أنباء 24 تسلك أخطر الطرق بالمغرب وتلتقي مغاربة يعانون ألم العزلة وصعوبة العيش
انباء24 من تاركا نتوشكا
على بعد 30 كلم من مدينة ايت باها التي تبعد عن أكادير ب65 كلم، تستقر قبيلة ايت ويكمان بين جبال صخرية، وهي واحدة من بين عدة قبائل متناثرة بين الجيال، تنتمي لجماعة تركا نتوشكا، بإقليم شتوكة ايت باها، هذه القبيلة كانت على موعد مع مغاربة جاؤوا من الدارالبيضاء، ليصلوا معهم الرحم، وينسونهم مرارة العزلة القاهرة، ولو لمدة وجيزة، تعد الدقائق، حيث رمت بهم الأقدار، للعيش بمناطق نائية،وجغرافية وعرة،ترفع من مستوى اكراهات معيشتهم اليومي.
طريق الموت إلى تركا نتوشكا
قبل شد الرحال نحو الوجهة المقصودة، إلى حيث المغرب المعزول، كنت على موعد مع ناشطات جمعويات، كن يستعدن في وقت متأخر من الليل، لرحلة سفر لذات الوجهة، محملات بمساعدات، تضم بطانيات، ألبسة، ومواد غذائية، بالاضافة الى العاب وحلويات للاطفال، هؤولاء النسوة ينشطن ضمن جمعيتي مريم للتنمية، والجمعية المغربية للعمل النسائي ، حيث دأبتا كل سنة وبتنسيق مع جمعيات أخرى، على تنظيم مثل هذه القوافل التضامنية، والتوجه بها نحو احدى المناطق النائية التي تعيش حياة البؤس، والقسوة المناخية والجغرافية.
عند الساعة السابعة صباحا، وبعد رحلة ليلية متعبة، وصلنا إلى مدينة اكادير، وخلال جلسة استراحة وافطار قصيرة، التقينا بمنسق الحملة إلى قبيلة ايت وكمان التابعة لجماعة تركا نتوشكا، باقليم اشتوكا ايت باها، ثم انطلقت القافلة متوجهة الى جبال الأطلس الكبير، حيث تقبع بينها القبيلة المذكورة، حيث كان للوصول إليها المرور عبر مدينة ايت باها، ثم منها التوجه مباشرة إلى الجبال التي تبعد عنها بكيلومترات قليلة.
خلال الدقائق الأولى بعد خروجنا من ايت باها، كانت الأراضي على امتداد بصرنا عبارة عن قفار،جلها قاحلة وصخرية،، وبعد دقائق قليلة، تطل علينا الجبال الأطلسية، عبر طرقات ملتوية، ومنعرجات ضيقة،جد منحرفة، تتولى كأفعى الاناكوندا، وكنا كلما توجهنا نحو الأعلى، كانت تزداد خطورتها، لدرجة يصعب فيها عبورسيارة، إن لم يكن سائقها على خبرة وتجربة كبيرة بمجال السياقة، حيث كانت تفصلنا عن الهاوية سنتمترات قليلة، وكل انحرافة غير محسوبة للعجلات، ستكون العاقبة غير محمودة، وقد كان مرافقي يلتفت إلى السائق كل توغلنا في اختراق هذه المنعرجات الجبلية ويطلب منه الحذر، وبعد حوالي نصف ساعة من زمن هذه المغامرة التي ارتفعت فيها نسبة الأدرينالين بالدم، وصلنا إلىعين المكان، وكانت عبارة عن ساحة صغيرة، تتواجد بها مدرسة، وهناك وجدنا ساكنة القرية تنتظر تحت أشعة شمس الحارقة.
التفاتة بسيطة ترسم البسمة وتمحوالألم
بزي شبه موحد، يجمع بين تنورة طويلة فضفاضة سوداء، وثوب أبيض تلحفن به، استقبلتنا نساء القبيلة، والحشمة تعتلي محياهن، كن مجتمعات في مكان واحد، بينما كان الرجال متفرقون، قبل أن يجتمع الجميع قرب الخيمة التي نصبت من أجل استقبال المساعدات، وتوزيعها عليهم.
قبل الشروع في توزيع المساعدات، كنا على موعد مع ضيافة لأحد ساكنة قبيلة مجاورة تبعد بضع كلمترات عن المكان الذي توقفنا به، كانت الطريق إلى هذه القرية، أخطر من سابقتها، وكان السائق وهو ابن المنطقة ويعيش بالبيضاء، يقود سيارته رباعية الدفع باريحية، على هذه الطريقة المعبدة بالتراب، وكأنه يسوق وسط المدينة، والغريب في الأمر هو عندما أخبرنا مرافقه وهو أيضا من أبناء المنطقة ويعيش باكادير، بأن الطريق كانت أسوء مما عليه الآن، وتخيلت هذه الطريقة وكيف لهؤلاء عبورها ونحن بالكاد نعبر هاته على ضيقها وخطورتها، وأضاف ذات المتحدث، بأننا محظوظون لمجيءنافي وقت لم تنزل فيه الشتاء، حيث تصبح هذه الطريقة عبارة عن وحل ويستحيل عبورها، وهنا تكتمل صورة العزلة، في مكانانحصر بين الجبال وانعزل عن العالم.
في الحقيقة، رغم هذه التضاريس الوعرة، انتابنا شعور جميل، ونحن نسيح بانظارنا بين هذه الجبال الضخمة، التي كساها الله ثوب الجمال، طبقات صخرية متنوعة، سفوح وسهول تبعث فيك شعورا مريحا،تتناسى فيها كلل الطريق وخطورة الجغرافية. وعند وصولنا إلى القرية، كان المشهد عبارة عن لوحة فنية غاية في الروعة، وزاد من روعتها، عندما انتقلنا إلى بيت المضيف، هناك وجدنا منظرا بانوراميا أكثر روعة، زاد من روعته حسن الضيافة، بطبق محلي طبيعي، وهنا اكتملت شروطالسعادة.
قلت لصديقي ونحن في طريق العودة إلى حيث توقفت القافلة، نتملى في جمال المكان، ما أروع ان تعيش في هذا المكان، بين أحضان هذه الجبال، وسحر هذه الطبيعة.. فقاطعني مجيبا، ستعيش فيه لأسبوع ثم ستمل. راجعت كلامه، فوجدته على صواب، فالمال قد يجتاح هنا، إذا لم تتوفر لك مسببات العيش، كما الساكنة، التي تعيش على الكفاف، وعلى نفقات أبناءها الذي يهاجرون مظطرين، إلى المدن، بحثا عن اي عمل، لاعالة اوفي هذا السياق، قال احد ابناء المنطقة في تصريحه لنا " غادرت المدرسة مبكرا، بعدما وجدت نفسي مظطرا، للبحث عن مورد مالي، لاعالة الاسرة، بعما اشتد حالنا، وتأزمت وضعيتنا، فالقرية هنا لا تتوفر على أي مؤهلات زراعية"، هذا الوضع يسري على الجميع هنا، إلا القليل منهم، ممن استطاع أن يربي بعض الخرفان، أو تربية النحل لإنتاج العسل، او زرع شجر الاركان، وان كان قليلا بالمنطقة.
رغم الظروف الصعبة التي يعيشها سكان هذه الدواوير، غير ان زيارة تضامنية، او حملة مساعدات مهما كانت بسيطة، تدخل السرور على قلوبهم، وتنسيهم هموم معيشتهم اليومي، وهو ما لمسناه على محياهم، وفي الحديث الذي دار بيننا وبين بعضهم، وعندما نسألهم عن أحوالهم، يجيبون الحمدلله، دون تشكي، رغم ضراوة الظروف.
رئيس جمعية اللوز للتنمية، الجمعية الوحيدة بالقبيلة، والتي نسقت مع باقي الجمعيات في هذه الحملة، قال مصرحا بخصوص حاجيات هذه الدواوين المعزولة " الساكنة تعاني ظروفا معيشة صعبة، وقلة الماء، إضافة إلى الطرق التي تشكل خطرا في التنقل، خاصة في فصل الشتاء، حيث تتحول إلى اوحال يصعب التنقل عبرها" مضيفا " نحن بحاجة إلى التفاتة من الدولة لإصلاح الطرقات، وتوفير لنا ولو أدنى مسببات العيش الكريم هنا" مؤكدا "لولا اجتهاد جمعيتنا، وتدخل بعض المحسنين من أبناء الدوار، لكان وضعنا أكثر كارثية مما هو عليه".
حلم يغتال قبل ولادته
في هذه القرية يغتال حلم الأطفال عند مخاضه، فبعد أن تنتهي سنوات التعليم الأولي، حيث يكون الولد على موعد مع حياة البحث عن مدخول مالي،لمساعدةاسرته، بينما تكون البنت على موعد مع البيت، بعدما يقرر أهلها مكوثها به، بدل انتقالها للعيش بالمدينة لاستكمال دراستها، لأن القرى هنا لا تتوفر على مدارس للتعليم الاعدادي، وهو قرار تتخذه الأسرة خوفا على بناتها من العيش بمفردها بالمدينة، وبعيدا عنها.
خلال توزيع المساعدات، توجهت إلى بعض الفتيات اللائي كن مجتمعات الى جانب باقي النساء، فحاولت أخذ تصريح مع بعضهن، غير ان الخجل حال دون ذلك، فاستعنت بأحد ابناء القبيلة، فاقنع احداهن، التي اكتفت بكلام مقتضب وهي تطل من خلف ملحافها، بعين واحدة، قالت وهي تتحفظ بكلمات عامية بصعوبة، بأن عمرها 17 سنة، توقفت عن الدراسة عندما أنهت الدراسة الابتدائية، واستقرت بالبيت برغبة من والدها، بسبب غياب مدارس اعدادية،تصريح هذه الفتاة فتح شهية الحديث لصديقتها، والتي عبرت عن نفس الكلام، وزادت في كلمة بليغة "مستقبلنا يتوقف في السادس ابتدائي" وهو ما يزكي، العقلية التي تسود داخل القبيلة، وهو ما فسره معلم أبناء القبيلة بقوله " أبناء هذه المنطقة يعانون الهدر المدرسي، بسبب توقفهم عن الدراسة في المستوى السادس ابتدائي، رغم انهم اطفال نجباء يحبون الدراسة" واضاف المعلم والحسرة تعتلي كلامه " نصاب بخيبة أمل نحن كاطر تعليمية تربوية، عندما نرى حلم هؤلاء الاطفال يتوقف عند هذا المستوى، بسبب غياب المدارس الاعدادية، وبعد الداخلية، ما يجعل الآباء يخافون علىانتقال أبناءهم على الدراسة بعيدا عنهم" .
بموازاة مع توزيع المساعدات، كان الاطفال على موعد داخل فصلهم الدراسي، مع المنشطين توفيق وعلي، المتخصصين في احياء حفلات خاصة للأطفال، حيث عاش الاطفال لساعات من البهجة والفرح، دون ان يحلوا او يملوا، حيث رددوا اناشيد، وشاركنا في مسابقات، توجت بتوزيع الجوائز على الجميع، وعبروا عن سعادتهم لهذا الحفل الذي عاشوا فقرات لأول مرة في حياتهم، كما عبر عن ذلك معلمهم، وقد لاحظنا مدى انسجامهم مع المنشطين توفيق وعلي، الذين استطاعوا إخراجها من الخجل والحرج، إلى المشاركة، والتعبير والتفاعل.
بعد يوم مليء بالانشطة، نسينا فيه تعب السفر، كانت الشمس قد بدأت تختفي وراء الجبال الشاهقة، حينهاودعنا القرية وساكنتها، وتركناها تستقبل ليلها البارد، لتستدفىء ببطانيات جديدة، علهم يستيقظون، على حياة دافئة.