إلياس واحي..الرؤية السياسية التاريخية واثرها على الخطاب السياسي.
دعونا أولا نتوافق ، على منطلق جوهري ،مفاده ان تَشَكُل الخطاب السياسي الإسلامي يرجع بالأساس الى الرؤية السياسية التاريخية التي اعتمد عليها ، والفعل النظري البحثي المبذول من قبل الرعيل المؤسس لهذا التنظيم او ذاك.
حيث صادفنا في بحثنا ،صنفين “تَأْسِسَيْن” للفعل الإسلامي :
الأول ينشأ فجأة{مجازا}بدون سابق انذار ،بفعل الاحداث وما تحمل معها من مستجدات ومتغيرات، حيث يختار مُؤَسِسوه “الالتحام” في اطار ما ،تحت مسمى ما ،ثم يستأنفون العمل الميداني بمعية عمل تنظيري،{إن توفر} يرمي الى صياغة “الخلفية الايديلوجية “والبناء النظري للجسم ككل، من منطق ان العلم إمام العمل .
غالب الحالات يكون انخراط “الكائن السياسي الذاتي” في مثل هكذا تجارب الطارئة، بخلفيات قد تُوصف بانها متباينة أحيانا، ومتقاربة أحايين أخرى، وذلك تحت ضغط اللحظة التاريخية وما تجلبه أحداث الحياة العامة للإقليم السياسي من متغيرات ومستجدات .
كل هذا يؤثر في فعل الكيان السياسي، واليات الاستقطاب ،وشروط الانضمام ،والتعامل مع الحالات الاستثنائية ،التي تحتاج لردة فعل حكيمة ومتريثة بعيدا عن المنفعة اللحظية الذاتية، وبالتالي مستعدة للبذل كل غال ونفيس من اجل تحقيق “مبدأ التأسيس” .
لا يتسنى لهذا النوع من “الكائنات السياسية الإسلامية المعنوية” ان تجد هامشا من الوقت لقراءة تاريخ المسلمين، بشكل متزن ومن ثمة امكانية صياغة “نظرية التنظيم” والتمكن بذلك من فتح السبل المستقبلية للعمل والعطاء.
قد تلحظ اثر ذلك على مستوى خطابها السياسي ،بحيث تلمس تناقضا بَيِّن ،بين فترات معينة من التحرك الميداني والتعاطي مع معطيات الواقع .
وتتساءل انت كما يتساءل كل غيور على العمل الإسلامي :
كيف يمكن لهذا الكائن السياسي الإسلامي ان يتبنى هذا الموقف المخزي المذل في هكذا ازمنة سياسية؟
الم يتصفح التاريخ ويعي خطورة ذلك؟
او ان الامر راجع الى قصور منهجي في التركيب النظري لكيانه الإسلامي؟
النموذج “التأسيس” الثاني يعطي لعملية صياغة النظرية الاسبقية والاهمية القصوى، بحيث انه يحرص على استكمال البناء النظري ووضوح الأفق ،ثم يبدأ الفعل التنزيلي.
في الغالب يقوم بهذه الوظيفة ..”فرد” …”رجل”… “شخصية ايمانية” … ويقترح امره على من يَتَوَسَم فيهم تلقي النظرية ومن ثم تبنيها والايمان بها والاستعداد الكامل والمطلق للانخراط في نشرها والدعوة لها بكل الوسائل المتاحة.
ميزة هذا النموذج ،يستثمر الفعل الميداني في تطوير وتجويد ما نُظِرَّ له ،حيث انه لا يقابل أي شائبة {امر نسبي نوعا ما } في التعاطي مع معطيات الواقع من حيث بروز تناقضات نظرية او ضبابية الرؤية ،بل العكس على الاطلاق .
ويُسَهِل هذا الامر ، “الاندماج الجمعي” الذي يُظهره كل كائنات الكيان،وذلك بسبب وضوح الخط السياسي عند القادة والأجهزة التنفيذية على حد سواء، حيث يَعْلَمُون الغايات والمراحل التي ينبغي طَيِّها ، كما انهم على دراية تامة بالأليات الموصلة لذلك.
وقد تجد عند عموم الأعضاء تصورا عاما موحدا ،على وعي بطبيعة المرحلة والى اين يتجه التنظيم، ويبقى دور القادة هو تجديد العزائم والتذكير بالمآل المنتظر ،كفعل تحفيزي استنهاضي للهمم ،التي قد يتسرب اليها الفُتُور في وقت من الأوقات،و تحت وطأة عامل من العوامل التدافعية ،وهذا معطى طبيعي عند كل المجتمعات السياسية.
أزمة الفعل السياسي عموما والإسلامي خصوصا ، غموض الوِجهة عند البعض ، وسبب ذلك الولادة العسيرة لبعض النماذج الحركية الإسلامية المستعجلة التغيير والحريصة ان تنال ثمار ذلك إبان الاعمار الافتراضية لأعضائها.
في حين ان قطف الثمار مرتبط بالأعمار الافتراضية لأجيال مستقبل الإسلام بإذن الله عز وجل.
الياس واحي.
باحث في الفكر السياسي الإسلامي.