حوارات

في حوار حصري مع أنباء 24 ..الدكتور ربيع حمو يسلط الضوء على بعض القضايا الأسرية المرتبطة بجائحة كورونا

في إطار الحوارات التي يجريها الموقع الالكتروني أنباء 24 مواكبة منه لتداعيات فيروس كورونا على جميع مناحي الحياة، يستضيف الموقع في هذا الحوار الشهري الدكتور ربيع حمو  المتخصص في قضايا الأسرة وعلوم التربية، لحديث عن تأثير الحجر الصحي على الابناء بشكل خاص والعلاقات الأسرية بشكل عام .

أولا: هل صحيح أن فترة الحجر الصحي قد أفرزت العديد من المشاكل في التعامل مع الأبناء؟

فترة الحجر الصحي، بكل تأكيد، فترة استثنائية على عدة مستويات بالنسبة لكل من الأبناء والوالدين، ومن ذلك:

  • مواجهة وضعية استثنائية داخل البيت، حيث يظل فيه أفراد الأسرة جميعا خلال اليوم بأكمله، مع استحضار وضعية كثير من المنازل والشقق والغرف من حيث ضيق المساحة؛
  • وضعية نفسية خاصة، نتيجة الانعزال عن أصدقائهم ومحيطهم الاجتماعي، تعطل النشاط اليومي العادي للأبناء، مثل توقيف الدراسة وعدم القيام بأي أنشطة حركية أو رياضية تتناسب مع خصوصيات المرحلة التي يعيشونها؛
  • وضعية التعليم عن بعد، وما تقتضيه من مؤهلات ذاتية ومادية، لا يتوفر عليها كثير من الأطفال، وتعجز كثير من الأسر عن توفير متطلباتها؛
  • الوضعية النفسية للوالدين نتيجة الآثار الاقتصادية للوباء على كثير منهم، والخلافات بين بعضهم التي تعمقت أثناء فترة الحجر؛

كل ما سبق عوامل يمكن أن تسهم في بروز اضطرابات وانفعالات لدى الأبناء نتيجة ما سبق أو انعكاسا للوضعية النفسية والانفعالية للوالدين، وعدم إدراكهملخصوصية هذه الفترة، وتركيزهم فقط على المتطلبات المادية للأبناء مهملين لمطالبهم العاطفية من الاهتمام والمشاركة في أنشطتهم.

ثانيا: هل هذه المشاكل مرتبطة فقط براهنية الوضع أم أنها مشاكل دائمة؟

الأسباب التي سبق ذكرها، يمكن أن نعتبرها محفزات لظهور تلك المشاكل في التعامل مع الأبناء، لكنها ليست وليدة اللحظة؛ فترة الحجر الصحي هي محطة أبرزت ثمرة الفعل التربوي للأسرة، والمبادئ والقيم التي سبق غرسها لدى أبنائها؛ كما أنها شكلت فرصة لتعميق الواصل بين الوالدين وأبنائهم، والذي كانت تبتلعه انشغالات الحياة اليومية. إذا كانت بعض الأعراض المؤقتة نتيجة للظرفية الحساسة التي مر منها الجميع، فإن كثيرا من المشاكل أساسها عميق متعلق بنمط تنشئة الأبناء وتربيتهم.

ثالثا: كيف يمكن تجاوز هذه الصعوبات والتحديات التي طفت على السطح في علاقة الآباء بالأبناء؟

يعد التشخيص أهم مداخل العلاج. لقد ساعدت الفترة السابقة على أن يكتشف الآباء والأمهات أبناءهم عن قرب، ويتعرفوا حصيلة ثمرة تربيتهم، وحجم التأثر بالمحيط الاجتماعي. وكل ذلك يقتضي تفكيرا وتحليلا من قبل الوالدين لتشخيص مواطن الخلل، وتحديد أسبابها ليس من أجل إلقاء كل طرف المسؤولية واللوم على الآخر؛ وإنما ينبغي النظر بإيجابية لهذه المرحلة لتكون منعطفا في تنشئة أبنائهم. لكن التغيير لا يأتي فجأة وإنما هو ثمرة مجهود متواصل ويحتاج وقتا. لذلك على الوالدين أن يجلسا للتحاور في الموضوع وتقريب وجهات نظرهما، واتخاذ خطوات في الطريق الصحيح. وأظن أن التغيير ينبغي أن ينطلق من الوالدين ليكونا القدوة لأبنائهما. وذلك بالتخلي عن مختلف الممارسات السلبية التي كانا يقومان بها سلفا. كل الآباء والأمهات يحبون أبناءهم، لكن ليست كل تصرفاتهم الناتجة عن ذلك الحب صحيحة ومبررة.

رابعا: هل للعلاقة بين الزوجين تأثير على العلاقة مع الأبناء؟

أكدت عدة دراسات انعكاس طبيعة العلاقات داخل الأسرة على الأطفال، كما أن للسنوات الخمس الأولى في حياة الطفل آثارها الباقية في شخصيته وبنائه النفسي وتصرفاته المستقبلية. وأكيد أن الخلافات بين الوالدين تنتج جوا مشحونا داخل الأسرة يتأثرون به، بخلاف أجواء المحبة والحنان والعطف والمودة المتبادلة التي تولد لديهم الأمن النفسي، وتتيح لهم ظروف النمو النفسي والوجداني والانفعالي المتوازن؛ وذلك ما يكسبه قدرة على التفاعل الإيجابي مع المحيط، والقدرة على تطوير نفسه وتصحيح أخطائه.

إن الخلافات بين الزوجين أمر وارد، وقد يكون طبيعيا أحيانا؛ لكن الإشكال يكمن في كيفية تدبير تلك الخلافات، عندما تتجاوز غرفة الزوجية ويصل صداها للأطفال، ويشاهدان أثر ذلك الخلاف. لذلك وجب على الوالدين أن يعالجا خلافاتهما بعيدا عن الأطفال، وأن يجنبوهم ذلك الخوف والاضطراب الناتج عن مشاهدة شجارهما.

كثيرا ما يفكر بعض الأزواج بأنانية عند وقوع خلافات بينهم، فلا يفكرون إلا بالانتقام لأنفسهم من الطرف الثاني، وينسون طبيعة العلاقة بينهما والتي أساسها المكارمة، ويهملون حق الأبناء، وينسون المسؤولية الثقيلة الواقعة عليهم تجاههم؛ فمن حق أولئك الأطفال أن يتوفر لهم الأمن النفسي مثل الأمن الغذائي.

خامسا: هل من الممكن أن يكون للخروج من فترة الحجر الصحي تأثير على سلوكيات الأبناء وكيف لنا أن نتجاوزها إذا ظهرت؟

يمكن لبعض الأسرأن تخرج من فترة الحجر الصحي أكثر تماسكا، وأن يكون الأطفال قد استرجعوا دفءا أسريا مفقودا. ولكن خصوصية الحجر الصحي واستثنائية إجراءاته قد تكون لها آثار سلبية ينبغي معالجتها، نذكر منها:

 صحة عيون الأبناء وجهازهم العصبي نتيجة الاستعمال المفرط للألواح الإلكترونية والهواتف والحواسيب أثناء فترة التعلم عن بعد، مما يقتضي فحصا طبيا عند ملاحظة أي أثر، واتخاذ فترة نقاهة بعد انتهاء الموسم الدراسي، وتغيير إيقاع التعامل مع تلك الوسائل التي فرضتها تلك المرحلة.

تحصين مكتسبات الحجر الصحي، والحفاظ على الأنشطة الجماعية وجلسات التواصل؛

حسن استرجاع إيقاع الحياة العادي بعد رفع الحجر الصحي إن شاء الله، فكل شيء ينبغي أن يكون باعتدال؛

معالجة الاختلالات التي اكتشفها الآباء والأمهات لدى أبنائهم بروية وتدرج، وأن يزرعوا الثقة والأمل لدى أبنائهم في المستقبل.

سادسا: رسالتك للآباء وللأبناء

يقول الله تعالى: “آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا”. الأبناء نعمة والآباء والأمهات كذلك ولا يستشعر فضلها إلا من فقدها. فلنشكر الله تعالى على تلك النعمة بدءا ليحفظها لنا الله تعالى.

وأوجه كلمتي للآباء والأمهات لأنهم راشدون، وهم من تحملوا المسؤولية بتأسيس الأسر، أقول لهم:

  • تصرف مع ابنك وابنتك بتقدير، واعلم أنهما من عظيم صنع الله تعالى، فنظرة احتقار كافية لتدميرهم؛
  • ابتسم واستبشر ولا تيأس، ولا تدع الغضب المؤقت على سلوك عارض أو خطأ يهدم جسر التواصل مع ولدك؛
  • عالج الخطأ بالحكمة، وما يقتضيه الموقف من صرامة أو تجاوز وتغافل، لكن إياكم والصراخ، فأثره وخيم على الأبناء. إذا أخطأ الولد أو البنت حاوره، عَرّفه خطأه بهدوء، دعه يستشعر بشاعة فعله، افهم نظرته للأمر، قد تكون نظرته للمسألة هي السبب ولا سبيل لاكتشافها إلا بالحوار؛ اترك لابنك فرصة ليشعر بتأنيب الضمير ويعتذر، أما إذا انفعلت وصرخت وانتقمت، فستولد لديه الشعور بأنه ضحية، وذلك الشعور يحجب عنه حقيقة خطئه ويٌفَوّت فرصة إصلاحها.
  • لتكن لك مبادئ في تواصلك مع أولادك، دربهم على الحوار والنقاش في الصغر لتكون تلك القيم هي جسر صحبتك لهم في الفترات الحرجة؛
  • جهدك في التربية عبادة ووفاء بالأمانة والمسؤولية، لكن ذلك الجهد نبتة تسقيها بالدعاء والتوكل على الله، فاجعل من دعائك اليومي: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى