أبو الهلال..محاضر الدرك ومدى احترامها للإجراءات الشكلية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية وقانون الدرك
تقديم:
قام المشرع المغربي في السنوات الأخيرة بتغيير مجموعة من القوانين وذلك في إطار ملائمتها مع التطورات التي عرفتها مختلف مناحي الحياة، وكذا لتجاوز مجموعة من الثغرات. ولعل من أهم القوانين التي ثم تغييرها قانون المسطرة الجنائية وذلك بواسطة الظهيرالشريف رقم 1.02.255 الصادر بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق ل 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01.
هذا التغيير فرضته مجموعة من الاعتبارات، منها تصاعد المطالبة الحقوقية بضرورة إحداث تغييرات تهم ضمانات المحاكمة العادلة، وحسن سير الإجراءات. وفرضه أيضا مصادقة المغرب على مجموعة من المواثيق و الاتفاقيات الدولية. إضافة إلى تطور الجريمة و ضرورة مواكبتها تشريعيا.
وقد أولى المشرع عناية خاصة للمحاضر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية، وأحاطها بمجموعة من الإجراءات الشكلية تحت طائلة الجزاء القانوني. كما أفرد لها فقرة خاصة ضمن ديباجة قانون المسطرة الجنائية، وهي المعنونة بتعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلةالتي جاء فيها ” تعريف المحضر الذي ينجزه ضباط الشرطة القضائية وتحديد الشكليات المتطلبة في إنجازه توخيا للدقة و الضبط وسلامة الإجراءات”.
وكما هو معلوم فإن المشرع ليس من عاداته إعطاء التعاريف وإنما ترك الأمر للفقه و الاجتهاد.لكن وبالرجوع للمادة 24 من قانون المسطرة الجنائية نجد أنه قد عرف المحضر بأنه ” هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ماقام به من عمليات ترجع لاختصاصه”
فالمشرع أعطى تعريفا دقيقا للمحضر،وحدده في كونه وثيقة مكتوبة فلا يمكن تصور محضر شفوي، وحدد الجهة المنوط بها حصرا إنجازه وهم ضباط الشرطة القضائية الذين لهم الصفة الضبطية، أثناء ممارسة مهامهم وفي حدود اختصاصهم.
كما أن المشرع قد أحاط المحضر بمجموعة من الشكليات والشروط تحت طائلة الجزاء القانوني، ولم يستثني في ذلك أي جهة مكلفة بإنجازه.وجعل من الدفوع الشكلية وسيلة لمراقبة شرعية الإجراءات وسلامتها وحدد كيفية إثارتها في المادتين 323 و 324 من قانون المسطرة الجنائيةمما يدفعنا للتساؤل حول المحاضر التي ينجزها الدرك هل هي سليمة من الناحية القانونية؟ هل تتوفر فيها جميع الشروط الشكلية المنصوص عليها قانونا؟ ألا تعتبر دفاتر التصريحات والاحتفاظ بها وإرسال نسخة لما ضمن بها مخالفة صريحة للمادتين 23و 24 من قانون المسطرة الجنائية ومخالفة لقانون الدرك؟ هذا ماسنحاول الإجابة عنه من خلال المناقشة التالية:
- تعريفالدرك الملكي:
عرف المشرع الدرك في الفصل الأول منالظهير الشريف رقم 1.57.280 المنشورفي الجريدة الرسمية لسنة 1958عدد 2366المنظم للدركبأنه ” الدرك الملكي المغربي هو قوة عمومية مكلفة بالسهر على الأمن العمومي، والمحافظة على النظام وتنفيذ القوانينن ويشمل عمله جميع انحاء البلاد والجيوش، ويسهر بصفة خاصة على الأمن بالبوادي وطرق المواصلات
و حسب ويكيبدديا فالدرك “هي مؤسسة أمنية وعسكرية في المغرب يتركز عملها خصوصاً في المجال غير الحضري، أي في المناطق القروية بعيداً عن المدن، ويتكون الدرك الملكي من عدة وحدات منها ما يختص في مراقبة حركة السير خارج المدن، ومنها وحدات خاصة للتدخل السريع ومكافحة الجرائم والمخدرات ووحدات أخرى لمراقبة السواحل والشواطئ. كما يتواجد عناصر الدرك الملكي في المجال الحضري للمدن التي تكون فيها نسبة السكان قليلة وغير كبيرة المساحة ولا تتوفر على مراكز للأمن الوطني.“
وحسب الفصل الثالث من نفس الظهير” فإن الدرك هو من جهة خاضع لوزير الدفاع الوطني و أيضا تابع
- لوزير العدل لمباشرة الشرطة القضائية ؛
- ولوزير الداخلية لمباشرة السلطة الإدارية.
وأنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية نجد من بين ضباط الشرطة القضائية:
- ضباط الدرك الملكي وذو الرتب فيه، وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة
وأيضا ” للدركيين الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة بالدرك الملكي وعينوا اسميا بقرار مشترك من وزير العدل والسلطات الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني.
مما يتضح معه تنوع مهام رجال الدرك بحسب الجهة التي يخضعون لها، ولعل من بين المهام الموكولة لهم البحث في الجرائم وإنجاز محاضر بما قاموا به من أعمال وإجراءات تدخل في إطار اختصاصهم.
2– من حيث خرق محاضر الدرك لقانون المسطرة الجنائية:
كما سبق الإشارة إلى ذلك فمن الاختصاصات المخولة للدرك الحاملين للصفة الضبطية القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم في حدود اختصاصهم، ووفقا للقواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية وهم خاضعين في ذلك لمراقبة النيابة العامة التابعين لها.لكن الملاحظ أن المحاضر التي ينجزها الدرك تشوبها مجموعة من الإخلالات التي يمكن رصدها من خلال مايلي:
- خرق مقتضيات المادة 23 من قانون المسطرة الجنائية:
تنص الفقرة الثانية من المادة 23 على أنه” يجب على ضباط الشرطة القضائية، بمجرد انتهاء عملياتهم، أن يوجهوا مباشرة إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أصول المحاضر التي يحررونها مرفقة بنسختين منها مشهود بمطابقتهما للأصل، وكذا جميع الوثائق و المستندات المتعلقة بها.”
والملاحظ أن ضباط الشرطة القضائية المنتمين لسلك الدرك لا يوجهون أصول المحاضر إلى النيابة العامة، وإنما يقومون بإرسال نسخة تتضمن ما أنجزوه وماقاموا به من عمليات. ويشيرون فيها إلى أن المصرحين و الأشخاص الذين ثم الاستماع لهم وقعوا في دفتر التصريحات. مما يحرم الدفاع و القضاء من بسط رقابته على صحة الإجراءات و سلامتها. خاصة أن تلك “المحاضر” يتم التأشير على أنها مطابقة للأصل.
مما يدفعنا إلى التساؤل هل تكفي هذه التأشيرة للقول بان هذه المحاضر هي أصلية والقول بأن ماضمن بها هو مطابق تماما لما هو مضمن بدفتر التصريحات ؟ ألا تتعارض هذه المحاضر مع مقتضيات المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية؟
- خرق مقتضيات المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية:
فمن خلال تتبع بسيط لمجموعة من محاضر الدرك، يلاحظ ومنذ الوهلة الأولى أن المحاضر التي توجه إلى النيابة العامة هي مختلفة عن تلك التي يحتفظ بها الدرك، اعتبارا إلى كون الدرك يعتمد على دفتر التصريحات، و فيه يتم تدوين المحاضر ويتم إرسال نسخة إلى النيابة العامة. هذه النسخة التي يتم الإشارة فيها إلى كون المستمع إليه “قد وقع ووقعنا في دفتر التصريحات”. دون أن تتضمن النسخة الموجهة للنيابة العامة و المحكمة أي توقيع أو كتابة لاسم المصرح في مخالفة صريحة لمقتضيات المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء في فقرتها السادسة “يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر عقب التصريحات وبعد الإضافات ويدوناسمهبخط يده.و إذا كان لا يحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته ويشار إلى ذلك في المحضر”.
مما يجعل مراقبة سلامة الإجراءات الشكلية غير ممكن، خاصة التوقيع وكتابة الاسم ويحرم المتهم ودفاعه من مراقبتها و الطعن فيها.ويحرم المحكمة كذلك من مراقبة صحة الإجراءات وسلامتها.
وإذا سلمنا بأن هذه المحاضر هي مطابقة للأصل كما يشار إلى ذلك في النسخة الموجهة إلى النيابة العامة، فإن المنطق يفرض أنها لا تختلف عن الأصل فيشىء وأنها صحيحة وملزمة لمحررها.بمعنى أن تخلف أي بيان أو توقيع في النسخة يعني تخلفه أيضا في دفتر التصريحات.وهيبذلك تخضع للجزاء القانوني المقرر نتيجة تخلف أحد الشروط الشكلية المنصوص عليها في المادة 24.
وبالتالي فإن عدم وجود توقيع المشتبه به وكتابة اسمه، أو توقيع المصرحين والضابط محرر المحضر. يترتب عنه في حال التمسك به كدفع شكلي وفقا للقواعد المنصوص عليها قانونا اعتبار المحضر كأن لم ينجز وهو جزاء أخطر من البطلان. طبقا لمقتضيات المادة751 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك تجسيدا لمبدأ أساسي هو شرعية الإجراءات.
ج– الدفع بمقتضيات المادة 68 من قانون المسطرة الجنائية:
هناك توجه يرى بـأن محاضر الدرك سليمة ويحتج في ذلك بمقتضيات المادة 68 التي نصت في فقرتها الأولى على أنه ” إذا تعلق الأمر بهيئات أو مصالح يلزم فيها ضباط الشرطة القضائية بمسك دفتر التصريحات، تعين عليهم أن يضمنوا في هذا الدفتر البيانات والتوقيعات المشار إليها في المادة السابقة”
قد يبدوهذا الرأي منطقي ومؤسس قانونا، لكن بقراءة متمعنة للمادة المذكورة أعلاه يمكن إبداء الملاحظات التالية:
– **من حيث موقعها داخل قانون المسطرة الجنائية:
فالمادة 68 وردت في القسم الثاني المعنون بإجراءات البحث وضمن الباب الأول المعنونبحالة التلبس بالجنايات والجنح. بمعنى أنها وردت عند الحديث عن حالة التلبس ومايستتبعها من إجراءات تحد من حرية الأشخاص والوضع تحت الحراسة النظرية.
في حين أن تعريف المحضر وتحديد شكلياتهورد في القسم الأول المعنون بالسلطات المكلفة بالتحري عن الجرائم وضمنالباب الأول المعنون بسرية البحث والتحقيق.
هذا التوجه تبناه المجلس الأعلى سابقا – محكمة النقض حاليا في القرار رقم 2042/9 الصادر بتاريخ 25 نونبر 2009 في الملف عدد: 261-6-9- 2007 منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 72الذي جاء ضمن حيثياته “وحيث إن مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 68 المذكورة تتعلق ببيانات خاصة بالوضع تحت الحراسة النظرية، ولا تعتبر استثناء للمادة 24 فيما يخص توقيع المصرح على أصل المحضر إذ الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أنه تدرج بيانات مماثلة في المحضر الذي يوجه إلى السلطة القضائية، وأن المادة 69 تنص على أنه يحرر ضابط الشرطة القضائية فورا لمحاضر التي أنجزها طبقا للمادة 57 وما بعدها إلى المادة 67 ويوقع على كل ورقة من أوراقها، كما لا تستثنى محاضر الدرك من تطبيق مقتضيات المادة 23 التي توجب توجيه أصول المحاضر إلى النيابة العامة المختصة “
– **من حيث ترابط النصوص القانونية:
بقراءة متأنية يتبين أن المقصود بدفتر التصريحات الوارد في المادة 68 هو السجل الخاص بالوضع تحت الحراسة النظرية وليس المحضر. بدليل أن المشرع أشار في نفس المادة على أنه ” إذا تعلق الأمر بهيئات أو مصالح يلزم فيها ضباط الشرطة القضائية بمسك دفتر التصريحات، تعين عليهم أن يضمنوا في هذا الدفتر البيانات والتوقيعات المشار إليها في المادة السابقة”.
بمعنى أن المشرع أحال علىالمادة 67 وألزم بتضمين البيانات المشار إليها، والمتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية.والتي تتضمن على الخصوص يوم وساعة ضبط المشتبه به، ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص إضافة إلى التوقيعات.
كما أن المادة 67 بدورها قد أحالت على المادة 66 حين نصت على أنه ” يجب تضمين بيانات مماثلة في السجل المنصوص عليه في المادة السابقة” فلو كان المقصود محضر الاستماع لنص المشرع على التصريحات، وفرق كبير بين بيانات الوضع تحت الحراسة النظرية وتصريحات الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية.
هكذا بالرجوع إلى مقتضيات المادة 66 من نفس القانون في فقرتها الحادية عشر التي تنص على أنه” يجب مسك سجل ترقم صفحاته وتذيل بتوقيع وكيل الملك في كل المحلات التي يمكن أن يوضع فيها الأشخاص تحت الحراسة النظرية
تقيد في هذا السجل هوية الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية وسبب ذلك وساعة بداية الحراسة النظرية وساعة انتهائها، وكدا الاستنطاق وأوقات الراحة و الحالة البدنية والصحية للشخص المعتقل و التغذية المقدمة له.
يجب أن يوقع في هذا السجل الشخص الذي وضع تحت الحراسة النظرية وضابط الشرطة القضائية بمجرد انتهائها، وإذا كان ذلك الشخص غير قادر على التوقيع أو الإبصام، أو رفض القيام به يشار إلى ذلك في السجل“.
فالمقصود بالسجل هنا هو السجل الخاص بالوضع تحت الحراسة النظرية والذي يخضع للمراقبة و التأشير عليه من قبل السيد وكيل الملك وليس المحضر.
وأن المشرع قد حسم النقاش حين تحدث في الفقرة الثانية من المادة 68على أنه “تدرج بيانات مماثلة في المحضر الذي يوجه إلى السلطة القضائية”فالمشرع هنا ميز بين المحضر ودفتر التصريحات، وألزم محرر المحضر بتضمينه البيانات الواردة في دفتر التصريحات.
بمعنى أن المحضر المنجز وفق الشروط القانونية والذي يتضمن تصريحات الأطراف وكذا ما أنجزه الضابط من إجراءات و ماقام به من عمليات تدخل في اختصاصه يضاف إليها بيانات الوضع تحت الحراسة النظرية.
مما يتضح معه أن التمسك بكون الدرك مستثنون بمقتضى المادة 68 من إنجاز المحاضر وفقا لمقتضيات المادتين 23 ,و 24 من قانون المسطرة، لا يستقيم وروح قانون المسطرة الجنائية، الذي جاء بمقتضيات جديدة حرصا على سلامة الإجراءات وضمانا لشروط المحاكمة العادلة. خاصة المحاضر التي أفرد لها المشرع مقتضيات خاصة أوجب احترامها تحت طائلة الجزاء القانوني بحسب طبيعة الخرق.
- من حيث مخالفة قانون الدرك:
كما هو معلوم فعمل الدرك الملكي منظم بواسطة الظهير الشريف رقم 1.57.280 المنشورفي الجريدة الرسمية لسنة 1958 – وليس 1959 كما هو مشار إليه في بعض المواقع- العدد 2366
وأنه بالرجوع إلى هذا القانون فإنه لا ينص على دفتر التصريحات، بل يشير في عدة فصول صراحة إلى المحضر. ومنها الفصل 34 من قانون الدرك الذي جاء فيه” وفي حال استعجال مثبت يتخابر وكلاء الدولة وقضاة التحقيق مع الفيالق مباشرة ويتلقون في جميع الحالات رأسا من الفيالق النسخة من المحاضر المخصصة لهم.
ويرسل قواد الفيالق إلى النيابة العمومية لدى المحاكم التي لها النظر في المخالفات الضبطية بدائرتهم النسخة الأولى من محاضرهم بشأن المخالفات”
كما أن المشرع قد أفرد جزءا خاصا بالمحاضر في قانون الدرك وهو الجزء الرابع من القسم الأولوعنونه بالمحاضر
فنص في الفصل 70 على أن “المحضر هي الوثيقة التي يضمن فيها جنود الدرك ما عاينوه من مخالفات أو ماقاموا به من عمليات أو ما تلقوه من معلومات
يحرر الدرك محضرا يتضمن كل إجراء من الإجراءات الآتية:
الاعتقالات التي يباشرها أثناء القيام بمهامه
المخالفات الجنائية التي يكشف عنها كيفما كان نوعها
الجرائم والجنح التي يفشى اليه بها
جميع التصريحات التي يفضى اليه بها أشخاص قادرون على تزويده بدلائل على الجرائم والجنحالمرتكبة…………”
فالمشرع هنا عرف المحضر وحدد الاجراءات التي ينبغي أن تضمن فيه.
وأيضا الفصل 71 الذي نص على أنه ” تكون المحاضر موطن ثقة لدى المحاكم ……..وتعتبر المحاضر مجرد معلومات في جميع الأحوال وليس من الجائز أن تبطل المحاضر بدعوى عيب في صياغتها”
الفصل 76 ” يمكن استفسار رجال الدرك لتأييد محاضرهم “
الفصل 79 في فقرتها الثانية نصت على ” تنص محاضرالاعتقالعلى أن المتهمين قد وقع تفتيشهم وتحصى فيها الأوراق والأشياء والحوائج الموجودة بيدهم وتحمل إمضاءات المتهمين وإن أعلن هؤلاء امتناعهم من توقيعها أو عدم استطاعتهم على توقيعها فيمضيها بقدر الإمكان اثنان من السكان المجاورين الأقربين من محل الاعتقال“
الفصل 80 ” ويحررون محاضر عن الاغتيالات…”
الفصل 83 ” يثبت الدرك في محضراكتشاف جميع الجثت ……ويجري الدرك حينا بحثا فيدون فيالمحضر جميع الأدلة الواقعية المتعلقة بالحادثة ويتلقى التصريحات المفضى له بها في عين المكان ويلقي القبض على الأشخاص المشكوك في أمرهم“
الفصل 93 ” ………..ـ ويثبت في محضر ما يرتكبه الأشخاص من مخالفات السير في الطرق الكبرى و الطرق الصغرى ………..أو إثبات مخالفاتهم فيمحضر……………..”
الفصل 95 ” يثبت الدرك في محضر………”
الفصل 96 ” يحرر الدرك محضرا……”
الفصل 99 ” يحرر الدرك محضرا……”
الفصل 109 ” يحرر الدرك محضرا في شأن كل فرد…………”
كما أنه في الجزء الرابع من القسم الثاني المعنون بمهام ضباط الشرطة القضائية ورد في الفصل 117 ” في حال تلبس الجاني ………فلضباط شرطة الدرك القضائية الأهلية في تحرير المحاضر …..”.
الفصل 126 ” إذا أتم ضباط شرطة الدرك…….ينبغي لهم أن يوجهوا فورا إلى وكيل الدولة المحاضر وجميع الوثائق التي حرروها…..”
في حين أن المشرع في المادة 72 من قانون الدرك أشار لأول مرةلمصطلح كناش التصريحات وليس دفتر التصريحات ” تنص المحاضر على المعاينات المادية التي يقوم بها رجال الدرك وتتضمن بصدق ووفاء ما يدونونه في كناش التصريحاتمن إشهاد كل شخص يظهر الانصات اليه مفيدا.
ويجب أن يكون إنشاء المحاضر واضحا دقيقا و أن يكون عبارة عن بيان للوقائع مجردا عن كل حادث أو كل تأويل خارج عن الموضوع
وينبغي أن تشمل المحاضر على جميع الإرشادات التي من شأنها أن ترشد السلطة المخصصة إليها المحاضر عن هوية الأشخاص الذين سجلت تصريحاتهم وعن سوابقهم العدلية وعن مستوى ثقافتهم و تضمن في آخره المحضر أوصاف الأشخاص المعتقلين وعند الاقتضاء حالتهم العسكرية.”
فالمشرع تحدث عن المحاضر في أزيد من 17 فصلا في حين أشار إلى كناش التصريحاتفي فصل واحد، ولم يشر قط إلى دفتر التصريحات. و دون أن يلزم الدرك بإمساكه ولا تناول شكله و شروطه، مما يعني أن التمسك بمقتضيات المادة 68 لا يستقيم مع قانون الدرك كذلك. الذي تحدث بشكل مفصل عن المحاضر وفي فصول متنوعة أشرنا إليها أعلاه.
- من حيث عمل المحاكم:
معظم المحاكم تأخذ بالنسخة الموجهة إليها من قبل الدرك رغم مخالفتها الصريحة للمادتين 23 و 24 من قانون المسطرة الجنائية، كما أنه لا يثار الدفع بهذا الخرق إلا ناذرا وفي بعض القضايا ذات طبيعة معينة.
وقد سبق للمجلس الأعلى سابقا – محكمة النقض حاليا- أن أصدر قرارا فريدارقم 2042/9 الصادر بتاريخ 25 نونبر 2009 في الملف عدد: 261-6-9-2007 منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 72 الصفحة 335 وما يليهانقض القرار الصادر عن محكمة الاستئئناف استنادا على المواد 23 و 24 و 289 من قانون المسطرة االجنائية معتبرا أن القرار غير مؤسس و مشوبا بسوء التعليل، ومن بين الحيثيات التي اعتمدها:
“وحيث إن عدم وضع أصل المحضر الذي أدانت المحكمة الطاعنة بناء على اعترافها به، والذي اعتبرته بمثابة مكاتيب، يمنع من مراقبة ما إذا كان هذا المحضر مطابقا لمقتضيات المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية وتبقى النسخة المدلى بها غير صحيحة شكلا.
وحيث إن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه بإعمالها نسخة محضرالضابطة القضائية تكون قد خالفت المقتضيات المذكورة وخاصة المواد 23و24 و 289 فجاء قرارها غير مؤسس ومشوبا بسوء التعليل مما يعرضه للنقض.”
لكن المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- ذهبت في إحدى حيثياتها وعن خطأ إلى ما يلي” وحيث إن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه بالنقض اعتبرت ما تضمنته نسخة محضر الدرك المتضمن لاعتراف الطاعنة من كون هذه الأخيرة قد وقعت بدفتر التصريحات طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 68 من قانون الدرك وأيدت الحكم المستأنف الذي قضى برد دفعها بعدم توقيعها على محضر الضابطة القضائية”
وجعلت ضمن حيثياتها ” وحيث إن مقتضيات قانون الدرك فيما يتعلق بتوقيع المحاضر مخالف للمادتين 23 و 24 من قانون المسطرة الجنائية وتبقى المدلى بها غير صحيحة شكلا”
والحال أن المادة 68 من قانون الدرك لا تتحدث عن دفتر التصريحات ولا عن المحاضر، وإنما تتحدث عن الأماكن التي يمكن للدرك الدخول إليهاأو السير أو الوقوف فها كالحظائر والمحطات وأرصفة السكك الحديدية والشركات البحرية…..الخفالمقصود إذن هي المادة 68 من قانون المسطرة الجنائية وليس قانون الدرك.
الخلاصة:
تعتبر سلامة الإجراءات، واحترام الشكليات المنصوص عليها قانونا أثناء إنجاز المحاضر، مؤشر مهم على مدى احترام حقوق الإنسان، وكذا شروط المحاكمة العادلة.
كما أن حرص الدفاع على إثارة الدفوع الشكلية والتمسك بها، و تفعيل المحاكم للنصوص القانونية، وحرصها على التأكد من سلامة الإجراءات تحت طائلة إعمال الجزاء القانوني عامل مهم لطمأنة الخاضعين لها.
وأنه من غير المقبول التسليم بمحاضر الدرك كما هي رغم مخالفتها لمقتضيات المواد 23و 24 و 289من قانون المسطرة الجنائية.
وأعتقد أنه آن الأوان لتغيير الظهير رقم 1.57.280 المنظم للدرك المنشور في الجريدة الرسمية لسنة 1958، قصد ملائمته مع قانون المسطرة الجنائية ليس على مستوى المحاضر فقط. وإنما أيضا على مستوى المصطلحات المستعملة فيه وإعطائه نفسا حقوقيا يواكب التطورات والوسائل الحديثة.
ذ.نبيل أبو الهلال محام بهيئة الدار البيضاء