السياسي حسين مبرك.. النزعات العرقية التي ظهرت أثناء الحراك هي امتداد للدولة العميقة بعد الإطاحة برؤوس النظام
حاورته الإعلامية الجزائرية خولة خمري .
أهلا و مرحبا بك معنا دكتور حسين.
_ بداية: كيف يقدم لنا الناقد الجزائري حسين مبارك نفسه؟ وخلاصة ما عاشه من تجارب للقراء والمتابعين؟
– بدأت حياتي العلمية ومشواري الدراسي بمسقط رأسي بعين الخضراء ولاية المسيلة، سنة1976، وتدرجت في التعليم إلى غاية حصولي على شهادة البكالوريا، شعبة آداب، عام 1989 . التحقت بقسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة قسنطينة ، وتخرجت فيها عام 1993، بعد نيلي لشهادة الليسانس، ثم انخرطت في سلك التعليم الثانوي والمتوسط . شاركتُ في مسابقة توظيف أساتذة التعليم الثانوي ببجاية عام 1998، وكنت على رأس قائمة الناجحين حسب الاستحقاق، حيثُ عُينتُ بثانوية ذراع القائد، دائرة خراطة، وأمضيتُ أربع سنوات في تدريس مادة الأدب العربي، بعد أن تمً تثبيتي في ماي 1999، وفي عام 2003، تحوًلتُ إلى المسيلة، ودرًست الأدب العربي في ثانوية ” قسوم العيد” بعين الخضراء، وثانوية “خيري الخير” بمقرة، لسنوات، وفي عام 2006، التحقت بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، بعد نجاحي في مسابقة الماجستير، وتخرجت فيها عام 2008، بعد حصولي على شهادة الماجستير، تخصص: دراسات الأدب العربي وفنونه، وفي عام 2011، التحقت بجامعة ” تاسوست” بجيجل، بعد نجاحي في مسابقة توظيف الأساتذة المساعدين، قسم “ب ” وبعد عام من التدريس بها، تمًت ترقيتي إلى رتبة أستاذ مساعد “أ”، لأنتقل بعدها إلى التدريس بجامعة ” محمد بوضياف” بالمسيلة، في نوفمبر2014، وفي ديسمبر 2016، ناقشتُ أطروحة الدكتوراه بجامعة باتنة، وارتقيت إلى رتبة أستاذ محاضر “ب”، وفي جوان 2018، تأهلت إلى رتبة أستاذ محاضر”أ”
شاركت في العديد من الملتقيات والندوات والأيام الدراسية في عدة جامعات وطنية، كما أشرفت على العديد من رسائل الماستر والليسانس في جامعة المسيلة، كما قمت بنشر سلسلة من المقالات في مجلات وطنية محكمة، وأنتسب إلى مخبر السيميولوجيا والمسرح.
وخلاصة القول: إن كثرة المراس والمران، مع توافر الرغبة في الشيىء، ومضاء العزيمة واتقاد الحزم، يولد في المرء روح التفوق والسبق، ويلهمه الثقة في النفس، ويورثه الرصانة في التفكير، والاتًزان في التعامل مع الأشياء، والنًظام في العمل..متمثلا قول المتنبي: وإذا كانت النفوس كبارا …تعبت في مرادها الأجسام.
_ تعيش الدولة الجزائرية هذه الأيام حراكا شعبيا ونخبويا كبيرا ما قراءتك الثقافية والفلسفية لهذا التحول الكبير الذي يشهده وعي المجتمع الجزائري؟
ما من شك أن الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر قد حرك رواكد النفوس، وحرر كثيرا من الطاقات والأصوات التي كانت مكبوتة لسنوات، بفعل كثير من التراكمات والترسبات، وحالات الاحتقان والانسداد، الناتجة عن الممارسات السلبية لأصحاب القرار الذين كمموا الأفواه، وصادروا الحريات وكبتوا الأنفاس، وانتهكوا الحقوق، الأمر الذي أدى إلى تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتهميش الكفاءات، وإقصاء بعض النخب المثقفة الفاعلة في المجتمع، واحتواء نخب أخرى وتدجينها، وتهجينها واتًخاذها أدوات لتمرير طروحات، وتزكية سياسات، لم تنتج في نهاية المطاف غير التسيب والتحلل والوصولية والمحسوبية، والفساد الإداري، والانتهازية. وظلت هذه النخب بصفة عامة قابعة في عزلتها، تجتر آلامها وأحزانها وخيباتها، منغلقة على ذاتها، عاجزة عن التغيير والتحرير، منفعلة لا فاعلة، ومتأثرة بما يجري حولها من تحولات، غير مؤثرة في مجرى الأحداث، قاصرة عن صناعة الوعي، وإنتاج المعرفة، ومن ثم فإن هذا الحراك الشعبي ليس صناعة نخبوية، بقدر ما هو هبة شعبية، وحالة يقظة، ولحظة صحوة، غذتها تداعيات سياسية، ومطالب اجتماعية.
_ أبانت الحركة الطلابية بالجزائر في ظل الحراك على وعي وطني كبير هل يمكن مقارنة ثورة الطلاب بالجزائر هذه الأيام بثورة طلاب فرنسا سنة 1968م التي غيرت مجرى أوروبا كاملة؟
نعم لقد كان للحركة الطلابية حضور في هذا الحراك، من خلال انخراط مجموعات من الطلبة في عدة جامعات جزائرية في الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالتغيير، غير أن هذه المجموعات لم تكن طلائعية تتصدر مشهد الحراك، وتقوده أو تؤطره وتعمل على تعبئة المشاركين، بقدر ما كان تحركها استجابة لضغط الشارع الذي كان سباقا ومحركا أساسيا لهذه الهبة الشعبية، ومن ثم فإن الجامعة من خلال الحركة الطلابية، كانت منفعلة لا فاعلة، ومتأثرة لا مؤثرة، ولست مبالغا إن قلت: إن الجامعة قد شهدت اضطرابا وانقطاعا عن العمل والدراسة، تحت ضغط التنظيمات الطلابية التي تسعى لتحقيق امتيازات ومكاسب ومواقع، ورسم خارطة جديدة تتيح لها ممارسة دورها في استعراض عضلاتها، وإثبات وجودها، حتى وإن وجدت داخلها أصوات تنادي بالتغيير، إلا أنها محاولة لركوب موجة الحراك، إذ لا يخفى على عاقل أن هذه التنظيمات والنقابات، هي امتداد لحركات وأحزاب سياسية، ومن ثم فإن ما بقي من الحراك الطلابي هو نشاط سياسي حزبي محتوى ومدجن وموجه، لا يعبر عن حالة وعي، ولا يحمل مشروعا تجديديا، وإنما هو رجع صدى ..
ومن ثم فلا مجال للمقارنة بين ثورة الطلاب بفرنسا عام1968 ، وبين حراك طلبة اليوم، لأن ثورة الأمس كانت واضحة في أسبابها ودوافعها و أهدافها، متسقة مع مشروع المجتمع القائم على السيادة والتحرر والاستقلال ، في حين أن الثانية ، وخاصة في جولاتها الأخيرة ، ليست إلا محاولة من بعض المعادين للتغيير الإيجابي لفرض الأمر الواقع ، التي تدفع باتجاهه ما يسمى بالدولة العميقة الموازية.
_ تنامي وبروز النعرات العرقية والقبلية ومصطلح الهوية داخل الحراك في هذا الوقت بالذات أليس مؤشرا خطيرا لاختراق الحراك وهل يمكن لأطراف تصطاد في المياه العكرة أن تتسبب في الانفلات الأمني بالبلاد ؟
كان متوقعا أن تطفو بعض النزعات العرقية والجهوية، من خلال تجمعات حزبية يسارية، هي في الأصل امتداد لما يسمى الدولة العميقة الموازية، في ضوء ما طرأ على المشهد السياسي، لاسيما بعد الإطاحة برؤوس الفساد ورموز الاستئصال الذين ظلوا لسنوات جاثمين على صدر الوطن، ينهبون ويسلبون، ويستغنون، ويستنزفون خيراته وطاقاته ، ويستأثرون بالسلطة، ويمسكون بمقاليد الحكم، الأمر الذي أدخل البلاد في دوامة العنف والقتل والجريمة ، وبإسقاط هذه الرؤوس ، انقطعت تلك القنوات التي كانت تضخ المال الفاسد، وتسخره في خدمة مشاريعها الاستعمارية المعادية لمشروع المجتمع، كما نص عليه بيان نوفمبر، وتحررت بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها الحيوية من قبضة هؤلاء، وبدأ القضاء يستعيد زمام المبادرة، في متابعة الفاسدين والمفسدين، وتعطيل مخططاتهم في الاستحواذ على مركز القرار والقوة، ومن ثمً فإنً بروز مثل هذه النعرات والنزعات، إنما هو رد فعل طبيعي من قبل أزلام وأتباع هذه القوى المتنفذة، لقطع الطريق أمام الإصلاحات، وتعطيل عجلة التغيير، والإبقاء على الأوضاع متعفنة ، التي توفر لهم سلطة المال والإعلام والنفوذ ، ومن حسن الطالع ، أن الأمور لم تنفلت ، وانبرت مؤسسة الجيش التي التزمت بمرافقة الحراك وتأمينه من الاختراقات ، والثورة المضادة ، وظلت حريصة على الحل السياسي والدستوري ، واعتماد الحوار كأداة حضارية للخروج من الانسداد السياسي ، وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات نزيهة وحرة ، بعيدا عن مخاطر المرحلة الانتقالية ، والمجلس التأسيسي ، وتنحية الكل ،التي يسوقها أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة ،كورقة ضغط ، وخيار بديل ، تلوح به أقلية تستقوي بالخارج ، لفرض مشروعها التغريبي .
_ قديما خاصة بعد نكسة حزيران كان للمفكر العربي دور كبير في تفعيل الحراك السياسي و الشعبي، بماذا تفسر التراجع الرهيب لدور المثقف العربي في الحراك السياسي العربي بعد الربيع العربي؟
هذا الأمر يتوقف على المفكر ذاته، وما يحمله بين جنباته من وعي، ونوع الثقافة التي تشرًبها، والمنهج الذي يتبناه ،كوسيلة لتغيير واقعه، والتعاطي مع بيئته، وإصلاح مجتمعه، ولا يخفى على أحد أن مثقف الأمس، كان متشبعا بروح التحرر والتجدد، وعدم القابلية للاستعمار، يعتز بثقافته وانتمائه الوطني والقومي، موصولا بتراثه وتاريخه، منسجما مع ماضيه وذاته ، الأمر الذي هيًأ له أسباب الحصانة الثقافية والفكرية، دون شعور بالنقص والدونية، وأتاح له مجالا للانبعاث والنهوض والتوثب، في حين أن هذا الجيل، يفتقد إلى مثل هذه القيم التي من شأنها أن توفر له أسباب الحصانة والمناعة والانطلاق والتأثير، يضاف إلى ذلك أن انفتاح مثقف اليوم، على الثقافة الغربية، وتبنيه لمناهجها النقدية ومذاهبها الاجتماعية واتجاهاتها الفكرية والأدبية والفلسفية، بانبهار وذهول، ودون وعي وتبصر، أو غربلة وتمييز، قد أسهم في تكريس تبعية المثقف العربي للثقافة الغربية، وترسيخ مقولة ” المغلوب مولع بتقليد الغالب” ، الأمر الذي أدًى إلى فقدان ذواتنا ، وذوبان خصوصياتنا.
_ الحركة النقدية العربية تشهد تهافتا كبيرا على منجزات النقد الغربي لكن يشوب تلك العملية حركة انبهار بل وتلقي دون غربلة أو مراعاة للخصوصيات الحضارية والثقافية التي أوجدت تلك النظريات ما قراءتكم لذلك؟
إن الحركة النقدية العربية المعاصرة، قد أصيبت بالعقم والشلل، فلم تعد حركة واعية فاعلة، تشق طريقها نحو التجدد والإبداع، وتتلمس خصائص الفنً الجمالية والفنية، ومرد ذلك، إلى تهافت النقاد والمثقفين العرب على منجزات النقد الغربي، بأصوله ونظرياته ومفاهيمه ومصطلحاته، من غير تمحيص ولا تمييز وغربلة لهذه المناهج الوافدة، فتبنوا مفاهيمها وخلفياتها ومضامينها ومحمولاتها، وأسقطوها على الأدب العربي، واكتفوا بالنقل والترجمة، فشاعت كثير من المصطلحات النقدية الغربية، وباتت المدونة النقدية العربية تتلقف كل ما ينتجه النقد الغربي من معارف وأفكار، وما يبتكره من نظريات، ويصوغه من مقولات وطروحات وفلسفات، ويقدمه من خلاصات في سياق البحث والدرس للظاهرة الأدبية
وقد انعكس ذلك سلبا على الحركة النقدية العربية، التي باتت رهينة لتجاذبات مدارس نقدية، ومذاهب فكرية وفلسفية، مرتبطة بسياقات تاريخية وسياسية وثقافية مختلفة، وكأن القريحة العربية قد جمدت، ولم تعد قادرة على الإبداع والتجديد، على مستوى الإجراء والطرح والرؤية، ومن ثم صارت ثقافة الناقد العربي المعاصر، ثقافة نقل وتبن ورجع صدى، لا ثقافة تجديد وإضافة، واكتفى أغلبهم باستيعاب وهضم النظريات التي أفرزتها المناهج النقدية الغربية، ووقفوا منها موقف المنبهر الذي يحسن التقليد والترديد، تحت شعار حوار الحضارات والثقافات .
_ كيف يمكن إيجاد الحلول المناسبة والناجعة للتخلص من الخلط المنهجي لعمليات الترجمة، ناهيك عن كثرة المصطلحات التي لا طائل منها، وكذا محاولة الكثير من نقادنا إن لم يكن كلهم على التطويع القصري للمصطلحات النقدية الغربية في البيئة العربية؟
ترتبط عملية الترجمة بمدى قدرة المترجم على معرفته بخصائص اللغة الأم، وهي اللغة العربية، وتفقهه في معجميتها، وحقولها الدلالية، وإدراكه لعبقريتها على مستوى بنياتها وصيغها ونظمها، ثم لابد للمترجم أن يكون متمكنا من اللغة التي يترجم نصوصها ومدوناتها، حتى تكون عملية الترجمة دقيقة ومضبوطة،غير أن كثيرا من المترجمين ينظرون إلى اللغة على أنها مفردات ومقاطع حروف، وليس تركيبا وسياقا، وهو خطأ فادح، ولو أخذنا مثالا لذلك، لقلنا إن كلمة” قنطار” هي بمعنى مئوي، نسبة إلى مائة، وأن معنى ” الدينار” عشري”، نسبة إلى عشرة، وهما كلمتان معربتان، لم تترجما، لأن الترجمة لا تدل عليهما كما يدل التعريب
وهكذا كان يصنع العربي في عصور اللغة الأولى لثقته بلغته وخلو ذهنه من الخوف عليها من مزاحمة اللغات الأخرى، ومن ثم كانت نسبة التعريب أكبر من نسبة الترجمة في عصور اللغة الأولى، وحين اختلط العرب بغيرهم من الأمم، بعد انتشار الإسلام، وتحدث إليهم الأعاجم بلسان عربي تشوبه اللكنة الأعجمية والأخطاء الدخيلة على تراكيب اللغة وأبنيتها وقواعدها المصطلح عليها، راودهم الخوف على سلامة اللغة في حاضرها ومستقبلها، أخذوا يضبطون قواعدها ،وتحفظوا في النقل إليها، فرجحوا الترجمة على التعريب، لذلك لابد في الترجمة من مراعاة التخصص في مصطلحات العلم والفنون، لأن المصطلح يفقد معناه إذا وقع اللبس بين مدلوله ومدلول الكلمات الشائعة، ومن ثم لابد من ترجمة المعاني، أما الأعلام وما هو من قبيلها فيعرب.
_ هل بالإمكان إيجاد نوع من المقاربات التّثاقفية الجديدة الجامعة بين الثّقافتين العربية والغربية لحل الجدل الدائر بين بنية العقل الشرقي والغربي من خلال تشاكل ثقافي كوني جديد بعيدًا عن سلطة المركزية الغربية؟.
إن الحل لهذه الإشكالية يكمن في إيجاد صيغ جديدة، تؤطر الظاهرة الثقافية والأدبية، وتقنن أساليب الحوار والتفاعل الإيجابي، وتحدد إجراءاته وآلياته وأدواته، وتؤسس للخطاب العقلاني الموضوعي، بعيدا عن الصدام والتعصب والإقصاء، وفق منهج حضاري، قابل للتعدد والتجدد، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والحضارية لكل أمة، وما تقتضيه من اختلاف في الرؤى والمرجعيات، والتصورات، ووضع حدً لعلاقة التبعية للغرب في الفكر والثقافة، والتعامل مع ما يصلنا من زخم ثقافي بوعي وتبصر وروية وأناة، دون شعور بالنقص، وانبهار وذوبان في الآخر، وممن غير انكفاء على الذات، والانغلاق عليها، وأعتقد أن ذلك، لا يتحقق إلا بتقوية الفكر النظري والنقدي في حياتنا، وفي ممارساتنا وعلاقاتنا، ومعاملاتنا السياسية والاجتماعية والتعليمية والديمقراطية والأخلاقية والثقافية، وتصير هذه القيم منهجا لنا في الحياة، لتتيح لنا النظر إلى الظاهرة الثقافية نظرة استشرافية، وإدراك خصائصها المتجددة المتغيرة، التي ترتبط بمقاييس عصرها، وخصوصيات البيئة التي أنبتتها .
_ ما مدى قدرة النقاد العرب على إيجاد نظرية نقدية عربية أصيلة تمتاح من النظريات النقدية الغربية ومصطلحاتها وكذا التراث العربي الأصيل من خلال كتابات رواد النقد العربي القديم أمثال عبد القاهر الجرجاني وغيره؟
أعتقد أن الحل يكمن في ضرورة الاهتمام بالثقافة الذاتية للأمة، لأن ذلك هو المحك الذي يحدد هويتها، ويحفظ توازنها وكيانها من الذوبان والتلاشي، ومن ثم لابد من تمثل هذه الثقافة، بوصفها حصانة لكل أمة من الزيغ والتيه والتآكل والذهول، غير أن ذلك لايعني أبدا رفض ثقافة الآخر والنظر إليها بريبة وتوجس، بل لابد من إيجاد أطر وصيغ مرنة للتعاطي مع هذه القضية بإيجابية وفعالية، من خلال رسم خارطة طريق تسمح لكل دارس أو باحث أن يتعمق تراثه وثقافته، ويستزيد من روافدها ومشاربها، ثم يمضي في طريق البحث والدرس، لينهل من هذه المنابع الثرة، لتعزيز معارفه، وإثراء ثقافته، وتجديد رؤيته، فتحصل لديه سعة الأفق، وبعد النظر، وخصوبة الفكر، ونفاذ الرؤية، والجمع بين الأصالة والمعاصرة، فلا إفراط ولا تفريط، ومن ثم ينبغي فهم المعادلة فهما صحيحا، من غير مزايدة ولا تطرف، حتى نتحرر من ضغوط التاريخ والماضي، ونكون في مستوى تحديات الحاضر، ونستشرف المستقبل.
_ ما السبل والأدوات الكفيلة لتحقيق وايجاد نظرية نقدية عربية عالمية، تعبر بشكل خاص عن خصوصيات وهوية النقد العربي الأصيل ببعديه الجامع بين الثقافتين العربية والغربية؟
إن التأسيس لنظرية في الأدب والنقد، هو مشروع حضاري عظيم، لاينهض به، إلا أهل العلم والأدب والثقافة، وعليهم تقع مسؤولية كبرى في بناء هذا الصرح، الذي يستوجب النهوض بدورهم المنوط بهم، في إشاعة الوعي، وبث ثقافة البحث والحوار، وترسيخ روح النقد والتقويم، والمطالعة، وتكريس مبدأ الإقناع والحجاج والقراءة، والتخلي عن ثقافة المهرجانات، والملتقيات الاحتفالية التي تطغى عليها المجاملات والشكليات والبروتوكولات الرسمية، وما يواكبها من جلسات للتعارف، وتبادل التوصيات والوساطات، وما إلى ذلك من التقاليد الفاسدة التي كانت من أسباب نشر الرداءة والتقليد، والسرقات والتكرار والترديد، وتسويق الابتذال والإسفاف، لذلك لابد من مراجعة ذواتنا، وتصحيح أخطائنا، وتفعيل مراكز البحث، ودور الثقافة والمجامع اللغوية، وتحرير الجامعة من العصب ومجموعات الضغط والانتهازيين الذين يديرون الأمور حسب درجة الولاء والانتماء ، وترقية البحث العلمي ، وتسليم مقاليد قطاع التربية والتعليم العالي إلى أصحاب الكفاءات، والنخب المثقفة، القادرة على العطاء، ساعتها يمكن أن نتحدث عن مشروع تأسيس نظرية في النقد، لاسيما أن في تراثنا النقدي كتبا ومراجع، ترقى أن تكون أرضية خصبة، يمكن أن ننطلق منها، دون أن ننسى جهود كثير من نقادنا المعاصرين، الذين لهم إسهامات ونتاجات قيمة، في باب التجديد والإبداع.
_ دكتور أمين في نهاية حوارنا الشيق هذا، نطرح عليكم سؤالا أخيرا وهو ما هو تصوركم للجزائر بعد خمسون سنة كيف ستكون؟
في ظل الحراك الذي تشهده الجزائر، فإن كل المؤشرات توحي بأن الجزائر مقبلة على عصر الازدهار والاستقرار والرقي والاستقلال الحقيقي، على جميع المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد أشرت إلى ذلك بقولي: مادام منسوب الوعي في ازدياد، والرجال في غاية الاستعداد والاجتهاد، فسينبلج صبح السداد، وتسطع شمس الرشاد، وينجرف غثاء الانسداد، وتزول سنوات الحداد، ولا خوف على البلاد والعباد ، طالما بقينا أوفياء لعهد الآباء والأجداد، صادقين مع خالق العباد.
_ كلمة أخيرة تعبر فيها عما يجول بخاطرك وما تود قوله للجمهور والمتتبعين ؟
في الأخير، أشكركم على هذه المحاورة الهادفة، وأقول: ليس كل متعلم مثقفا، ولا كل من نال شهادة بقادر على حملها، نحن – للأسف- في زمن ابتذلت فيه الشهادة كثيرا، حتى كادت تفقد قيمتها / بسبب طغيان الرداءة، فبعد أن كانت الشهادة كالحرية تؤخذ ولا تعطى، صارت تعطى ولا تؤخذ..وشعاري: كن ذاتك، واستفد من هناتك، وتدارك مافاتك، ولا تبح بآهاتك، كن ذا عزم ورأي وشجاعة، ومن اصطحب الكتب علت به الرتب…