مقالات

نقد سريع لدراسة بعنوان: أركان الإسلام : التباسات النص التأسيسي

استغربت كثيرا كيف لمثل هذه الدراسة – الصادرة عن مؤسسة “مومنون بلاحدود” للباحث الأردني معاذ بني عامر- أن توسم بكونها “محكمة”، رغم عدم استيفائها لأبسط معايير الدراسة العلميةوالأكاديمية منهجيا ومعرفيا.

فعلى المستوى المنهجي: تفتقر الدراسة لخطوات البحث الأكاديمي التي تنطلق عادة من مقدمة وتنتهي بخاتمة، رغم أن الباحث حاول إيهامنا بعكس ذلك، بوضع سطرين وربع كتب فوقهما عبارة مقدمة، وكتب أربعة أسطر باعتبارهما خاتمة، وكأن بحثا في 28 صفحة يمكن أن يقدم له بسطرين ويختم بأربعة أسطر.

كما أن الباحث أفصح عن النتيجة التي تهفو نفسه لبلوغها والمتمثلة في رفض “أركان الإسلام” باعتبارها ممارسات طقوسية غير ذات جدوى ليخلص سريعا ومن غير بناء علمي متين لفكرته إلى ضرورة تبني تأويل جديد لها، وكأن النتائج باتت تصاغ قبل المقدمات والدفوعات، ومن ثم حضرت الإيديولوجيا وخلفية الهدم وغابت الدراسة العلمية، فالباحث مسكون بمنطق التفكيك لدرجة الهوس، مقابل ضمور ملحوظ وبؤس مشهود في منهجية التحليل والنقد العلمي، فالباحث صدع رؤوسنا منذ أول سطر خطه بكون حديث البخاري “بني الإسلام على خمس” المؤسس لركنية الإسلام مناقض للقرآن، لكنه لم يقدم شاهدا واحدا مقنعا بوجود هذا التناقض بل حتى ما ساقه من أمثلة كان مُدينا وناقضا لمسلكه، فاقتران الصلاة بالزكاة في مئات الآيات القرآنية يعكر صفو نتائجه، وكذلك ورود آية الصوم بصيغة “كتب عليكم”.

أما من الناحية العلمية والمعرفية: فيسجل غياب الإحاطة العلمية بالموضوع، حيث هاجم الباحث البخاري معتبرا أنه مؤسس البراديغم الديني في الإسلام وهو خطأ وخطل يعرفه الباحثون المبتدئون، فالبخاري لم يؤسس علم الحديث ولا وضع قواعده ولا عرف بكونه مؤسسا لأي علم من علوم الإسلام النقلية والعقلية والآلية، وقيمة كتابه إنما ترجع لدقة تطبيقه لمعايير الصنعة الحديثية التي وضعها أسلافه، أما ما انفرد به البخاري من الأحاديث عن غيره من الرواة فلا يتجاوز بضع عشرات من الأحاديث، إذا علمنا أن البخاري انفرد عن مسلم ب 414 حديثا فقط، فيكون ما انفرد به عن باقي الرواة أقل بكثير، كما ان تركيز الباحث على قراءة حديث الأركان، في ضوء رواية البخاري يؤكد قصور مسلكه لاسيما وأن الحديث روي بطرق متعددة ولايكاد يخلو منه مصدر من مصادر الحديث ومضانه، (فقد رواه إضافة إلى البخاري، أحمد في المسند، ومسلم في الصحيح، وابن خزيمة في الصحيح، والنسائي في السنن وكذلك الترمذي في سننه، والخلال في السنة، والحميدي في المسند وأبو يعلى، وغيرهم)، وكأني بكل هؤلاء الرواة على تباعد بلدانهم وتباين أمصارهم وأزمانهم اتفقوا على الكذب والدس لهذا الحديث ليعلوا من الطابع الطقوسي للإسلام كما يزعم الباحث، ناهيك عن غياب المصلحة والباعث من ذلك، وهو من التعليلات الضرورية التي أغفلها الباحث رغم أنها من مقتضيات المنهج المادي التفكيكي، ناهيك عن إغفال الباحث دراسة الحديث في ضوء نصوص حديثية أخرى: مثل حديث جبريل، فلو فعل لكان اهتدى إلى نتيجة أساسية وهي أن حديث بني الإسلام على خمس يؤسس للهياكل التحثية التي يبنى عليها “عمران الإسلام “،أما قلب هذا العمران وروحه الأثيرة وطوابقه العليا فهي الإيمان والإحسان، حيث يتجلى كمال الدين وجوهره العلوي، وهو ما يسعى أصحاب النزوعات السطحية والظاهرية الحرفية لطمسه. حيث يرتقي المسلم من مستوى التعبد الجارحي (أي درجة الإسلام) إلى التعبد الروحي المقرون بالعمل (حيث درجة الإيمان ثم الإحسان). وهكذا كان من الممكن حينها أن يهتدي الباحث -هداه الله وسدده- لو سلك هذا المسلك إلى أن الأحاديث النبوية الشريفة تشكل إطارا لفهم قواطع القرآن، وليست بنية خارجية مصادمة له كما زعم، فالقرآن أقر بهذه التراتبية البنائية التكاملية التي تشكل بنية واحدة موحدة للدين متصلة وغير منفصلة، أقر بها ونبه عليها في الكثير من آياته منها آية الحجرات ((قالت الاعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم … إنما المومنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون))، فنصوص القرآن مع نصوص السنة الصحيحة تشكل نسقا بنائيا متكاملا، بحيث ستظهر عيوب الدراسة التجزيئية جلية متى سلطنا الضوء على بعضها متغاضين عن البعض الآخر، ومن ثم وجب التنبيه على أن التجاسر على إصدار الأحكام الغليظة بإطلاق فج من غير استقراء كلي أو حتى جزئي ولا دراسة تحليلية شاملة ورصينة هو والنزقية السائبة سواء، وإن كنت أتفق مع الباحث في جزئية أن العبادات الجارحية التي سماها (طقوسية) ليست هي لب الإسلام، فإنه لا حاجة  للتدليل على ذلك بسلوك هذا المسلك الذي يطبعه التهافثوالتناقض الصريح، بل إن إثباتها يمكن من خلال دراسة سريعة للآيات المذكورة آنفا من سورة الحجرات أو سورة العصر أو آيات عباد الرحمن، أو من خلال حديث جبريل الجامع أو حديث إنما الأعمال بالنيات.

والله يهدي إلى سواء السبيل.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى