حوارات

في حوار حصري لموقع أنباء 24 ..الاخصائية النفسية قديش توضح دور وجاهزية الطب النفسي في تجاوز تبعات كورونا

استمرارا في الحوارات التي بدأها الموقع مع عدد من الأطباء لنقاش قضايا كورونا، يستضيف الموقع الاخصائية النفسية الكلينيكية جليلة قديش لتوضيح دور ومساهمة الطب النفسي في تجاوز مرخلة الحجر الصحي .

-كيف ساهمتم كأخصائيين نفسانيين في مواجهة فيروس الكورونا؟

لقد كان لتفشي فيروس كورونا المستجد تأثيرات كبيرة على نفسية و سلوكيات الأفراد. إذ تسبب في صدمة نفسية جماعية ناتجة عن التفشي السريع للوباء و عدم معرفة مآله و لا كيفية الخروج من الأزمة. و لا شك أن الانتقال السريع من الحياة العادية  الى الحجر الصحي و التزام البيوت تسبب في  هلع كبير وشعور بالقلق و التوتر. خصوصا و أن الغموض يحوم حول طبيعة الفيروس و تحولاته الجينية الغيرمنتظرة. مما يؤثر على المناعة الفيزيولوجية و الصحة النفسية.

و في هذا الإطار تشكلت عدة مبادرات في المغرب منها خلية أزمة تضم  أطباء و معالجين نفسانيين بغرض الدعم النفسي   لموظفي الرعاية الطبية من أطباء و ممرضين و مساعدو التمريض، خلية استماع بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء للاستماع و مساعدة الأطباء و الممرضين المباشرين لمرضى الكورونا، كما تكونت فرقة تطوعيةمن أساتذة نفسانيين كلينيكيين و متدربين في نهاية سلك الماستر بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالمحمدية لتقديم خدمات الدعم و المساندة النفسية عن بعد للطلبة و ذلك  للتصدي للانعكاسات النفسية الناتجة عن العزلة النفسية و التخفيف من التوترات النفسية الفردية و الأسرية و التي من شأنها التأثير على سيرورة التمدرس عن بعد و تعكير الحياة الجماعية الأسرية. و قد لاحظ الفريق تأثير وجوب البقاء في المنزل من نفور نفسي لمتابعة الدراسة عن بعد، الإحساس بالضغط و الهلع و القلق و الملل و الإحساس بالاختناق و الغضب و الانطواء على الذات ..و كذلك صراعات علائقية في الأسرة نتيجة النفور النفسي من النشاطات الدراسية.

نذكر أيضا مبادرة “وقت القلق أحنا معاك” من لدن نخبة من الأطباء النفسانيين لتقديم الدعم للمتضررين من القلق الناجم عن الخوف من الكورونا…

– ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه النفساني في أزمة الكورونا؟

للأطباء و الأخصائيين النفسيين دور كبير و هام في التخفيف من حدة الصدمة النفسية الجماعية التي خلفتها الجائحة، نظرا لطبيعتها المميتة و فرض الحجر الصحي.

فإلزام الأفراد المكوث في منازلهم ولد قلقا داخليا. فازدادت حالات العصاب المتمثلة في الخوف و التوتر و حالات الوسواس القهري، و التوهم المرضي بسبب المبالغة في التعقيم و التطهير و تكرار الغسل و المبالغة بالأفكار السلبية حول المرض. فالاهتمام بانتشار العدوى و متابعة الأخبار المؤلمة حول المرض و الوفايات و طرق الدفن يزيد من حدة الاضطرابات النفسية. فإجبار الأهل على عدم حضور جنائز ذويهم خلق وضع درامي في علاقة مع أساس الحالة الإنسانية. إذ منذ أن وجد الإنسان على الأرض وهو يقوم بشعائر الدفن في ارتباط مع سيرورة الحداد. و عدم المشاركة في دفن الأحباب، يولد الخوف و عدم الارتياح لدى الناجون من الموت و يجعلهم يتوجسون إمكانية الموت بمفردهم. زد على ذلك شعورهم بالذنب و الذي هو في الغالب غير واعي. لذلك سنرى سلوكات عقاب ذاتي.

كل هذا ينتج عنه عدم الشعور بالأمن النفسي، و الاقتصادي من جراء تعطل الدورة الاقتصادية و شبح ضعف المقدرة الشرائية و ارتفاع الأسعار و التلاعب بالأسعار، و الاجتماعي و الصحي و حتى الغذائي نتيجة للحجر لمدة طويلة نسبيا.ثم هناك من يعاني من عدة أمراض تقتضي متابعة دورية مثل الأسنان و الأمراض المزمنة.

كل هذا يفرض تدخل الأطباء و المعالجين النفسانيين من أجل معالجة حالات الاضطراب النفسي حتى لا تتحول إلى أمراض مزمنة كاضطراب الغدد و مرض السكري و ارتفاع ضغط الدم و غيرها..ثم أن الأخصائيين النفسانيين لهم دور وقائي و توعوي بطرق مطمئنة تجعل الأفراد يواجهون الجائحة بأكثر ثقة و أقل خوف.

– هل من الممكن أن نكون بعد تجاوز هده الأزمة أمام أعداد كبيرة من المرضى النفسانيين؟

إن الحديث عن الانعكاسات المضرة للحجر الصحي، يستوجب منا الإشارة إلى النمو النفسي قبل الجائحة. فالفرد الذي كبر في وسط عائلي متين و له عمل قار و بيت تتوفر فيه عوامل الراحة لن يؤثر الحجر الصحي على نفسيته بالصورة ذاتها التي تؤثر على فرد عاش طفولة بائسة أو له مشاكل مادية و لا يتوفر على مسكن لائق. فالأول سيجد طريقة مفيدة في قضاء وقته و سيستفيد من الحجر للقيام بكل ما يريد و ربما حرم منه لضيق الوقت كالمطالعة و الكتابة و الموسيقى و الرياضة الخ  و سيجعل من ملازمته للبيت فرصة للتأمل و الاستفادة. أما الثاني فسيكون الحجر الصحي بمثابة الكارثة و الصدمة النفسية مما سيشل قدرته على  مواجهة للوباء. و في صورة عدم مرافقته نفسيا سوف لن يتمكن من الصمود و التعافي من آثار الصدمة. لذلك يظل دور الأخصائي النفسي مهما بعد الأزمة لما يمكن أن تخلفه الجائحة مما يسمى ب “اضطراب عصاب ما بعد الصدمة”. إذ على الدولة تنظيم مهنة الأخصائي النفسي حتى يتمكن من التدخل الناجع لدى أكبر عدد ممكن ممن ستظهر عليهم أعراض الهلع و ازدياد درجة الأعراض لدى المرضى النفسيين المشخصين قبل الجائحة و حتى الغير مشخصين.

– ما هي نصائحك لمن تأثروا نفسيا بالحجر الصحي؟

بالنظر إلى درجة التأثر النفسي من جراء الجائحة، على الأفراد الذين ظهرت عليهم أعراض  التوتر أو الاضطراب النفسي حتى بعد شهرين أو ثلاثة التوجه إلى الأخصائيين النفسيين من أجل تلقي الاسعافات الأولية و القيام بجلسات علاج نفسي حتى يتخلصوا من كابوس الجائحة و يعودوا الى حياتهم العادية. و من الضروري التذكير بوجوب تمتين العلاقات الاجتماعية و الابتعاد عن العزلة و الاهتمام أكثر بالصحة الجسدية من خلال القيام بالتمارين الرياضية اليومية و تمارين الاسترخاء للابتعاد عن الخوف المرضي والإبقاء على الخوف المعقلن للوقاية من الوباء.

كلمة ختامية :

إن الكارثة التي حلت بالإنسانية تحتم علينا كأخصائيين نفسانيين تقديم المساعدة لكل من يحتاج إليها في هذا الظرف العصيب و التخفيف من الآثار السلبية للحجر الصحي على المستوى الاجتماعي و النفسي. فما يشهده العالم من تغييرات مجتمعية و أخلاقية من شأنها تعزيز مكانة الصحة النفسية  وتأكيد  دورها في مرافقة الأفراد و مساعدتهم  على تحمل الرجات النفسية  المرتقبة.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى