الشاعر والأديب المغربي حسن الأمراني في ضيافة الموقع لنقاش جملة من القضايا الأدبية المغربية
في هذا الحوار يستضيف الموقع الالكتروني أنباء 24، الشاعر و الكاتب والأديب حسن الأمراني، لنقاش العديد من القضايا المرتبطة بالمشهد الأدبي المغربي والعربي .
أشكرك الأستاذ حسن على قبولك دعوة الموقع للحوار.
ـمرحبا بكم، وبجمهور الموقع.
1- من هو حسن الأمراني (النشأة والمسار العلمي والأكاديمي)؟
حسن الأمراني شاعر ينتمي إلى زمن الانكسار الحضاري. فقد كانت سنة 1949 التي ولدت فيها، تمثل زمنيا فترة تفوح فيها رائحة الانكسارات المتعددة. كان المغرب يومئذ يعاني من الاستعمار وويلاته. ورغم فتاء السن لم يغب عنا بعض مظاهر المعاناة، حيث كانت زيارات الأحذية الخشنة تقلق الصغار. وذلك وجه من وجوه الانكسار.
وفي تلك السنة أيضا كان الانكسار الكبير على صعيد الأمة بضياع فلسطين وحلول النكبة. كانت النكبة عام 1948، ونحن ولدنا على وقع لهيبها.
هذا زمانا. أما مكانا فكانت وجدة، المدينة التي ولدت فها، ملتقى رموز المقاومة في العالم. فبالإضافة إلى انها كانت مركزا لرجال المقاومة في المغرب والجزائر، كان يزورها أعلام خلدهم التاريخ، مثل نلسون مانديلا، وفرانز فانون. وكانت تقع بعض الأحداث التي وعيناها ونحن صغار، ومن ذلك هجوم الطيران الفرنسي على معسكر كلوش، وقد حدث وأنا تلميذ، وكان من ضحاياه أقارب بعض أصدقائي الجزائريين الذين كانوا يدرسون معي في مدرسة الوحدة، وهي واحدة من المدارس الحرة التي أنشأها الوطنيون.
ومن مظاهر الانكسار أيضا أننا كنا نرى الجنود المغاربة، الذين جندتهم فرنسا للدفاع عنها في كل مكان، يعودون إلى بلادهم منكسرين، جريحي النفوس، من فرنسا،أو حتى من الهند الصينية، أو من بير حكيم. ذلك وجه آخر من وجوه الانكسار الحضاري.. يضاف إلى ذلك “اليتم الحضاري” المتمثل في ما سعى إليه الاستعمار من سلخنا عن هويتنا.
وفي تلك السنةأيضا، 1949، كان ميلاد حركة الشعر الحر، حيث نشرت نازك الملائكة قصيدة (الكوليرا) التي شكلت منعطفا في مسيرة الشعر العربي.
ذكرت كل ذلك لأبيّن أن الالتزام عندي لم يكن شيئا مستوردا عبر قراءاتي فحسب، أو عبر الوعي الطلابي الذي تشكل عندنا في ظهر المهراز بفاس، في سبعينيات القرن الماضي، بل كان شيئا طبيعيا رضعته من الأم، ومارسته حياة وكتابة حتى قبل أن أسمع بكلمة التزام. ولذلك كان مرافقا لي منذ خطواتي الأولى في الكتابة، زمن الصبا والشباب، وما يزال مصاحبي وأنا في الشيخوخة، في وقت ارتدّعنه بعض من كان مغرقا في الدعوة إلى الالتزام، ليصبح من دعاة ما يسميه “الشعر الخالص”، المنسلخ عن قضايا الأمة والإنسان.
وأما المسار العلمي فليس فيه شيء يميزه. إلا ما كان من ترحالي المستمر في مرحلة التحصيل، منذ عام 1964، وأنا يومئذ تلميذ، وليس في مدينتي للمعرّبين نصيب من متابعة الدراسة الثانوية بها،فترحلت ما بين وجدة ومكناس وفاس والرباط وباريس، لتنتهي المسيرة بشهادة دكتوراه الدولة عام 1988. وعلى الصعيد العملي التحقت أستاذا بالتعليم الثانوي، ثم بالمركز التربوي الجهوي، ثم بالجامعة، عام 1979.
لم يكن هذا التنقل في الأماكن مجرد انتقال مكاني بين المدن، بل كان له أثر كبير على شخصيتي. فالمكان كائن حي، له رائحته، وله شخصيته، والأهم أنّ له سلطانه. سلطان المكان قوي جدا. فأنا أذكر على سيبل المثال أن دراستي بمكناس، لفترة قصيرة لا تزيد عن ستة أشهر، وأنا تلميذ في الثانوي،أثرت فيّ روحيا وثقافيا وعلميا، بل وجسديا أيضا، حيث كانت تلك فترة النضوج العقلي والبدني. هناك تعرفت على الأدب الفرنسي، وحفظت بعض عيونه. ولعله كان لتلك البيئة أثر كبير على زملائي، آنذاك، أيضا، إذ صار لعدد منهم حضور لافت في الحياة الثقافية وما يزال قائما حتى الآن. ومن أولئك الزملاء الذي جمعني بهم فصل دراسي واحد في ثانوية مولاي حفيظ بمكناس، على سبيل المثل، إدريس الزمراني، رحمه الله، والناقد الروائي عبد العالي بوطيب، والناقد المسرحي عبد الرحمن بنزيدان.
ولوّنتْ فترة إقامتي بباريس تجربتي العلمية والأدبية بلون خاص، إذ لم تجعلني لصيقا بالأدب الغربي فقط، بل زادتني ارتباطا بالآداب الشرقية أيضا. ففي باريس قرأت “الشرقيات” لفكتور هيغو، والديوان الشرقي للشاعر الغربي لغوته. وكلاهما أحكم علاقتي بآداب الشعوب الإسلامية. وفي الكوليج دو فرانس كنت أحضر محاضرات عدد من المستعربين، ومنهم أندري ميكال الذي كان يقف وقفات عجيبة عند مجنون بني عامر، أو عند ألف ليلة وليلة. ومن المفارقاتأنه في تلك الفترة التي كانت باريس تحتفي احتفاء خاصا بكتاب ألف ليلة وليلة، كانت القاهرة تسعى إلى محاكمته باعتبارها كتابا مخلا بالآداب، خارما للأخلاق.
2- حدثنا أستاذ حسن عن أهم انتاجاتك العلمية والأدبية؟
كان الإنتاج العلمي والإبداعي، في حياتي، يسيران جنبا إلى جنب، ليثمرا أكثر من أربعين مؤلفا ما بين الشعر والنثر، خلال نصف قرن من الزمن. بدأت المسيرة بنشر ديواني الأول (الحزن يزهر مرتين) عام 1974، ووصلت الآن إلى صدور الجزء الأول من الديوان( بقية مما ترك آل عمر)، ، وما بين صدور أول مجموعة شعرية وهذا التاريخ، أخرجت إلى الناس حوالي ثلاثين مجموعة شعرية. وأما الإنتاج النقدي والفكري فتجاوز اثني عشر كتابا، منها كتاب: (المتنبي في دراسات المستشرقين الفرنسيين)، وكتاب: (ظل المتنبي)، وكتاب (سيمياء الأدب الإسلامي)، وكتاب (النورسي أديب الإنسانية)، وكتاب: (أيها الغرب .. أنا مشرقك)،وهو آخر كتاب، صدر لي عن دار سلمى للنشر.
3- ما هو الأدب الذي تميل إليه ولماذا هذا الاختيار؟
حسبي من الأدب أن يكون إنسانيا ــ رساليا، وأن يجمع بين القيم الحضارية والقيم الجمالية. ذلك ما ألتمسه في الأدب العربي وفي الآداب العالمية على السواء. كل أدب يخلّ بأحد هذين العنصرين لا قيمة له عندي. أما التصنيفات الأخرى فهي لا تعنيني كثيرا، لأنها من شأن النقاد لا من شأن الشاعر.
4- كيف تقيم واقع الأدب المغربي الحالي في ظل التطور التكنلوجي والمعلوماتي؟
ما زلت (كلاسيكيا) في هذا المجال، لا أتابع إلا قليلا ما تلقي به إلينا التكنولوجيا والمعلوماتيات، وأنا لم أفرغ بعد من قراءة عيون الآداب العالمية كي أفرغ لهذا العالم الجديد المجهول عندي. ولذلك فأيّ حكم ألقي به في هذا المجال سيكون حكما اعتباطيا، وربما يكون فيه نوع من التجني على ما ينشر في تلك الوسائل، ولاسيما على ما ينشره الشباب بخاصة. وإن كان لبعض شعراء جيلي قدرة هائلة على مجاراة هذا العالم الجديد، فإنني ما زلت فيه طفلا يحبو. وأنا أغبطهم، إلا أنني أعجز عن أن أجاريهم، وبين يدي جبال من عيون الأدب والفكر العالمي تتطلع نفسي إلى النهل منها قدر المستطاع، قبل أن تملأ كأس العمر كفّ القدر.. وأنا أرجو لأدبائنا الشباب بخاصة التوفيق والنجاح ليجددوا ما بلي من أدبنا، ويعيدوا إليه حيويته وجوهره الذي كاد يضيع تحت مسميات مبهمة، مثل “التفجير اللغوي”،و”التجريب” بلا حدود.
5 – في السنوات الأخيرة اكتسح الساحة المغربية والعربية الأدب والفن الغيرهادف، كيف تنظر لهذا الأمر ؟
اكتساح الأدب والفن الرقيع المغسول، الذي لا يراعي لا جمالا ولا خلقا، هو وجه من وجوه الانكسار الحضاري الذي تحدثت عنه من جهة، وتعبير عن العجز الفني والأدبي من جهة أخرى. ومن جناية المؤسسات الفاسدة أنها تشجع هذا النوع من الفن والأدب، لأن من شأنه أن يشغل الناس عن همومهم الحقيقة، فلا يزعجونهم بالدعوة إلى الإصلاح والعدالة والجمال، لأن هذه الأمور الثلاثة مكلفة، ومتعبة، بل ومزعجة أحيانا، لأن من شأن انتشارها الارتقاء بالوعي الحضاري للأمة، وإذا ارتقى وعي الأمة رفضت الاستبداد والفساد. وخطورة الأدب والفن وأهميتها أنهما كالنهر الهادئ، لا يحدث ضجيجا، ولكنه يحفر عميقا.. كالدون الهادئ، بتعبير ميخائيل شوخولوف.
6-كيف تنظر لبعض الأعمال الفنية والدرامية المطبعة مع ” إسرائيل “، مسلسل أم هارون نموذجا ؟
ليست الأعمال الفنية والدرامية المطبعة مع ” إسرائيل ” غير وجه من وجوه الانحطاط الحضاري، والرداءة التي تحدثنا عنها. ولو لاحظتم فإن هذه الأعمال لم تنشأ في مجتمعات تحظى بنوع من الحرية ولو نسبيا، ولا برعاية مؤسسات ديمقراطية، بل هي كلها نشأت تحت ظل عباءة مؤسسات منحرفة، وإن كان لهذه الأعمال من مزية فهي أنها كشفت للجمهور بعض “النجوم” الفنية التي لا تسعى إلا وراء الارتزاق الرخيص، فهي تمجد كل مسؤول، مهما كان بليدا وفاسدا مستبدا. إنها أعمال يجعل منها الفاسدون وسيلة من وسائل تخدير الشعب، وإعداده لمزيد من الخنوع والخضوع أمام غطرسة العدو الصهيوني وحلفائه المحليين في العالم العربي.
ولكن القضية لا تقف هنا.. إنني أعتبرها لحظة ينبغي أن تحرك أهل الفن الباني من أجل إنتاج أعمال راقية بديلة، تعمل على تحصين الأمة ضد كل مظاهر التطبيع. صحيح أن الأمر شاق، ومكلف. ولكن متى كان البناء دون تضحيات؟ الفن الراقي باق.. والفن الرخيص إلى زوال. . “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
7- ما هي رسالتك للأدباء والفنانين والشعراء المغاربة ؟
رسالتي لإخواني من الأدباء والفنانين والشعراء المغاربة، ولغيرهم من شعراء الأمة، رسالتي لهؤلاء جميعا، هي ألا ينسوا أنهم “بناة الحضارة” رغم أنف الجاهلين، وأن عليهم أن يستحضروا دائما أنهم ذوو رسالة. فالأدب والفن ليس ألْهيةً يلهو بها التافهون، ولا زخرفا يزين به أحفاد السامريّ مجالسهم. إنه أقدس من ذلك. عليهم أن يتذكروا هذا، وإلا فإن أحفادهم سيحاسبونهم حسابا عسيرا، وسيقولون لهم : ماذا فعلتم بالعطاء الرباني الذي أوتيتموه: القلم والريشة والصوت؟
أقول لهم، وما أبرّئ نفسي: نحن فانون، والأدب والفن خالدان.. إن نحن سقيناهما بالعرق والدموع والسهر والجهد. ونحن في رمضان، أختم بالآية الكريمة: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)