مقالات

رسالة إلى محسن فكري

أيها المحسن لذاتك
أيها المحسن  إلى نفسه صبرا وتجلدا حين قرأت فوجدت ميدان الشغل صفرا وخواء، ففكرت حمل نعم الله التي أصبغها عليك من بحر جوده الحسيمي  إلى بلدك ومدينتك رغم ظلم السجان وأباطرة الرمال، وحكام البحار، ومفترسي المحيطات والثروات صيدا ونهبا.
أيها المحسن إلى أهله رعاية وعونا حين حملت هم العيال والعائلة والاخوة فوجدت البلاء والعقاب مخزنا مخزيا، ففكرت رغم فتنة قيد القياد وءغلال بقايا عيسى بن عمر والقيد العيادي أن تفرح أسرتك وأهلك وذويك.
أيها المحسن إلى مدينته حبا وانتماء إلى بلده عنصرا وتجذرا قد حسمت في حسيميتك حين شح العمل،  أن لا تسأل تذللا،  أو تطلب تملقا، أو تسير في حملات انتخابية بيعا وشراء.

 فنهضت نهضة الرجال كي لا تجلس القرفصاء في بيتك وتكون ضحية العطالة وثقافة الانهزام واليأس، بل عملت وكدحت واقترضت وتجارت عوض أن تسقط في مصالي وفتن المخزن من انتحار وتشرد وإدمان وتفسد وفراغ.
أيها المحسن للمغاربة وأمته
أيها المحسن إلى فكرك وفكر المغاربة والشعوب الطموحة للتغيير تعقلا وتدبرا، ما خنت عهد أمك  وإن شتموها “طحن مو” ، عذرا أماه، وما زادك حسن فكرك وتوحد قبلتك لما حاصروك إلا شجاعة وبسالة، فكنت للمغاربة وللإنسانية قاطبة قدوة في الصمود والثبات على المواقف والمبادئ، في زمن رضخت فيه الذمم إلى عتبات القصور وجثت الركب على الأبواب تقبيلا وطبولا وبطونا.
علمتنا يا فكري أن فكري وفكرك في حاجة إلى شدة بعد لين، وإلى قوة بعد رفق. قوة في الثبات على المواقف عنوانها الحرية التي  لا تنتزع من دواخل وبواطن الإنسان والمستضعف، بل هي لصيقة الروح إن أتعبها الجسد، بل هي حية يملكها صاحبها قبل الممات وبعد الممات، وهي وسام الشهيد ووسام الفارس، ووسام الذي يذود عن ماله وشرفه ذودا ودفاعا وتدافعا.
محسن فكري فكر بفكر المغارب  الكادحين والمظلومين والتواقين للحرية الكاملة والعيش الكريم والشرف المصون، وعبر عن ما يخالج أنفاسهم من معاني الرغبة إلى التغيير والغد الأفضل، وعبر عن ما ترفضه ذواتهم لمدة قرون من التفقير والافتراس والحكرة.
فكر فكري بفكر حسن فحسن علمه، وحسن مطلبه وحسن اسمه وحسن نسبه، وعبر عن طموح مغرب متحرر كان، من الاستبداد وأنانية الكراسي.
يوم كان المغرب سلفا وقبل قرون هو وهو، كان بالفعل  أجمل الشعوب فكرا وأبدعهم حسنا، وأكثرهم  جودا وتخلقا حين شهدت التواليف والكتب المشرقية والمغربية أن المغاربة أرض الأولياء والصلاح،  ومن عاد الأولياء  وأرض الأولياء فعمره قصير وعهده هالك لا محال، ما دام يفسد في أرض الصلاح والبركة.
وكان المغاربة أقوى صبرا وتجلدا على لظى ظلم المخزن وصلف المستبدين منذ قرون. .وكان المغرب أبرز الشعوب فكرا وتعلما حين ساده قادة مصلحون أمثال يوسف بن تاشفين.  قد ملؤوا الأرض  بركة وعدلا وجهادا ونتحاشى هنا سلاطين التبدير والترف من أفعموا الدنيا ذلا وهوانا.
خصال محسن
محسن فكري جمع خصالا تفرقت في قبائل شعب واجه المستعمر  في سواحل سلا والرباط والصويرة وتطوان وطنجة والحسيمة، وفي كل ربوع القطر حتى أضحى يسمى مغرب الثغور والرباطات.
محسن فكري جمع خصال  المقاومين المغاربة الأوائل الصادقين  الذين لم يرضوا لأنفسهم الذل يوما، لا من أرباب الجور من الخارج من البرتغال و الأسبان، فكيف يرضونه من الداخل ممن يحكمهم دون مشورة و اختيار الشعب بل تسلطا وتجبرا.
محسن فكري حسن فكره حين لم يسقط في منظومة الإفساد المخزنية المخربة للعقول والنفوس إعلاميا وفنيا وانحرافا،  ولم يسقط في شرك المقاصد المخزنية تفقرا وخسرانا وإدمانا وتشرملا.
ولم يدخل في ماكنة الآلة المخزنية، ماكنة الدمار الشامل لأخلاق الشباب وطمس هويته وقتل غيرته ورجولته عبر  المخدرات والانحراف والرقص الماجن والإجرام والسرقة والبطالة والفساد والعهر والذعارة والإدمان.
بل قام صاحبنا محسن على جمع خصال الكفاح مع الدنيا والصبر من أجلها وإن أغلقت الأبواب وأوصدت،  فعمل واشتغل وملأ فراغه كي لا يسقط في براثن فتنة العطالة والخواء و الفساد والإفساد  المخزني. كلها مخططات ومساعي دول الديكتاتورية بفعل  صهيوني وغربي متفق عليه للحفاظ على ديمومة السلطة والقوة المسكتة للشعب المطالب بحقه.
فشل الماكنة المخزنية الأولى
لكن حين يفشل المخزن خصوصا بعد مرور فترة الثورات في توظيف ماكنة السيطرة  العقلية والنفسية لتخريب روح الحرية والحسن والفكر والصدع والفطرة الغاضبة-الماثلة في عمق كل المغاربة -استبدل الاستكبار المغربي والدولة العيمقة الماكنة المخزنية المخربة للنفوس بماكنة من نوع آخر،  لا تخرب عقلا أو نفسا بل تطحن الجسد بعقله ومخه وقلبه، وتدرس أعضاء الإنسان الذي كان يصرخ بها درسا ..لتقول الماكنة المخزنية الجديدة :
”  إن فشلنا في تخريب وتدمير عقول ونفوس  الأجيال بالماكنة التخريبية الأخلاقية الأولى،  فهاهي ماكنة الطحن وماكنة الإفناء الكلي الشامل المستوردة غرببا صالحة لكل من تجرأ على القيادة والصراخ في وجهها والإطاحة من قداستها التي تنبعث قوتها من القداسة البابوية الكبرى. ”
الماكنة الطاحنة صناعة جديدة
كنت أود اكتشاف ماهية هذه الماكنة المخزنية الجديدة التي لا تبق ولا تذر، فإذا بي وجدتها صناعة زبالة طاحنة غربية استعمارية غشومة حقودة غالبة، استوردتها الدولة المغربية كباقي الدول الديكتاتورية  بعد العشرات من المشورات مع مخترعي الماكنة للقضاء على أي صوت صرخ يقول : نريد التغيير. وهنا سؤال. …
هل المطلوب من استيرادها، من أجل جمع الأزبال وتنظيف الطرقات من أجمل بلد البيئة المحتضن لمؤتمر البيئة 2022 ليعود المغرب في مصاف الدول المتقدمة؟
هل هي آلة لجمع الزبالة وتنظيف المدن والقاذورات؟
أم ديدن وغاية استيرادها وجلبها من مصنع الاستكبار العالمي هو جمع ما بقي من الصارخين في وجه الباطل وجمع ما بقي من الرافضين لسياسة التحكم الجماعي والتوغل السلطوي والعض الهريري على كراسي الأساطير الميامين؟
بصراحة ووضوح إنها ماكنة واحدة توظفها الحكامة الغبية  والقادة المغفلون من أجل قمع الشعوب، ولي عزائمهم عن التغيير ونشدان الحرية مطلبا.
إنها ماكنة كان صانعها واحد  يصدرها في بداية الأمر على شكل خطط وبرامج تخريبية للأجيال،  كي لا تقرأ وتفهم فتعي فتطالب فتغير، فتمنع الثروات من قسمتها مع الاحتلال أو الاحتقلال بعدما كانت ثروات البلاد مرعى للغالب بحكم المغلوب.
لكنها بعد الفشل في تكميم أفواه الصداحين بالحق جاءت ماكنة ثانية مصدرها مستكبر عالمي يريد أن يحافظ على ثرواته وتوازن النظام، فأرسلها ماكنة جديدة مهمتها  طحن العقل والجسد معا لضرب كل من صرخ أورفض أوشجب أو زعزع منتوجاته الحكامية الحاكمة في الدول الديكتاتورية العربية التي تقاسمه خيرات بلادنا.
فيستورد النظام المغربي من المستكبر العالمي ماكنات مختلفة الأشكال ملموسة وغير ملموسة، برامج إعلامية وتعلمية فاسدة، أو هراوات مدججة،  أو جنود وساسة وقياد، تعلموا في مدارس الاستكبار والإحتقلال كيف يرهبون الشعب ويحبسون أنفاسه ويفنون ما فضل من جسده وشحمه ولحمه، ثم وضعه في أكياس قمامة، أو ضمه إلى شاحنة زبالة كسمك السردين.
عسى حكم الانفراد ودنيا السلطة و الأعتاب تنفك منه بلا أتعاب وإتعاب وعتاب.
محسن خلف محسنين
بعد استعمال آلة الطحن الجديدة، وإدخال ما يسمونه في حقل لغتهم “زبالة الإنسان ” المكرم من سبع سماوات في ماكنة الطحن كما في تصورهم وحسب تربيتهم، طحنوا الإنسان عفسا وقتلوا الإنسان سفكا،  ودرسوا الإنسان قهرا، ومزقوه شلوا ممزعا.
لكنهم بعد كل هذا لم يطحنو إرادته ومبادئه وقوته. وإن قتلوا محسن فكري وقطعوه إربا إربا فقد خلف وراءه الآلاف من محاسن الفكر والأفكار.
مثل هذه النماذج  لا ترضى  الضيم ولا تقبل الإهانة والاستحمار، بل ترك محسن فكري شعبا مبادئه صلبة وعزيمته لا تنخرها الآلات المخزنية عبر السنين والقرون.
بل ظنوا أنهم مانعتهم من الصراخ والصدع بالحق، ماكنات زبالة مستوردة،  فإذا بطحن وإفناء روح رجل خلف ميلاد الآلاف من أمثال محسن فكري، وعبد الوهاب زيدون، وكمال العماري، وشهداء حسيمة الأربعة الذي قتلوا حرقا وشهداء فيضانات  طانطان ..دون أن ننسى مولات البغرير والجندي المتقاعد الذي مات حرقا ببرشيد الذي قال له العامل ” سير انت حشرة “.
أحداث  هؤلاء الأشاوس عبرت عبر السنين عن مواقف أنتجت سخطا وغضبا شعبيا متراكما يردد دوما بالفم الملآن : ما دامت أسباب الحراك  من فساد وحكرة حاضرة ومتوغلة في البلاد ..فالوضع ممكن أن ينفجر في أي وقت.
سنة الله

لكن الغباء عوض الصدق والصفاء، يتلكأ ويستنكف عن الجادة الطريق صلفا وتكبرا وتجبرا، ولا يستفيد أبدا من التاريخ البوعزيزي وأن سنة الله هي الجارية في الكون وهي المحكمة من قبل الله، ولا يعتبر أن الظلم مهما بلغ أشده فإنه إلى هوان وانحطاط فهلاك.
وإن الحق لا يغلب عليه مادامت هناك جهود تغيير، ونكران لمنكر رذيل وصوت صداح يقول بلسان فكري :  اقتلوني ومزقوني فقد تركت شعبا يحسن التعامل مع مبادئي ويبدع في فكر التغيير والصمود والعدالة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى