مقالات

زوج بغال

“زوج بغال” مثنى دارج بلهجة أهل شرق المغرب يعني “بغلان” مثنى ” بغل”، هو اسم المعبر الحدودي الرئيس بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، تقسيم فرضته الراعية “أمهم فرنسا” وأشرف على تنفيذه وكلاؤهم سراق ثمرة الجهاد والمقاومة. فالمجاهدون والمقاومون أبلوا البلاء الحسن فمنهم من لقي ربه وارتقى شهيدا بإذن الله ومنهم من مات كمدا وحسرة جراء الطعنة الغادرة في الظهر بخنجر صدء مسموم من بني جلدتنا الغاصبين، ومنهم من لا يزال يتجرع المرارة ينتظر رحمة ربه، باستثناء مجموعة من الكائنات التي تغير لونها وماتت رجولتها وشهامتها فأصبحت ديكورا يزين به المسيطرون حكمهم وسطوتهم.

سراق النصر ووكلاء المستعمر لا زالوا يحافظون على عقيدتهم الخانعة ويسهمون في إخراج المسرحيات الواقعية ينفذون من خلالها تعليمات الاستكبار العالمي، وإن تَغَيرت موازين  القوى وتغير اللاعبون فالروح الشريرة المسيطرة لا زالت هي المتحكم الأساس في رقعة الشطرنج ببيادقها المعلومين. فرغم تبجح البلدين الجارين الشقيقين بالاستقلال الشكلي ومناهضة الاستعمار”الاستحمار” إلا أنهم لا زالوا خداما طيعين لأسيادهم ولكن هذه المرة يتناسب مع التقطيع الجديد للهيمنة العالمية، فلا زالت الحرب الباردة تسخن على نار هادئة وبين الحين والآخر تلوح شرارات مساقاتها المعلنة والمبطنة.

لست بصدد سرد تطور العلاقات المغربية الجزائرية وما واكبها من تجاذبات بين الطرفين قبيل وبعيد “الاحتقلال”، وقد تحدث عن جانب منها حسن أوريد في مقال له مؤخرا وهو المحسوب من المطلعين على “قِدْر” المخزن عندما ذكر حجم الاختراق المتبادل بين البلدين على مستوى الطبقات السياسية لا داعي لتوضيح المفضوح. فالقيادات وإن ظهرت خلافاتها الإعلامية المسوقة أو المزايدات الكلامية المستهلكة إلا أنها تتفق على مصالحها الاستراتيجية بل نقول أنها متفقة على شعوبها وتنفيذ توصيات وكلائها.

تبجح الطرفان بإطلاق كل منهم قمرا صناعيا متعدد التخصصات الخدماتية وقاسمهما المشترك تجسسي يحصي الأنفاس ويضبط الخرائط، وانطلقت الأقمار من معسكرين مختلفين يعبران بوضوح عن  إعادة التشكيل والتوزيع للأدوار العالمية المسيطرة، وقد يبدو في البداية أو على الأقل كما يسوقه الطرفان أن الإطلاق تطور وطفرة وقفزة نوعية للبلدين في حين لا زال شعباهما يعيشان في أقسى ظروف العيش وانحطاط الكرامة الآدمية. كما يقول المثل الدارج عندنا” آش خاصك العريان، خاصني الخواتم أمولاي”، الطرفان يسوقان الوهم في حين الحقيقة المرة التى تتجرعها العقول الواعية أننا أمام استراتيجية استنزافية للاستحواذ على أموال الجارين من طرف اللاعبين الكبار بل الأدهى والأمر أن القمرين هيئا لأداء مهام بالنيابة كانت تخوضها أمريكا وفرنسا وغيرهما تحت مسميات الشراكات والتعاون والبحوث والدراسات وما الجمعيات العابرة للقارات والمتسللة لجميع الميادين الحيوية بغريب فعلها وسط مجتمعاتنا في الفلاحة والصناعة والتعليم والصحة… أقمار بصناعة غيرنا وتدبير غيرنا وتفعيل غيرنا وننتظر منها أن تحمي أمننا ومعلومتنا، لعمري إنه الغباء المركب بل إنه الانبطاح المركب تكون ضحيته هذه الشعوب المغلوبة على أمرها تنتظر الفرصة التاريخية لتهب من سباتها وتسترد مجدها بين يدي تغيير يأتي على تفكيك أركان الاستبداد وينتج بيئة يكون فيها القرار اختيارا لمن يسوس ويقودأمتنا إلى العز والمجد الضائعين لقرون خلت، وقد بدأت تلوح في الأفق البشائر مع اشتداد حلكة ظلام الظلم واستبداد القوم وتهاوي عروش المستكبرين.

إنها سنة الله في خلقه لا تحابي أحدا، وما هؤلاء الساسة الجاثمون على الصدور قهرا إلا حلقة في السياق القدري النافذ. يوهمون شعبينا بالتقدم والازدهار وما هو إلا تنفيذ لتعليمات الكبار المستكبرين المستبدين، يستنزفون خيراتنا ويفرغون خزائننا، ألا تعتقد أيها القارىء اللبيب أن تسمية المعبر الفاصل بين المغرب والجزائر ب “زوج بغال” ليس عبثا بل حكمة ساقها القدر سوقا فاهم يرحمك الله. وأما من لم يصله المقصود فنعده وعد الأحرار الموقنين أن الزمن أستاذ يتقن التلقين فاصبر وانتظر ساعة الدرس وستفهم عن أي البغال نتحدث. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى