حوارات

في حوار حصري مع أنباء24 ..الأستاذ باهشام يجيب على عدد من القضايا المتعلقة بزكاة الفطر وصلاة العيد في ظل الحجر الصحي

يستضيف الموقع الالكتروني أنباء 24 في هذا الحوار الحصري بن سالم باهشام أستاذ العلوم الشرعية، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لتسليط الضوء على ليلة القدر وزكاة الفطر لهذه السنة وبعض القضايا الأخى المرتبطة بالجانب التعبدي.

أولا وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، أنتهز الفرصة لأبارك للأمة الإسلامية هذه الأيام المباركة من العشر الأواخر من رمضان؛ والتي تضم أفضل وخير ليلة، والتي توازي العمر كله، لأنها خير من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، أي خير من بضع وثمانين سنة، وأدعو الله أن يرفع عنا هذا الوباء والبلاء، ويخرجنا منه سالمين غانمين، وأريد أن أحفزهم على انتهاز هذه الفرصة الثمينة التي قد لا تعوض إن فرطنا فيها، ومن التفريط الاقتصار على البحث عن يوم واحد من هذه الأيام العشر، والذي قد يكون هو ليلة القدر وقد لا يكون، وهنا يأتي الجواب على السؤال الأول

1 – ما دام لليلة القدر كل هذه الأهمية، فكيف يمكن الاستعداد لها وتحريها في ظل أزمة فيروس كورونا؟

علينا أن نعلم أن الله تعالى شرع لنا شهر رمضان لأجل تزكية هذه النفس، لنرقى بها من نفس أمارة بالسوء، إلى نفس لوامة، إلى نفس مطمئة، والنفس الأمارة بالسوء هي التي تستثقل الطاعة، وتجنح للدعة والتكاسل، وتستجيب للشهوات، ونحن مأمورون في هذا الشهر بمخالفتها، ومن مخالفتها أن لا نتحرى ليلة واحدة، ونسعى للبحث عن يوم واحد لنقومه ونجتهد فيه، ونتكاسل في سائر الأيام الأخرى الفاضلة والعظيمة.

إننا إذا تيقّنا أن الله يريد بنا اليسر، ولا يريد بنا العسر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين، ومن رحمته بأمته أنه كان يفعل العمل التعبدي غير الواجب ويتركه، بدل أن يستمر فيه دون انقطاع، خشية أن يفرض على أمته، ورغم كل هذا، نجده صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الأواخر يتحرى ليلة القدر بهذه الأعمال دون انقطاع:

1 – بالاجتهاد في هذه الأيام العشر كلها: وليس في يوم واحد كما يحلو للبعض، فقد روى مسلم في صحيحه أن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ). وروى البخاري ومسلم، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ، أَحْيَى اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

2 –  ومن صور الاجتهاد كان يعتكف صلى الله عليه وسلم، وذلك بملازمة المسجد، لكونه أطهر بقعة في الأرض، وأبعد عن فتن الدنيا، ليتم له التفرغ للعبادة، فقد روى البخاري ومسلم عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّه عنْها، (أَنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزواجُهُ مِنْ بعْدِهِ). متفقٌ عَلَيْهِ. ونحن في هذا الحجر الصحي، قد أصبحت بيوتنا مساجد، نصلي فيها الجماعة والجمع، بالإضافة إلى أن أغلبيتنا متفرغ في بيته، وليس هناك عمل يشغله، فهي فرصة لعقد النية للاجتهاد قصد الاعتكاف.

3 – إنشاء جو تعبدي رباني في المنزل بين أفراد الأسرة، والتعاون مع الزوجة والأبناء حتى الصغار لمن يطيقون، حتى لا يشعر الفرد بالوحدانية ويجد من يتعاون معه، بل عليه أن يحفز أفراد أسرته بالحكمة واللين، للفوز بهذا الخير العظيم، وذلك بإدراك ليلة القدر، فقد روى الطبراني في الأوسط عن علي بن أبي طالب رضيَ الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يُطِيقُ الصَّلَاةَ). وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلن حالة الطوارئ في بيته بهذا الاجتهاد حرصا على إدراك ليلة القدر، فينبغي علينا أن نتحراها مثله، ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا، قال تعالى في سورة الأحزاب: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]،  لهذا ينبغي على المسلمين التأسي به ﷺ في مزيد الاجتهاد في العشر الأخيرة في الصلاة والقراءة وأنواع الخير. لأن في هذه العشر من الليالي دون احتمال أو شك توجد ليلة القدر، فمَن قام هذه الليالي العشر واجتهد فيها، فليعلم يقينًا أنه أدرك ليلة القدر، وهي مدة قليلة بحمد الله، بالإضافة إلى أن كل الظروف مواتية في ظل هذا الحجر الصحي، وهذه نعمة عظمى، يقول سبحانه وتعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3]، ويقول فيها جلَّ وعلا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان:3- 4].

2- كيف يحافظ المرء على روح رمضان بعد رمضان من جانب الإقبال على الطاعات والعبادات؟
أما كيف يحافظ المرء على روح رمضان بعد رمضان، من جانب الإقبال على الطاعات والعبادات، فذلك يتحقق انطلاقا من ذاتية الصائم ونيته في شهر رمضان، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، فالله تعالى فرض علينا الصيام وهيأ لنا كل الظروف المواتية من تغليق أبواب النيران، وفتح أبواب الجنان، ومضاعفة الحسنات،  وتصفيد الشياطين، ليتيح لنا الفرصة لنذوق حلاوة الاستقامة على طاعة الله، فمن ذاق عرف، ومن عرف ما قصد هان عليه ما وجد، فمن صام لله في رمضان إيمانا واحتسابا شهرا، كتبه الله من المتقين دهرا، وهذه علامة قبول الصيام، وهي إتباع الحسنة بالحسنة مثلها، أما الذي صام عادة ولم يجاهد نفسه، فإنه سيفرح لخروج رمضان، وبذلك تعود حليمة إلى عادتها القديمة، فلنصحح النية ولنعظمها فيما تبقى من هذه الأيام، ولنجتهد دون كسل، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ثم إنه ينبغي أن نحافظ على نسبة من الأجواء الرمضانية، لهذا نجد في إطار سياسة النفوس، أن الله شرع صيام الست من شوال.

3- على من تجب زكاة الفطر وماهو مقدارها وفوائدها وهل هناك تغييرات عليها في ظل الأزمة الحالية؟
زكاة الفطر، هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، تدفع قبل صلاة عيد الفطر، أو قبل انقضاء صوم شهر رمضان ابتداء من يوم السابع والعشرين من رمضان لتبقى الفرصة سانحة للفقير لشراء ما يحتاج إليه، وهى واجبة على كل مسلم، قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر، لأنه سبب وجوبها، وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص، لا على الأموال، بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين، وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلاً. ولمواساة الفقراء والمساكين، وتجب على كل مسلم يكون لديه ما يزيد عن قوته وقوت عياله، وعن حاجاته الأصلية في يوم العيد وليلته، ويلزم المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه، وزوجته، وعن كل من تلزمه نفقته، كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى، والأفضل في عصرنا الحالي أن تخرج زكاة الفطر نقدا بدل الطعام في إطار تحقيق مقصد مواساة الفقير وإغنائه عن السؤال يوم العيد، كما جاء في الحديث، وهذا لا يعتبر مخالفة للنص الشرعي في أصناف الطعام التي وردت في الحديث، لأن السند في ذلك فعل مجموعة من الصحابة رضوان الله عليهم، والذين هم أحرص بالسنة منا، وأشد خشية لله منا، ومن هؤلاء الصحابة الذين قالوا بالنقد في زكاة الفطر: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل. رضي الله عنهم أجمعين،  قال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله، وهو من الطبقة الوسطى من التابعين: (أدركتهم – يعني الصحابة رضي الله عنهم – وهم يعطون في صدقة رمضان الدّراهم بقيمة الطّعام). [مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وعمدة القارئ: 9/8]، هنا يثبت السبيعي أن ذلك كان معمولا به في عصرهم، وقد أدرك عليا وبعض الصحابة رضي الله عنهم. والعلة في اقتصار الرسول صلى الله عليه وسلم على أربعة أصناف من الطعام والتي هي الشعير والتمر والزبيب والأقط، والذي يقصد به الحليب المجفف، رغم وجود أصناف أخرى من الطعام في زمانه، كالقمح…، كما لم يذكر النقود رغم وجودها،لأن تلك الأطعمة المذكورة هي التي كانت متداولة وموجودة أكثر في ذلك الوقت، بخلاف القمح الذي كان موجودا إلا أنه لا يوجد في كل البيوت، وكذلك النقود، إذ كانت أكثر معاملاتهم مقايضة، لهذا فإن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم كان للميسر والموجود من الأطعمة، من هنا فهم بعض الصحابة رضي الله عنهم أن هذه الأصناف الأربعة لا للحصر وكانوا من علماء الصحابة وفقهائهم، لهذا أجازوا القيمة بالنقود، كما أجاز العلماء بعد ذلك الأرز وإن لم يرد في النصوص الشرعية، أما من أئمّة التابعين الذين قالوا بالقيمة النقدية في زكاة الفطر: عمر بن عبد العزيز، في عصر التابعين، إذ أرسل إلى عامله، وعلماء التابعين متوافرون، ولا يخفى عليهم فعل إمام المسلمين، ولم ينكر عليه أحد، كما أخرج ابن أبي شيبة – وعقد عليه باب إخراج الدراهم في زكاة الفطر – قال: حدثنا أبو أسامة، عن عوف، قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بالبصرة:(يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم، عن كل إنسان نصف درهم)، وقُدّر هذه السنة في زكاة الفطر في المغرب ب 13 درهم.

4 – ما هي الكيفية التي ستؤدى بها صلاة العيد في ظل الحجر الصحي ؟
أما صلاة عيد الفطر فينبغي أن نستقبل هذا اليوم بالفرح والابتهاج أن وفقنا الله فأتممنا صيام شهر رمضان، كما وفقنا أن انتصرنا على أنفسنا، ومن علامة الفرح الاغتسال في هذا اليوم، والتطيب، ولبس أحسن ما عندنا فرحا بالله، وتناول بعض الطعام قبل الصلاة، قال تعالى في سورة يونس: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]، وهذه فرصة لنصحح فيها وضعيتنا في شأن اللباس، بحيث تتزين الزوجة لزوجها في بيتها، قصدا وبنية التعبد والتحصين، وليس للشارع قصد الفتنة، إذ المرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها زوجها سرته، كما هي فرصة للزوج ليظهر أمام زوجته في أحسن شكل، فإن المرأة يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل من المرأة، وفي هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( أحب أن أتزين لزوجتي، كما أحب أن تتزين هي لي)، وصلاة العيد سنة مؤكدة لفعله – صلى الله عليه وسلم- لها، ومواظبته عليها، نقبل عليها بحسن المظهر والمبطن، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة). وتتميز صلاة العيد عن غيرها من الصلوات المفروضة والنافلة، بالتكبير، وهي ركعتان تصلى وقت الضحى، و في ظل الحجر الصحي تؤدى في المنازل جماعة وبالجهر مع أفراد الأسرة، بالفاتحة وسورة من القرآن مما يحفظ من سيصلي إماما دون تحديد لاسم السورة في الركعة الأولى، وكذلك بالفاتحة وسورة في الركعة الثانية، ويكبر الإمام في الركعة الأولى سبع تكبيرات، بتكبيرة الإحرام، ويكبر أفراد أسرته وراءه كذلك، وفي الركعة الثانية يكبر خمس  تكبيرات سوى تكبيرة القيام من الركعة الأولى، فعن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة رضي الله عنه ” فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة” قال مالك: “وهو الأمر عندنا[موطأ مالك.]، وبعد الانتهاء من الصلاة يتصافح أفراد الأسرة، ويكون شعار الوالدين التغاضي والتغافل حتى يمر يوم العيد في أحسن الأجواء والفرح استشرافا للفرح الأكبر عند لقاء ربنا وهو راض عنا، فنسأل الله أن يحفظنا من كل داء وبلاء، وأن يرحم موتى المسلمين آمين يا رب العالمين.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مثل هؤلاء العلماء الاجلاء ينبغي أن يكونوا طول شهر رمضان مع الناس في كل وسائل الاعلام جزاه الله خيرا

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى