مقالات

إلياس واحي..ارتباك حقوقي واضح في تمرين التضامن ….

كما هو معروف عند دارسي القانون الدستوري ، أن قِوام “الدولة الحديثة” هو القانون ، ولا شيء غير القانون. ابتداء من صياغة أركانها ،الى توطيد مؤسساتها ، مرورا بالإشراف على مجالات الحياة العامة، وانتقالا الى إقرار كل الأنظمة القانونية المنظمة للكيان الدولة برمته.

ولضمان انسجام وفعالية الكيان بأسره ، اقترح “العقل الدستوراني” في بعده المجتمعي الشعبي الصرف عبر  الزمان ،تراكما حقوقيا، يهدف بالأساس الى حماية كرامة الفاعل الأبرز في هذا الكيان المتمثل في:”الانسان”.

وتوالت بذلك”الصياغات “الحِمَائية” ،”التَحْصِنِيَّة”، القانونية، لهذا الكائن البشري، وتباينت،نضجت،اختلفت،عبر فترات سياسية عديدة لتصل لدروتها في زماننا الآني بما يُعرف ب  ظاهرة  “حقوق الانسان”.

كما هو معلوم أيضا ، عند الحقوقيين، ان مجال حقوق الانسان أصبح يعتبر فضاء” لمعركة كبرى” في ساحة إقليمية،وطنية،عالمية، أطرافها هما :”الحقوقي” الذي يُنصب نفسه للدفاع على المظلوم ، حيث يشرع في  عرض قضيته امام الرأي العام  بشتى الوسائل والامكانيات المُتاحة وذلك من أجل تَبْيِّين “المظلومية” .

حيث انه لن يتأت له ذلك الا بعد أن يتحرى عدالة مسألة المعني بالأمر، وصَدْقِيَّة ما تم ادعاؤه من لدن “المظلوم المفترض”،ووضع اليد على اين أنتهكت هذه الحقوق ،وكذا القواعد القانونية التي تم خرقها من طرف “المُنْتَهِك المفترض”،الذي يعتبر بطبيعة الحال الطرف الثاني في هذا المشهد الحقوقي.

اللُبس يظهر بجلاء  في هكذا تمارين حقوقية ،عندما يغيب ذلك التنسيق بين كل الفاعلين الحقوقيين، بحيث كل جهة حقوقية على حدة تتبنى “رواية حقوقية معينة”، طبعاانطلاقا من التحريات التي قامت بها ساعة دراسة “الحالة الحقوقية “التي رصدتها  ،وما لهذا الامر من آثار عظيمة في صياغة البرنامج النضالي الحقوقي و الوسائل التي تم إقرارها على هدي البرنامج المذكور.مما يفضي لنا في الاخير  الى برنامج حقوقي مختلف، وقد يتعارض مع كل الأشخاص “الذاتيين ـ المعنويين” الحقوقيين، الناشطة في نفس الساحة الحقوقية .

نحن ها هنا نتحدث عن الفاعليين غير الحكوميين، من منطق ان الفاعلين او الفاعل الحقوقي الحكومي تكون مواقفه وتصريحاته في غالب الأحيان ،  تتميز بنوع من وحدة التصور والحركة.

وقد ينأى بنفسه في بعض الحالات عن الخوض في كل الحالات الحقوقية التي تقع في  ربوع الوطن ،وإن اضطر الى ذلك بفعل ضغط شعبي ما، فإنه يكتفي  بتصريح آني  مُقْتَضَب حولها،أوقد يُرْجِئ ذلك الي “تقريره السنوي” ويُضَمِن بعض الإشارات…. بين ثناياه كفعل “تَنْفِيسِي” للرأي العام الوطني، ثم إرضاء و تلميعا لصورته الحقوقية أمام الجماعة الدولية.

هل غياب تصور عام وموحد ما بين كل الفاعلين الحقوقيين مرده الى الولاء السياسي لهذه الكائنات الحقوقية لانتماءاتهم التنظيمية،حزبية،طائفية؟

ام أن الدولة لها نصيب من هذا الارتباك الحاصل؟

ام ان المجتمع المغربي مازالت  “حقوق الانسان” كظاهرة إنسانية  تشكل امامه ظاهرة لا تتلاءم مع واقعه الثقافي،اقتصادي،سياسي،الديني؟

مع اننا نُسجل بكل موضوعية ،بعض الفعليات التضامنية في الآونة الأخيرة مع عدد من معتقلي الرأي و صحفيين ،تَنِم عن نضج وَافِر، مُستكمل ابعاد الفعل الحقوقي الرصين، حيث مكنت  هذه الفعاليات من التقاء “مدارس حقوقية” متباينة المرجعية الفكرية والسياسية ،التقى الجميع حول كرامة الانسان ونصرة المظلوم.

هذا النموذج غير مرغوب فيه في اعتقادي،لأنه من شأنه ان يتحول الى “جبهة حقوقية”، شعبية ، تَقُض مضجع منتهك الحقوق والمُتَعود على خرق القانون والتلاعب به ، ومن المحتمل إن اشتد عُود النموذج المذكور ،أن يتمظهر في اشكال رَصْدية ،تَتَبُعِيَّة ،حقوقية، اكثر فعالية وذي جدوى تأثيرية لا يمكن وصفها على الاطلاق.

بقلم الياس واحي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى