إلياس واحي..النموذج التربوي …ما بين الأصل والاستثناء التاريخي
كما هو معلوم عند جميع المهتمين بالتجربة الإسلامية، ان العمل التربوي التهذيبي المرتبط بالفرد والجماعة يبلغ أهمية قصوى داخل التنظيم الإسلامي باعتباره لب الفعل وجوهره ودونه لا يمكن ان ينسج على منواله أي اثر مجتمعي محتمل ينفذ الى أعماق المجتمع ويترك صداه التاريخي والوجداني ،على الاطلاق.
كما ان من يتصدر تصريف الحمولة التربوية رجال ،يمثل كل واحد منهم ،العمود الذي يمنع الخيمة ان تعصف بها الرياح ،ويضيء بنورانيته وسَمْتِه واخلاقه ،التي حباه الله عز وجل بها،وجعلها تسري في روحه وجوارحه، أقول، على من حوله وذلك إن استكمل ايمانه بِغَرْفِه من كل شُعَب الايمان وخصاله.
كيف يُتَاح له ذلك؟
هل بالاعتماد على جهده الذاتي وعمله الدؤوب؟
ام الامر مرتبط باتباع برنامج مُسطر سلفا بتوافق طائفة من رجال التهذيب والتزكية الروحية؟
ام الامر مرتبط بعطاء الاهي خَصَّ به رجل فرد، مُوَجِه مرشد، يُسْدي النصح وينكب على التوجيه والتقويم والتزكية، ويُحْيِّ ما طَمَرَه زمان الفتنة ،العض ،الجبر؟
هل تولي رجل فرد العملية برُمَتها ،نهج نبوي او استثناء فرضه الزمان والمكان؟
طرح عليَّ أحد الفضلاء سؤالا في فترة كان التمحيص والتصنيف سيدا الموقف:
هل التتَلْمذ على يد هكذا اقطاب نهج نبوي ام ماذا ؟
استهلت اجابتي {بشكل عفوي لم يكن لي علم بالخلفيات والدوافع الحقيقية من وراء السؤال} بان ،الفترة النبوية خلفت ميراثا روحيا عظيما في قلوب الصحابة الكرام، وتوارثت الأجيال ذلك السر النبوي ،جيلا بعد جيل، وهو كذلك ،الى ان يرث الله الأرض وما عليها، وان خير وبركة النَبَوَيَّيْن مبثوثة في قلوب الرجال من امته، صلى الله عليه وسلم .
كما ان ظهور “نماذج تربوية” في تاريخنا الإسلامي وخاصة بعد انقلاب الخلافة الراشدة الى حكم عاض ثم جبري، كان بفعل النفير لحماية السر الايماني الاحساني من الضياع ،وبالتالي حماية ما تبقى من جذوة النبوة مشتعلة ،وذلك حسب اجتهادات ذاتية شخصية مضغوطة ضغطا بعاملي “السلطان” و”قراءة” معينة لنصوص الوحي.
والحالة هاته ،تعد استثناء تاريخيا تحولت عبر حقب طويلة من توغل الاستبداد السياسي في المجتمعات آنذاك، الى اصل الأصول ، والتفكير خارج منظومتها التي رسختها السُنُّون ، للوصول الى صياغة نماذج تربوية ربانية حاملة للإرث النبوي، ضرب من التخبط والتيه.
وانه لا بد ان يجعل “القطب التربوي” “خليفة” من بعده يشرف على ما بدأه السلف وهكذا الى اخر الزمان……
ولكن ان تفحصنا الفترة التي تَلَت النبوة ، نجد ان الإرث النبوي جُعِل وظل محفوظا في قلوب كل افراد جماعة المسلمين آنذاك ،وظل المَعِين النبوي ساريا ،متدفقا الى ان وصلنا في زمننا الحالي عبر رجال ورثوا السر النبوي المبارك وعكفوا على تربية الأجيال تربية احسانية ايمانية عطرة، كل حسب منهاجه السلوكي ـ الايماني.
مشتركين جميعا في تزكية الانفس والترقي بها الى المقامات العليا ،الا انهم في عمومهم اعتزلوا الناس رحمهم الله، ولم يلجوا غمار التدافع مع الساسة ومن له سلطة التغيير على مستوى الشأن الدنيوي المعاشي ،وتُرِك المجال مفتوحا على مصراعيه لتوغل الاستبداد السياسي والتحكم في كل مناحي الحياة بما فيها الاجتهاد الفقهي ، وذلك عبر إرساء ذهنية جَمْعِية تحولت فيما بعد الى ثقافة خضوع الرعية للراعي المُتَبِع لهواه وغير ممتثل لمقتضيات الوحي.
اما في عصرنا فالنماذج التربوية مفروض عليها ،ان تقتحم عقبات الواقع المعقد، وتشمر على صاعد الجد لتربية الأجيال وتنوير الشعب، وذلك انطلاقا من قاعدة خلفية تتجلى، بتحلي بروح المسجد واخلاقه وابتكار وسائل مواكبة للعصر لإيصال “تربية القرآن” للنشأ وتهيئ الفضاء لمستقبل دولة القرآن بإذن الله..
الياس واحي.
ـ باحث في الفكر السياسي الإسلامي..