القانون الانتخابي الجديد في تونس بين رفض وقبول متحفظ
أثار القانون الانتخابي الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد، منتصف سبتمبر/ أيلول المنصرم، عدة ردود فعل في الساحة السياسية بين رفض وقبول بتحفظ.
وأعادت ردود الفعل رسم المشهد السياسي، كما بدا عشية الاستفتاء على الدستور، مع تغيرات طفيفة.
ففيما قبلت الأحزاب المؤيدة للرئيس القانون الانتخابي الجديد، مثل حركة الشعب (ناصري 15 نائبا في البرلمان المُحل)، والتيار الشعبي (ناصري)، وحركة تونس إلى الأمام، عبرت الأحزاب المعارضة عن رفضها للقانون الانتخابي الجديد.
رفض الأحزاب الوازنة
رئيس جبهة الإنقاذ الوطني أحمد نجيب الشابي، قال في مؤتمر صحفي، إن “القانون الانتخابي الجديد جاء ليحُدّ من حرية المشاركة في الانتخابات التشريعية”.
وأضاف الشابي: “كل الظروف تؤكد أن هذا القانون غير صالح لإفراز هيئة ممثلة (برلمان) باستثناء أنه سيكرس نظام قاعدي يسعى قيس سعيد، لبنائه”.
وأعلن 12 حزبا مقاطعة الانتخابات التي ستعتمد القانون الانتخابي الجديد، وهي: النهضة ( 53 نائبا)، وقلب تونس (28 نائبا)، وائتلاف الكرامة (18 نائبا)، وحراك تونس الإرادة، والأمل، والجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي (22 نائبا)، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والدستوري الحر (16 نائبا) وآفاق تونس (نائبان).
التصويت على الافراد وسحب الوكالة
وأجرى الرئيس سعيد، في 15 سبتمبر، تعديلات على القانون الانتخابي الصادر في 2014، باعتماد طريقة الاقتراع على الأفراد عوضا عن القائمات، واعتماد مبدأ سحب الوكالة، وتقليص عدد النواب من 217 إلى 161، منهم 10 نواب عن الجالية بالخارج.
يذكر أن عدد الدوائر الانتخابية في القانون الانتخابي قبل تعديله كانت 33 دائرة، منها 6 دوائر للجالية بالخارج، ويجرى التصويت على الأفراد على دورتين.
وفي جدول ملحق بالمرسوم 55، وضح سعيد، عدد النواب وفق المعتمديات (الدوائر)، حيث منح بعض المعتمديات نائبا واحدا، في حين جمع معتمديتين فأكثر في نائب واحد في وضعيات أخرى.
يذكر أن البلاد تنقسم ترابيا إلى 282 معتمدية، تتوزع على 24 ولاية (محافظة) ويوجد أكبر عدد من المعتمديات في ولاية تونس العاصمة (21 معتمدية) فيما يوجد أقل عدد من المعتمديات في ولايات أريانة (شمال العاصمة)، وزغوان (جنوب العاصمة)، وتوزر (جنوب غرب) بـ 6 معتمديات فقط لكل ولاية.
ـ الاقتراع “الفردي” على دورتين
زهير حمدي، أمين عام حزب التيار الشعبي، قال للأناضول، “نحن مع المرسوم، ونحن من قبل (صدوره) ندعو الى اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين”.
وأضاف حمدي، “نحن مع تشديد شروط الترشح، وهذا يلبيه المرسوم لمنع تسرب ذوي الشبهة، ومن لهم سجل عدلي غير نظيف وذوي السوابق من الترشح”.
وأشار إلى أن هذا الشرط “لم يكن موجودا من قبل، وهو من أسباب الأزمة في البرلمان السابق، حيث كان يترك من هب ودب يدخل البرلمان بصفة متعمدة”.
وتابع حمدي: “اشتراط بطاقة السوابق العدلية مسألة مهمة، وكذلك مسألة إبراء الذمة من ديون الجباية، فلا يمكن لمن هو متهرب من الجباية أو فاسد أن يشرِّع قوانين للتونسيين”.
واعتبر أن “شرط الإقامة مهم، لأن النائب يشترط فيه القرب من ناخبيه لكي لا يكون مُسقطا عليهم”.
ولفت إلى أن إقرار سحب الوكالة في القانون الانتخابي الجديد “مهم، لأن الانتخاب يُعد تفويضا لشخص لخدمة الناس، ونادينا بهذا منذ سنوات، فإذا أخلّ نائب بالتزاماته تسحب منه الوكالة، بضوابط وشروط صارمة، وليس بطريقة فوضوية، ليكون جديا وملتزما بواجباته”.
– نقائص
إلا أن هذه الإيجابيات وفق، أمين عام حزب التيار الشعبي، لا تُخفي وجود نقائص، على غرار “مسألة تقسيم الدوائر (161 دائرة) فيه إشكاليات، ربما لم يكن مقسما بشكل جيد، وكان يمكن تدارك تقسيم الدوائر بمراعاة العدالة الديمغرافية في تقسيم الدوائر”.
وأوضح قائلا: “هناك دوائر انتخابية لكل 100 ألف ساكن، وأخرى لـ20 أو 30 ألف ناخب، فليس هناك توازن”.
وأردف: “كان يمكن التروي أكثر في تقسيم الدوائر، وهذه من الهنّات (الأخطاء) في القانون الانتخابي”.
كما انتقد اشتراط 400 تزكية للترشح، قائلا: “كان يمكن اشتراطها، لكن ليس بهذه الصفة، خاصة وأن الفترة قصيرة”.
وأردف: “بقدر ما تضمن الجدية، وتُنقص من الترشحات غير الجدية، (إلا أن) فيها شططا، خاصة في دوائر الخارج، لأن هناك دول ليس فيها 400 ناخب (تونسي)”.
وتحفّظ حمدي، على غياب التمويل الحكومي للمترشحين قائلا “التمويل العمومي يحد من المال الفاسد ويضبط قليلا الانتخابات، ولكن منعه ربما يقلق، لأن البعض ليس له إمكانيات، ومن حقه الترشح”.
واستطرد: “من واجب الدولة تمويل الحملات الانتخابية، لكي لا يتم اللجوء إلى رجال الأعمال أو إلى الفاسدين، وهي إحدى الإشكاليات، وكان يمكن الابقاء على النظام القديم في التمويل العمومي”.
وحول تأثير هذه النقائص على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، قال حمدي،: “سنشارك، وربما ندخل في تحالف، لأن نظام الاقتراع على الأفراد والصعوبات التي توجد فيه تتطلب أكبر تحالف ممكن للدخول في الانتخابات القادمة، وتحقيق ما نصبو إليه”.
وأضاف: “من مزايا هذا النظام الانتخابي، أنه يفرض على الأحزاب أن تتوحد وتدخل في ائتلافات كبيرة لتحقيق الفوز”.
وبخصوص ما إذا شرع التيار الشعبي في إجراء اتصالات سياسية لبناء تحالف انتخابي مع أحزاب أخرى، كشف حمدي أن هناك اتصالات انطلقت “وهناك تقدم في هذا الاتجاه”.
قانون “مدمر” للعملية الانتخابية
أستاذ القانون الدستوري، عضو جبهة الإنقاذ الوطني جوهر بن مبارك، قال للأناضول “بصفتي السياسية، نحن نرفض العملية برمتها، ونعتبر أن الدخول في نقاش تفاصيل المرسوم الذي أنزلته سلطة الانقلاب أمر غير مجد سياسيا، وما يجدر بنا أن نعلق على مضمون هذا المرسوم”.
وأضاف بن مبارك: “نحن نرفض المسار، ونعتبر أن الانتخابات القادمة التي سينظمها قيس سعيد، الهدف منها تثبيت الانقلاب، وضبط مساحات سياسية يتحرك فيها، لإضفاء نوع من الشرعية الانتخابية التي حاول كسبها في الاستفتاء وفشل”.
وتابع: “الآن يحاول (سعيّد) أن يضفي نسبة أخرى من الشرعية على حكمه، ونحن نرفض العملية”.
وفي سياق متصل، قال بن مبارك، “بصفتي أستاذ قانون دستوري، أعتبر أن المرسوم الانتخابي مدمر للعملية الانتخابية”.
وبرر ذلك بأن “المرسوم إقصائي، بمعنى أنه ضرب بعض المكتسبات الأساسية التي حققتها عشرية الانتقال الديمقراطي”، خاصة في تمثيل المرأة، ومكسب تمثيل الشباب.
وأوضح بن مبارك، أن “نظام الاقتراع على الأفراد في دوائر صغيرة سيؤدي إلى تشتيت المشهد البرلماني، وخلق سلطة تشريعية مكونة من نواب لا رابط سياسي بينهم، بالتالي سيجعل من العمل التشريعي مسألة في غاية الصعوبة”.
وتابع: “هذا القانون يضعف العمل التشريعي والسلطة التشريعية، وهذا يندرج في إطار سياسة قيس سعيد، وتصوره لهندسة السلطات في البلاد، أن تكون السلطة التشريعية ضعيفة ومشتتة”.
وتوقع بن مبارك، أن “نظام الاقتراع في الدوائر الصغيرة الشيء الوحيد الذي سينتجه تطوير النعرات الجهوية والمحلية والعروشية (القبلية) وكذلك المال السياسي الفاسد باعتبار قدرة الأشخاص على المنافسة في دوائر صغيرة يتحكم فيها الأعيان المحليون سواء كانوا أعيان العائلات الكبرى أو أعيان التهريب والفساد.”
وتابع: “من جهة أخرى التقسيم الترابي في القانون الانتخابي سيؤدي إلى التطاحن ونوع من الحرب الأهلية، فعدد النواب في الداخل 151، ولنا 282 معتمدية، بمعدل نائب عن كل معتمديتين سيؤدي ذلك إلى تشاحن وتطاحن كبير بين المعتمديات”.
وقال بن مبارك، “كل ذلك في وضعية اجتماعية وسياسية مشحونة، هذا القانون الانتخابي سيؤدي إلى كارثة”.
واعتبر أن “الأهم من النقائص، انتخاب برلمان فاقد الصلاحيات، مهمته التشريعية مجتزأة، فالمجلس التشريعي يشرع لثمانية أشهر، ورئيس الجمهورية يُشرّع لأربعة أشهر، وهذا موجود في الدستور الذي يقول إن المجلس التشريعي يُشرّع خلال الدورة النيابية، وخارج الدورة النيابية يتم التشريع بالمراسيم”.
وجاء في المادة 73 من الدستور “لرئيس الجمهورية أن يتخذ خلال عطلة المجلس، بعد إعلام اللجنة المختصة، مراسيم يقع عرضها على مصادقة مجلس نواب الشعب، وذلك في الدورة العادية الموالية للعطلة”.
وأضاف بن مبارك: “كل القوانين التي يمكن ألا تمر في البرلمان، ينتظر الرئيس العطلة البرلمانية، وتخرج في شكل مراسيم”.
وكالات