دولي

عام 2021.. هل يكون نهاية الديمقراطية في تونس

انطلق عام 2021 بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، لوزير الداخلية توفيق شرف الدين، المقرب من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في 5 يناير/ كانون الثاني.

وفي 16 يناير، تم الإعلان عن تعديل وزاري شمل 11 حقيبة، حيث تم إنهاء حالة الشغور في وزارات الداخلية، والشؤون المحلية والبيئة، والثقافة.

وجرى تعيين وزراء جدد في وزارات: العدل، وأملاك الدولة والشؤون العقارية، والصحة، والصناعة، والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، والتكوين المهني والتشغيل، والشباب والرياضة.

** الرئيس يرفض المصادقة على التعديل الوزاري

بينما اعتبر المشيشي، في مؤتمر صحفي، أن “الحاجة إلى الانسجام الحكومي اقتضت هذا التعديل لمواصلة العمل بتفانٍ في الفترة المقبلة”، فإن الرئيس سعيّد، لم يصادق عليه ولم يسمح للوزراء الجدد بأداء اليمين الدستورية أمامه، كما يقتضي القانون حتى يتولى الوزراء مهامهم.

وخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، في 25 يناير حضره المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وعدد من الوزراء، قال سعيّد، إن التعديل الوزاري “لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور، وتحديدا الفصل 92”.

وينص الفصل 92، بحسب سعيد، على “ضرورة التداول في مجلس الوزراء، إذا تعلق الأمر بإدخال تعديل على هيكلة الحكومة”.

وأشار الرئيس التونسي، إلى أنّ بعض الأسماء المقترحة في التعديل الوزاري متورطة في قضايا أو لها ملفات تضارب مصالح، وبالتالي لا يمكنها أداء اليمين.

ورغم مصادقة البرلمان على التعديل الوزاري في جلسة 26 يناير، فإن الرئيس سعيد استمر في رفض تأدية الوزراء لليمين الدستورية أمامه.

** احتجاجات “لإرباك الحكومة”

وبالتوازي مع أزمة التعديل الوزاري شهد منتصف يناير، اندلاع احتجاجات ليلية في أحياء بالعاصمة تونس وعدة محافظات، لم ترفع شعارات مطلبية أو سياسية خلالها، ما دفع متابعين للشأن السياسي بترجيح وقوف جهات ما وراءها.

إذ اعتبر المحلل السياسي سالم بولبابة، في حديث سابق مع الأناضول، أنه “لا يمكن الحديث عن حراك اجتماعي، بل هناك عمليات نهب وتخريب منظمة، من خلال استهداف بعض المؤسسات التجارية، أو طبيعة الأشخاص الذين تم اعتقالهم”.

أما الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، عميد الجيش المتقاعد مختار بن نصر، فقرأ الاحتجاجات الليلية، بأنها “موجهة لإرباك المسيرة الحكومية، والمسار الديمقراطي”.

وأوضح بن نصر، في حديث للأناضول، حينها أنه “ربما تُغلف (الاحتجاجات) بكونها مطالبات اجتماعية نظرا للضيق الاقتصادي والفقر، وهذه حقيقة، لكن ذلك لا ينطلي على أحد، نظرا لتزامنها وانخراط العديد من صغار السن في هذه المسيرات التخريبية الليلية، التي شهدنا مثلها في 2013 و2014”.

وتم توقيف 632 شخصا، تراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة، قالت وزارة الداخلية إنهم شاركوا في “أعمال شغب” بالعاصمة ومناطق أخرى.

** انهيار المنظومة الصحية أمام كورونا

وبالتوازي مع الأزمة الاجتماعية والسياسية بدأت موجة فيروس كورونا تكتسح البلاد، إذ انتقلت الوفيات من 56 وفاة يوميا مطلع يناير إلى 81 وفاة يومية نهاية أبريل.

وانطلقت أول حملة تطعيم في 13 مارس، استهدفت الكوادر الطبية وشبه الطبية التي تواجه الفيروس في الخط الأمامي، بعد وصول 30 جرعة من لقاح “سبوتنيك” الروسي.

ومع بداية يوليو/ تموز، تجاوز رقم الوفيات حاجز 100 وفاة في اليوم، فيما تجاوز عدد الإصابات في اليوم 5 آلاف.

وفي 8 يوليو، أعلنت متحدثة الوزارة، نصاف بن علية، انهيار المنظومة الصحية أمام جائحة كورونا، وقالت في تصريحات صحفية: “تونس تواجه صعوبات في توفير الكميات الضرورية من الأكسجين للمرضى”.

وأضافت بن علية: “المنظومة الصحية للأسف انهارت، وحاليا نجد صعوبة في إيجاد سرير لمريض في المستشفيات (..) المركب بصدد الغرق”.

وسجلت البلاد في اليوم التالي 8 آلاف و509 إصابة، أما أعلى عدد وفيات فسجل في 24 يوليو، عشية إعلان الرئيس سعيد إقالة الحكومة وتعطيل عمل البرلمان.

وتوفي يومها 317 فردا جراء الإصابة بالفيروس، إلا أن عدد المطعمين لم يتجاوز مليونين و420 ألفا و468 شخصا، من أصل 11 مليونا و700 ألف نسمة، وفق بيانات وزارة الصحة.

وإلى غاية 25 يوليو، لم يتم تنفيذ سوى حملة وحيدة واسعة للتلقيح في عيد الأضحى الموافق 20 يوليو، رغم وصول أكثر من 3 ملايين جرعة لقاح أغلبها مساعدات صحية من عدة دول.

وتعرضت هذه الحملة إلى انتقادات واسعة رسمية وشعبية، نتيجة لما شابها من فوضى، أقيل على إثرها وزير الصحة فوزي مهدي.

** استمرار أزمة البرلمان

وفي الوقت الذي كانت البلاد تواجه فيه تصاعد جائحة كورونا، استمرت محاولات كتلة “الحزب الدستوري الحر”، لتعطيل أعمال البرلمان.

ودفع ذلك رئيس البرلمان، إلى تقديم دعوى قضائية ضد أعضاء الكتلة، نهاية يونيو/حزيران، بحسب تصريح نائب وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية بالعاصمة تونس، محسن الدالي.

وأفاد الدالي، للأناضول، إن “النيابة العمومية أحالت الدعوى إلى وحدة أمنية مركزية (لم يسمها) لإجراء الأبحاث الأولية اللازمة بشأنها”.

ففي 29 يونيو، أُجبر البرلمان على نقل جلساته من مقره الرئيسي إلى الفرعي، بسبب دخول عبير موسي، رئيسة كتلة “الدستوري الحر” في اعتصام بقاعة الجلسات العامة بالمقر الرئيسي، رفضا لاتفاقية بين تونس وقطر.

كما تعمدت موسي، استعمال مكبرات الصوت داخل قاعة جلسات البرلمان للتشويش على أعمال المجلس.

** زلزال 25 يوليو السياسي

مساء الاحتفال بالذكرى 64 لعيد إعلان الجمهورية، أعلن الرئيس قيس سعيد إجراءات ستمثل منعرجا في مسار الانتقال الديمقراطي والثورة التونسية.

وبعد يوم من المظاهرات الذي شارك فيها مئات مطالبين بإسقاط المنظومة السياسية بكاملها بما فيها الحكومة والبرلمان، أعلن سعيّد خلال اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء المشيشي، من مهامه، على أن يتولى بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها.

رئيس البرلمان، رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي، توجه فجر 26 يوليو إلى بوابة البرلمان التي أغلقتها دبابة عسكرية، واعتبر ما قام به الرئيس سعيد، “انقلابا على الثورة والدستور”.

ورفض حزب قلب تونس إجراءات سعيد، واعتبرها “خرقا جسيما للدستور”، أما الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، فوصف ما حدث بأنه “انقلاب”.

ورفض “ائتلاف الكرامة” قرارات سعيد، ووصفها بأنها “انقلابية”، ودعا الشعب “للدفاع عن حريته وثورة شهدائه”.

حزب “التيار الديمقراطي” عارض تأويل سعيد للفصل 80 من الدستور، ليتفهم الإجراءات بعدها بيومين، أما حركة الشعب، شريك التيار في الكتلة الديمقراطية بالبرلمان، فرحب بالإجراءات الجديدة واعتبر أنها “لم تخرج عن الدستور”.

عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، رحبت بقرارات سعيد، ودعت إلى “إصلاح جذري”.

وأجرى سعيد عدة إقالات لوزراء وولاة، شملت إجراءات بفرض إقامة جبرية على نواب ومسؤولين سابقين منهم القيادي في “النهضة” الوزير السابق أنور معروف، والرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب، كما شملت الايقافات نوابا آخرين.

وتم غلق مكتب قناة “الجزيرة” القطرية في العاصمة التونسية، وقناة “الزيتونة” (محلية) المعارضة لقرارات الرئيس.

** الرئيس يعزز صلاحياته

في 22 سبتمبر/أيلول، قرر سعيد، إلغاء “هيئة مراقبة دستورية القوانين”، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتوليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة، في تعزيز لصلاحياته على حساب البرلمان والحكومة.

وعبرت عدة أحزاب عن رفضها لخطوة سعيد الجديدة، وفي بيان مشترك قالت أحزاب “التيار الديمقراطي”، والحزب “الجمهوري”، و”التكتل من أجل العمل والحريات”، وحزب “آفاق تونس” قالت إن رئيس البلاد فقد شرعيته بـ”خروجه عن الدستور”، معلنة جهودا متواصلة “لتشكيل جبهة مدنية سياسية تتصدى لهذا الانقلاب”.

وقبل 4 أيام من إعلان سعيد قراراته الجديدة، خرج مئات في مظاهرة بالعاصمة التونسية، لرفض المسار الجديد، والمطالبة بالتمسك بالدستور.

ودعت لهذه المظاهرات “حملة مواطنون ضد الانقلاب”، وهي حراك مستقل رافض للإجراءات الجديدة، تقوده شخصيات مستقلة، أبرزها أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، والناشط الحبيب بوعجيلة.

ونفذت حملة “مواطنون ضد الانقلاب” عدة مظاهرات بالعاصمة وبعض المدن شارك فيها الآلاف، واعتبروا أن حراكهم جاء ردا على قول الرئيس إنه يُنفذ “رغبة شعبية جامعة للتغيير ووضع حد للفوضى”.

** قلق خارجي وتعيين حكومة بودن

لم يتأخر الرد الرئاسي على القلق الذي عبّرت عنه دوائر خارجية أهمها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عبر المتحدث باسم خارجيتها نيد برايس، في 25 سبتمبر/أيلول، عن قلق واشنطن من تواصل “التدابير الاستثنائية” للرئيس سعيّد.

وأعربت الخارجية الأمريكية عن تطلعها “لتشكيل حكومة في هذا البلد تلبي تطلعات مواطنيه وإلى صياغة خطة ذات جدول زمني واضح لعملية إصلاح شاملة”.

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس التونسي تشكيل حكومة بقيادة الأكاديمية نجلاء بودن، ضمت 8 وزيرات من إجمالي 24 حقيبة وزارية، مقابل 5 وزيرات في الحكومة السابقة، مسجلة عودة وزير الداخلية توفيق شرف الدين.

** خارطة طريق

إلا أن التحركات الاحتجاجية لحملة “مواطنون ضد الانقلاب” استمرت لتنظم وقفة شارك فيها آلاف قرب مقر البرلمان في 14 نوفمبر.

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول، شهد شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، تظاهرة احتجاجية أخرى عقب 4 أيام فقط من إعلان الرئيس سعيد، عن خارطة طريق.

وتمثلت خارطة الطريق في مواصلة تجميد أنشطة البرلمان، وإقامة استفتاء الكتروني في 25 يوليو المقبل، وانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022، وفق قانون انتخابي جديد، الأمر الذي رفضته أغلب الأحزاب.

ويرجح مراقبون أن تتماشى خارطة الطريق مع ما يهدف إليه سعيد، من إقامة حكم رئاسي ونظام سياسي “قاعدي مجالسي”، يقطع مع منظومة الديمقراطية التمثيلية المتعارف عليها.

ويرى المتمسكون بدستور 2014، أن سعيّد، يسعى بدعم من قوى خفية إلى غلق قوس الديمقراطية، الذي فتحته “ثورة الياسمين” (17 ديسمبر 2010 – 14 يناير 2011)، وإقامة حكم تسلطي.

وكالات

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى