أنباء 24: الأكاديمي “أحمد الفراك” يضع تصريحات الرئيس الفرنسي تحت مجهر النقد ويحذر من الإرادة الإستعلائية الغربية
يسرنا في موقع أنباء 24 أن نستضيف الأستاذ الدكتور”أحمد الفراك” في هذا الحوار من أجل تقريب متتبعي موقعنا من قراءة أحد المفكرين الشباب الدكتور الفراك لسؤال العلاقة بين الإسلام والغرب على ضوء تصريحات الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” والتي أثارت نقاشا محتدما وخلافا بين مؤيد ومعارض لها.
ضيفنا هو الدكتور “أحمد الفراك” أستاذ الفلسفة والمنطق بكلية أصول الدين وحوار الحضارات، جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وهو أكاديمي مغربي له مجموعة من المقالات والدراسات والأبحاث والمشاركات العلمية، ومن أهم مؤلفاته :
- كتاب آليات التقريب التداولي وتشغيل المنطق في الفكر الإسلامي/ 2018
- كتاب فلسفة المشترك الإنساني: بحث في العوائق المنهجية والمعرفية/ 2016
- كتاب المسألة الأخلاقية في عالم متغير (تأليف جماعي) /2019
- كتاب المسلمون والغرب والتأسيس للمشترك الإنساني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بفرجينيا، أمريكا، ط1، 2019م
- كتاب المدخل إلى علم المنطق، دار لبنان للطبع والنشر، بيروت، ط1،2020م
- ولضيفنا عشرات المقالات في مجلات علمية محكمة في المغرب وتونس والجزائر والعراق ولبنان وسلطنة عمان وروسيا وماليزيا وبريطانيا وغيرها.
حاوره: الأستاذ الخامس غفير
- بداية نرحب بكم الأستاذ والدكتور “أحمد الفراك” على موقع أنباء24 الإلكتروني، والذياخترنا له أن يكون عين على الحدث،دكتور لعل الحدث الأبرز خلال هذه الأيام القليلة الماضية هو ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي “ماكرون”،والذي وسم فيه الإسلام بالأزمة؟ فهل الإسلام يعيش أزمة عميقة كما ادعى؟ ثم ماهي قراءتكم لهذا الخطاب من موقع تخصصكم؟
شكرا لموقع أنباء 24 على إجراء هذه الحوار، وعلى اختيار موضوعه، وشكر خاص للأستاذ الخامس غفير.
أما بخصوص سؤالكم عن متعلقات دعوى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في توصيفه لوضع الإسلام في العالم بأنه يعيش أزمة، فلا أرى في ذلك جديدا لأنه تعبير واضح عن إرادة استعلائية وإدارة استعمارية لا ترى في الآخرين وخاصة المسلمين سوى كائنات بلا معنى تنتشر في العالم بلا قوة، لكنها تشكل إزعاجا للتسيد الفرنسي الذي يحتوش ثروات المستضعفين في أفريقيا خصوصا ويستقوي بها في العالم، بل يستعملها في حربه على المسلمين أنفسهم، وهذا الخطاب الاستعدائي يستشعر تنامي الوعي الإسلامي في أوربا عموما وفي فرنسا على وجه الخصوص، ويحاول تغطية الحضور الإيجابي للشباب المسلم في المجتمع الفرنسي.
رغم ضخامة الدعاية الإعلامية التي تزور الحقائق وتروج لأطروحة الإسلاموفوبيا المعادية للدين عموما وللإسلام على وجه الخصوص،والتي تركز على شيطنة المسلمين جملة وصناعة صورة نمطية مخيفة منهم، إلا أن اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية بشكل جيد وإيجابي ومتدرج، ودخول كثير من غير المسلمين إلى الإسلام وبشكل مستمر أسقط الكثير من تلك الدعاوى المغرضةوأحرج النخبة اللائيكية الحاقدة على الإسلام.
- يقول أحد المستشرقين تعليقا منه على سؤال العلاقة بين الإسلام و الغرب: “ليس العيب في الديانة)يقصد هنا الإسلام(ولكن العيب في الرجال”،سؤالنا لكم الدكتور “الفراك” هل هناك فرق حقيقي بين أزمة الإسلام و أزمة الرجال وبعبارة أوضح أزمة المسلمين؟
طبعا، لا بد من التفريق بين دين الإسلام الخالد وبين فعل المسلمين في التاريخ وفي الواقع، فالإسلام رسالة الله إلى الناس جميعا، حملها الأنبياء إلى الإنسانية، والناس يجتهدون في فهم تلك الرسالة وفي اتباع المرسلين، من خلال أوضاعهم وظروفهم الخاصة والمتطورة عبر الأزمان والأمكنة. وبناء عليه فالمسلمون هم الذين يدينون بدين الإسلام وهم أفراد وطوائف وفهوم واجتهادات، يصيبون ويخطئون. ولا يصح أن نحاكم الإسلام مطلقا من خلال بعض أفعال طائفة تنتمي إلى الإسلام أو فرد وُلد من أبوين مسلمين. فالذمم الفردية والجماعية تتحمل مسؤوليتها على قناعاتها وأفعالها ولا يتحمل الدين أخطاء المتدينين، ولا الإسلام أخطاء بعض المسلمين.
ولا ننكر أن المسلمين اليوم يعانون من ظلمين متراكمين: ظلم داخلي ويتمثل في اختطاف الحكم من الأمة وتهميش العلماء والنخب الصالحة، وظلم خارجي ويتمثل في تغطية حقيقة الإسلام والكيد له ولمعتنقيه وقطع الطريق عن انتشاره وانتصاره.
- دكتور أحمد لعلكم تابعتم ردود الأفعال من فصائل واتجاهات مختلفة اتجاه ما صدر عن الرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون “،ألا ترون كما يعتقد البعض أن هذه الردود الانفعالية ستسهم بشكل أو بآخر في إذكاء “نزعة شعوبية عالمية” بين ما يعتقده “الغرب” وما يؤمن به “الشرق”؟ أم أنها ردود صحية ستساعد على وضع حد لمثل هذهالتصريحات “العنصرية” اتجاه الإسلام والمسلمين؟
صحيح أن الردود على تصريح الرئيس الفرنسي كانت متباينة، منها ما كان متوازنا تعامل بالنظير مع ما صدر من تهم في حق الإسلام سواء المتعلقة بتصريحات بعض الزعماء أو التي يسيئ فيها الإعلام المتطرف إلى القرآن الكريم أو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها ما كانغاضبا تجاوز حدود النقاش العقلاني إلى السخرية والاستهزاء من شخص ماكرون ومقربيه، لكن جميعها نبهت الرأي العام الفرنسي إلى ضرورة احترام الدين الذي يحضر في كل مكان، ويملأ المجال العمومي في جميع بلدان العالم، وخاصة الإسلام الذي يدين به أكثر من 1,9 مليار مسلم في العالم، وقد ذهبت بعض الردود إلى أنه ما كان للرئيس الفرنسي أن يستفز المسلمين بذلك التصريح أصلا ما دامت السياسة الفرنسية التطفيفية تجاه المسلمين في العالم واضحة ولا تحتاج إلى بيان.
وإن كان العالم اليوم في حاجة إلى إقامة علاقاته الدولية على الاعتراف والتعاون لا على العداء والتناكر، فإن كل خطاب يذكي الروح العنصرية سيزيد من توسيع دائرة الكراهية والإقصاء والعنف، الأمر الذي يؤخر فرص البناء المشترك للمستقبل المشترك.
- من خلال دراساتكم وتخصصكم الأكاديمي دكتوركيف تنظرون إلى مستقبل المشترك الإنساني وسؤال العلاقة بين الغرب والشرق على ضوء هذا الجدل القائم ومن خلال هذه التصريحات وزميلاتها من بعض الساسة والمفكرين هناك؟
لا تزال علاقة المسلمين بالغرب تتغذى في جزء كبير منها من الثقافة التقليدية التي رسختها أحداث التاريخ وكتاباته، وتصرفات بعض القادة السياسيين تجاه بعض القضايا الدينية والثقافية، لكنها من جهة ثانية تستفيد من نداء موازٍ ومتوازن يدعو إلى الانخراط في مواطنة أخلاقية وسياسية تتخطى كل أشكال التمييز الإديولوجية والدينية والعرقية التي تعرقل إنشاء حضارة تتجاوز أعطاب الفكر الاستعماري والفعل الاستحواذي.
وكما لا تخلو فرنسا من وجود نخبة ثقافية وسياسية معتدلة وديموقراطية، تدافع عن وطن الحقوق والحريات، وتتعامل مع جميع المواطنين وجميع الثقافات على قدم المساواة في إطار القانون، فلا نتصور خلو الساحة الثقافية الفرنسية من أفكار ونخب عنصرية إقصائية تجاه الإسلام والمسلمين، مادامت هناك مرجعيات فكرية تُؤوَّل بطريقة تسوغ إديولوجيا التفوق العرقي والتمركز الحضاري، وما يستتبع ذلك من ترذيل لثقافة الآخرين وتهميش لها. ولا إمكان للخلاص منها إلا إذا استيقظت الشعوب وصنعت نخبا جديدة، مشبعة بثقافة الاحترام والتعاون في إطار مخالقة كوكبية يعيش بمقتضاها الناس إخوة في الخلقة والفطرة والأرض والمصلحة والمصير. يحترمون بعضهم البعض ويتعاونون على ما يفيدهم في إقامة عمرانهم وتقويمه.
- دكتور ماهي أهم الرسائل التي ترغبون في إرسالها عبر “موقع أنباء 24″،لكل من الساسة والإعلاميين العرب ولكل النخب؟
رسالتي إلى كل النخب العلمية والثقافية والسياسية والفنية هي تحمل المسؤولية الأخلاقية أمام الله وأمام الناس، وقول الحقيقة مجلجلة واضحة، وتمثل قيم الحق والخير والعدل وبثها في الناس أجمعين،فهي قيم خالدة تشترك الإنسانية في التشوف إليها والمطالبة بها بعدما عانت أيما معاناة من غيابها وسوء تأويلها، فالقيام بالواجب الأخلاقي هو الذي يُقدر الفرد على الانتصار دوما للقيم الأخلاقية الجامعة التي لا تحابي مستبدا ولا محتلا ولا قويا.إن النخب هي طليعة الأمم التي تقتدي بها الشعوب، فإذا ما خانت الأمانة وحرفت الكلم عن مواضعه أو سكتت لتحافظ على مكاسبها ومناصبها فإنها تسقط في الامتحان، وتؤول وجاهتها إلى زوال ولا ينفعها آنذاك ما راكمته من مال وسلطان. كما أن المستقبل القريب سيلقن الأمم العاتية والباغية التي صمت آذانها عن نداء الواجب دروسا قاسية تكلفها ضياع قُوَّتها وقُوتـِها.فالعالم في مخاض وتغيير لا تستطيع إيقافه حيل الأغنياء، وإن عطلته للأسف بلادة الجبناء.
حفظكم الله استادي الفاضل وبارك الله فيكم وزادكم من فضله