في الحاجة إلى التربية الإسلامية
تشكل مادة التربية الإسلامية جزء لايتجزأ من المنهاج الدراسي بمختلف أسلاك التعليم الأساسي، بل إن وجودها داخل المنظومة التعليمية أصبح يعد أحد المعالم الأساسية لهذه المنظومة، بالنظر لما تضطلع به من أدوار أساسية في إمداد المتعلمين من الناشئة بالمضامين والمحتويات المعرفية اللازمة حول الهوية الدينية والثقافة الإسلامية، وكذا في تربيتهم على القيم الأخلاقية السمحة للإسلام.
إن هذه الوظيفية القيمية التهذيبية التي تضطلع بها مادة التربية الإسلامية هي التي تمنحها هذه المكانة الاعتبارية داخل المنظومة التربوية، لاسيما في مرحلة سوسيولوجية حرجة تمر منها مجتمعاتنا تتميز بالتبرم من القيم وبروز نزوعات سلوكية لدى فئات واسعة من الشباب من شأنها ان تهدد تماسك المجتمع وقيمه، تتمثل في الانتشار الواسع للإدمان على المخدرات والعنف والجريمة والفساد الأخلاقي… مما يجعل مساءلة المدرسة المغربية والمنظومة التربية ككل، عن مدى إسهامها في تربية الناشئة والحفاظ على القيم، من الأمور الملحة، بل هو حجر الزاوية في أي عملية تقويم أو إصلاح للمنظومة التربوية، وإذا كان الجميع يقر بأزمة التعليم في المغرب والمعضلات التي تمر منها المدرسة المغربية وفي العمق منها أزمة القيم واضمحلال الوظائف التربوية التهذيبية للمدرسة، فإن الجميع لايمكنه أن يجادل في الدور الفاعل للتربية الإسلامية في اكساب المتعلمين الحد الأدنى من الكفايات القيمية والأخلاقية، حيث بكفي ان تسأل عينات من التلاميذ عن سبب عدم تعاطيهم للمخدرات أو سبب تركهم لها فيجيبك بأن الباعث الديني كان هو الحافز الأقوى ثم تليه الدوافع الاجتماعية، والأمر نفسه تجده في تتبع قضايا أخرى.
هذا رغم الصعوبات والمعيقات التي تعيشها المدرسة المغربية من اكتضاض ورداءة المرافق وغياب الوسائل الديداكتيكية وقلة الأطر التدريسية، وهو وضع ينعكس على جودة التعلمات لمختلف المواد الدراسية ويجعل من الصعب جدا تحقيق مستويات مقبولة من الجودة والفاعلية، مما يجعل من إصلاح المنظومة التربوية وتأهيلها قضية ملحة تستدعي تعبئة مجتمعية شاملة لإنجاحها. ويقتضي إنجاح ورش إصلاح التعليم القطع مع منطق الإصلاحات العرجاء التي اعتمدت منذ الاستقلال، وكان آخرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي أعاد إنتاج الفشل وأجهز على معظم المكتسبات التي راكمتها المدرسة المغربية، كما يقتضي الابتعاد عن المنطق الإديولوجي الضيق سواء في بلورة التصورات العامة للإصلاح أو في تنزيلها، ومن جملة ذلك النهوض بمادة التربية الإسلامية باعتبارها رافعة أساسية لإصلاح المنظومة التربوية وأحد المداخل الأساسية لإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية باعتبارها حاضنة للقيم والأخلاق السامية للمجتمع.
إن أي إصلاح جديد لايمكن أن يحقق النجاح المطلوب بدون استراتيجية شاملة ومندمجة في مجال التربية على القيم، ومادام المجتمع المغربي يستمد قيمه أساسا من هويته الإسلامية التي تسمو على كل الهويات الأخرى، فإن تمكين مادة التربية الإسلامية من كافة المستلزمات البيداغوجية والمادية والاعتبارية من شأنه أن يحقق نسب نجاح عالية في هذا المسعى، ومن جملة ما يقتضيه ذلك من إجراءات عاجلة:
-إعادة النظر في طريقة التعامل مع المادة في كافة أسلاك التعليم الأساسي باعتبارها مادة تلقن مضامين ومحتويات معرفية تتسم بالكثافة أحيانا إلى تغليب الوظيفة التخليقية والتهذيبية والقيمية والانفتاح على المجتمع.
-حسن اختيار مدرسي المادة ممن يجمعون بين الكفاية المعرفية والأخلاق الفاضلة والقدرة على التواصل مع الأجيال.
-اعتماد مبدأ التفويج في تدريس المادة بحيث لا يزيد عدد التلاميذ داخل الفصل على 20 تلميذ في أقصى الظروف والأحوال، لتمكين الأساتذة من وظيفة التتبع الفردي للتلاميذ تحصيلا وتمثلا ليس فقط فيما يتعلق بمادة التربية الإسلامية بل في مختلف عناصر العملية التعليمية.
-إعطاء مادة التربية الإسلامية مدى أوسع من فضائها المكاني والزماني حسب ما تقتضيه خارطة القيم المطلوب تمثلها وتحصيلها، بحيث قد يتطلب الأمر بين الفينة والأخرى أعمال وزيارات ميدانية لمؤسسات اجتماعية معينة في إطار انفتاح المدرسة على محيطها من قبيل: الإصلاحيات، المستشفيات، المساجد، المؤسسات الخيرية، المكتبات، الأسواق التجارية، وغيرها…
إن النهوض بمادة التربية الإسلامية وإصلاح مناهجها لا يتحقق بتكثيف المحتويات المعرفية، أو تخفيفها فقط، أو بالقيام بعملية غربلة لمضامينها وتكييفها مع مقتضيات إديولوجية وإملاءات خارجية، فهذه المقاربات الانتقائية و الاستهدافية لا يمكنها أن تحقق إلا نتائج عكسية. إن المطلوب هو استثمار القوة المعنوية الهائلة لمادة التربية الإسلامية، تلك القوة التأثيرية الناعمة من حق المغاربة استثمارها في تربية أبنائهم وتنشئتهم على معاني الفضيلة ومكارم الأخلاق بناء على مقاربة بيداغوجية تشاركية مندمجة تسهم في الحد من نزيف القيم والانحرافات التربوية والسلوكية التي صارت عنوانا لمجتمعات العولمة والحداثة.