب نضالية مختلفة وبتسمية جديدة لأنه أرتبط بالمطالبة بالحقوق والحريات ولم يكن ترفا نضاليا ، صحيح أن المناخ الاقليمي والدولي ساهم في ذلك من خلال دعم الدول الكبرى – بعد وصول حكام شعبويين لسدة الحكم – للأنظمة القائمة في المنطقة المغاربية والشرق الاوسط ، من منطلق أن بعض الاحتجاجات داخل هذه المناطق ساهم في بروز تيارات اسلامية أو أنظمة غير متحكم فيها ، مما نتج عنه اعادة النظرفي تصورها نحو دعم الانظمة الاستبدادية القائمة تلافيا لفقدان السيطرة عليها شعبيا.

ومن الواضح أن المشكلة في المغرب ليست قضية نصوص، نعم نحتاج لدستور أفضل من هذا، لكن المشكلة الأكبر في الإرادة السياسية لتفعيل النصوص القانونية، لذلك فإنه حتى لو تم تجويد النص الدستوري والقانون الجنائي فإن غياب الإرادة السياسية يفقد هذه العملية الجدوى المطلوبة لأن ما هو ممارس عمليا على أرض الواقع إما فيه خرق للدستور والقانون أو فيه انتقائية في تطبيقهما، ولننظر مثلا إلى التساهل الكبير في ملاحقة ناهبي المال العام ثم في تشددها في متابعة الصحافيين والمدونين والمعارضين رغم أن النصوص واحدة.


-يلاحظ في الآونة الأخيرة وجود  العديد من الهيئات واللجان الدعم والمساندة والنضال المشترك (الاعتقال/ ملف الطلبة /مناهضة التطبيع…) هل هذا الأمر فرضته ظروف التغول والسلطوية أم هناك قناعة لدى كل الفرقاء لتكوين جبهة موحدة ضد  “الفساد والاستبداد “.؟

بالتأكيد أن المغرب وبالإجماع يشهد ردة حقوقية ، وتراجعا خطيرا في مجال الحقوق والحريات ، هذه الردة طالت الافراد والهيئات الحقوقية ، مما نتج عنه العديد من المتابعات والاعتقالات ، طالت بالأساس المدونين والصحافيين والنشطاء الحقوقيين ، وبالتالي كان من الضروري الاشتغال على هذه الملفات في اطار لجن تضامن أو تنسيقيات أو هيئات مساندة ودعم ، أمام تراجع جزء من الحركة الحقوقية في تحمل مسؤوليتها التاريخية في هذه الظرفية الحرجة المتميزة بالتضييق والتنكيل بالنشطاء ، وفي ظل صمت مريب لجل الاحزاب السياسية والمركزيات النقابية ، التي فضلت في هذه الفترة محاباة السلطة على حساب مصالح المواطنين ، بحثا عن المكاسب والمغانم ، من هنا ظهرت مجموعة من التكثلات اما ذات طابع فئوي ، أوتشتغل على ملف ما ، أصبح يكتسي صفة الظاهرة ، كما هو الحال للملف الذي نشتغل عليه في هيئة مساندة الراضي الريسوني ومنجب وكافة ضحايا انتهاك حرية التعبير بالمغرب ، أمام تنامي ملفات الاعتقال السياسي الذي يوظف فيه القضاء .

صحيح بعد ترويض معظم الاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان والمركزيات النقابية التابعة لها ، لم يتبقى لها الا أحزاب اليسار الراديكالي ، التي لم يستطع المخزن ترويضها لكن الدولة تجعلها تعاني من الضعف المالي الذي يؤثر في إمكانية وصول خطابها للناس، وافتقارها لإعلام قوي، وفي الوقت نفسه الإعلام العمومي مغلق في وجهها، وهذا حصار ممنهج ، ينضاف إلى التضييق على الأنشطة من خلال الحرمان من التراخيص والقاعات العمومية ، لدرجة أن هذه الأحزاب طبَّعت مع المنع ، يضاف إلى ذلك خطاب التشكيك في وطنية تلك الأحزاب عند محاولتها الدفاع عن نفسها.

من الطبيعي أن هذه اللجان والتكثلات ما كان لها أن تكون لولا تغول السلطة وتمدد الفساد واستمرار غياب المساءلة والمحاسبة الا في حق الناهبين الصغار للمال العام ، حيث لوحظ في مجمل تقارير المجلس الاعلى للحسابات وجود تلاعبات واختلاسات للمال العام في القطاع العام والخاص ، لكن لم تتحرك الدعوى العمومية في حق المتلاعبين

أعتقد أن هذه التكثلات الظرفية ، هي ظاهرة ايجابية قد تفرز مستقبلا جبهة موحدة للتحرك من أجل حماية الوطن مما يقع فيه من تجاوزات من منطلق ربط المسؤولية بالمحاسبة ومعاقبة الناهبين والمتلاعبين الجدد باسم القانون.

ولعل من أبرز الملفات المرتبطة بالمرحلة الاخيرة هي ظاهرة الاعتداء على حرية الصحافة بالمغرب وكنموذج لذلك ، اعتقال الصحفي سليمان الريسوني، ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي مدة سنة تقريبا ، والتشهير به، في انتظار تقديمه للمحاكمة بتهم أخلاقية مفبركة لمحو الصفة السياسية عنه، واعتقال الصحفي عمر الراضي بعد عشر جلسات من البحث التمهيدي، بدعوى الاشتباه في تلقي أموال من جهات خارجية الغرض منها زعزعة أمن الدولة، وتلفيق تهمة أخلاقية له في إساءة بليغة للمرأة المغربية من خلال هذه القضية، ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي لمايقارب عشرة أشهر دون محاكمة ، مما دفعهما الى الدخول في اضراب مفتوح على الطعام بلغ يومه العشرون ، وقد نفقدهما في أي وقت لظروفهما الصحية الحرجة. ومسؤولية ضمان حقهما في الحياة تقع على عاتق الدولة المغربية.

–  كلمة ختامية :

ليس من قبيل المبالغة اذا قلت أن المراقب للوضع العام لابد أن يصل إلى خلاصة بخصوص المسار المستقبلي للمغرب، انطلاقا من مؤشرات الخطوات والقرارات التي يتخذها المسؤولون ، فالاحتجاجات ذات الامتداد الجهوي ما فتئت تتنامى، والمدن أضحت قرى بلا ماء ولا مرافق اجتماعية تستجيب وتواكب حاجيات المواطنين المتزايدة، والاكتظاظ أمام المستشفيات والفقر المتنامي، والبطالة وسط خريجي الجامعات والارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الأساسية الاستهلاكية، كانت وراء تفضيل مجموعة من الشباب في مقتبل العمر بمدينة الفنيدق شمال المغرب ، في أن يلقوا بأنفسهم في البحر هروبا من وطنهم وتفضيلهم العيش في سجون سبتة المحتلة أو مراكز اقامة محروسة ، على أن يظلوا في وطنهم ، في المقابل نجد أن الدولة مازالت تردد الأسطوانة نفسها التي تعزف نشيد الوعود البراقة والأمل الكاذب في الغد، وحينما تواجَه بالوعي المتنامي وسط المواطنين بسبب الواقع العنيد الذي لا يقبل إلا لغة الفعل والنتائج الملموسة، وتفشل في عملية “غسل الدماغ تلك” تلجأ إلى عادتها القديمة.. العنف والاعتقال.. وهما العنوان الأكبر للدول السلطوية والدول الفاشلة.. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال وبنوع من الاستنكار؛ متى يتم الاعتراف بأن الدولة مع الاسف أجهضت الاستفادة من حركة 20 فبراير التي كانت فرصة ذهبية لركوب قطار الديمقراطية الحقة في بلدنا ، ومع ذلك على الدولة المغربية ، أن تستخلص العبر بالتوجه نحو فتح حوار جدي ومسؤول، مع شعبها وتمتيعه بأبسط الحقوق التي يطالب بها ، بدل المقاربة القمعية لها والتي لن تنتج الا المزيد من الاحتقان والتوتر الشعبي .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى