مقالات

وسائل الإعلام وإعادة تشكيل الوعي الجماعي.. مسلسل أم هارون نموذجا

بقلم لخضر حمادي

من المعلوم أن وسائل الإعلام كما التربية والتعليم وغيرها من أدوات التأثير، لها وظيفة تأطير المجتمع وتوجيهه وتربيته، والتأثير فيه، وهي بهذا الاعتبار قوة لا يستهان بها.

تأثير وسائل الإعلام قد يعمل على تثبيت قيم المجتمع ودعمها من خلال نقلها من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة، ومن خلال جعلها مادة يومية لما يعرضه من برامج ومتابعات ومشاهد وغيرها، يقول هارولد لاسويل Harold Lasswell: « كان الآباء و الأمهات هم الذين ينقلون القيم و التراث الثقافي عبر الأجيال، و لكن مع تطور المجتمعات و التمدن، حدث نوع من الانعزال مما استوجب قيام وسائل الإعلام بدور ناقل للقيم »1 إلا أن وظيفة الإعلام لا تقتصر على نقل القيم فقط، فهي بسلطتها القوية قادرة أيضا على التأثير فيها وتعديلها أو تغييرها كليا، و هذا ما أشار إليه توني شوارتزTony Shwartz في كتابه « وسائل الإعلام الرب الثاني » بقوله أن « وسائل الإعلام قد أثرت على حياتنا و شكلت معتقداتنا بصورة عميقة كأي دين من الأديان » 2

في منطقتنا العربية عموما يمكن رصد الاتجاهين في ما تقدمه وسائل الإعلام، لكن يبدو من الواضح أيضا أن الاتجاه الثاني يتعزز ويتقوى، ويزداد جرأة .

مناسبة هذا الحديث، ما أثارته قناة MBC السعودية في بعض برامج رمضان لهذا العام، من نقاش كبير حول مضامين بعض إنتاجاتها، ففي مسلسل « أم هارون » المصور بدعم إماراتي على دولة الإمارات، من إخراج المصري محمد العدل وبطولة الكويتية حياة الفهد، والذي يعالج وضعية اليهود في الكويت، سنوات الأربعينات، تشويه مقصود للتاريخ، يبدأ عندما أعلنت الإذاعة في الحلقة الأولى عن إقامة دولة « إسرائيل » على أرض «إسرائيل »، على الرغم من أن المنطقة كانت معروفة في ذلك الوقت بفلسطين، تشويه يراد منه أيضا إعادة صياغة قصة هجرة العرب للكيان الصهيوني، ومحاولة إقناع المتلقي أن ذلك تم بعد معاناتهم في بلدانهم الأصلية من التمييز والظلم رغم وطنيتهم العالية وخدمتهم للمجتمع (البطلة تلعب دور طبيبة) وأن الكيان استقبلهم بالأحضان وبكثير من الدفء، هذه الدعوى تغفل الوقائع التاريخية التي تؤكد أن كثيرا من أعمال العداء ضد اليهود في تلك الفترة كانت وراءها أيد صهيونية لإقناع اليهود بالهجرة إلى الأراضي المحتلة، كما تغفل أن كثيرا من اليهود فضلوا البقاء بأوطانهم العربية رافضين فكرة الهجرة للكيان لارتباطهم الشديد بأوطانهم ولأنهم كانوا فيها معززين مكرمين، كما تحاول تصوير مظاهر الرفض المجتمعي آنذاك للصهاينة وأعمالهم المجرمة واحتلالهم المقيت، تطرفا وسوء فهم ، مع إسقاط لا يخفى على وقائع اليوم.

فيكون المسلسل بذلك حلقة من حلقات التطبيع والتضبيع الذي يقوده محور الإمارات والسعودية، تعتمد فيه اليوم الدراما باعتبارها وسيلة ناجعة في إعادة صياغة القناعات والمواقف والوعي الجماعي بقضايا الأمة وهمومها. وبطبيعة الحال فإن تطبيعا بهذا الحجم لا يمكن إلا أن يرضي الصهاينة، فهذا أفيخاي أذرعي الصهيوني المتحدث باسم جيش الإحتلال يدافع عن المسلسل وبطلته قائلاً إنها كانت تواجه اتهامات من قبل منظري المؤامرة الذين يفضلون البرامج التلفزيونية العنصرية التي تروج للأكاذيب المعادية للسامية.

كما طالب الصحفي إيدي كوهين بأن تمنح الكويت الجالية اليهودية التي اضطرت إلى الهجرة غير العادلة لأراضيها، جنسيتها، وفقاً للدستور الكويتي، الذي يمنح أي شخص كان يعيش في الكويت قبل 1920 ، كل هذا في ظل الحديث المتزايد عن عزم دولة الاحتلال تغريم الدول العربية مليارات الدولارات قيمة ممتلكات اليهود التي تركوها قبل الهجرة. هذا المسلسل الذي يمتح من مدرسة لين ريفنشتايل الإخراجية، وهي مدرسة البروبكندا، والذي يعرف مخرجه بعلاقاته مع الجيش المصري وسوابقه في إخراج أعمال بمضمون تطبيعي، والذي منعت الكويت بثه بعد ما أثار من نقاش، هو عنوان لمرحلة جديدة من الهرولة للتطبيع يقودها محور الإمارات السعودية ، وهو أمر خطير يجب إدانته والوقوف ضده بكل حزم بالفضح وتصحيح التشويهات الممنهجة المقصودة للتاريخ وحقائقه؛ غير أن الأكثر جدوى وفعالية في مجابهة مثل هذه الأعمال هو إنتاج أعمال درامية يكون هدفها غرس وتثبيت قيم مجتمعية راقية، وكشف المغالطات والرؤى التي تستهدف بها الأمة . :

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى