العشر من ذي الحجة: نفحة إلهية لتزكية النفس البشرية
1- استهلال
قال صلى الله عليه وسلم: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً” 1.
فالتماس الأوقات المباركة من الأمور التي لا بد للمؤمن والمؤمنة أن ينتدب نفسه لها ويتحرى ذلك لما لهذه الأوقات والمواسم من فضل وخير يعود عليه بالنفع والأجر وتزكية النفس وتهذيبها وإعدادها للقاء ربها.
يقول الأستاذ عبد الحميد الكتبى: (فالمسلم الصادق الحريص على أمر نفسه.. الطالب لنجاتها.. المجاهد لها.. لحريٌّ به أن يلتمس مواسم الطاعات ليعمل فيها.. ولا يترك للأيام أن تعمل فيه.. فيرتقي بنفسه؛ ينميها.. يزكيها… يُعدّها ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار.. وما ثمَّة غير أصحاب البصيرة ينعمون برحمة الله.. وهم فيها خالدون).
قال الله تعالى في سورة الفجر: والفجر * وليال عشر 2، قال حبر الأمة الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه: (هي عشر ذي الحجة). وبمثل هذا القول قال كل من الإمام مجاهد والإمام مقاتل رحمهما الله تعالى.
2- فضل عشر ذي الحجة
شهر ذي الحجة من الأشهر الحرم التي هي أحب إلى الحق جل وعلا، عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر” 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير” 4.
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء” 5.
قال صلى الله عليه وسلم: “صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة…” 6.
قال ابن رجب: (لما كان الله تعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته في كل عام، فرض الله تعالى على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قَدَرَ على عملٍ يعمله في بيته، فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج).
3- الأعمال المستحبة في ذي الحجة
أ- الإنابة والتوبة إلى الله تعالى
قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 7.
قال أبو شهاب بيده فوق أنفه، ثم قال: “لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده” 8.
ب- القيام بالعمل الصالح
قال الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر”.
ومن هذه الأعمال الجليلة الصالحة الصدقات وإطعام المساكين واحتضان الأيتام والسؤال عنهم وعن الأرامل وذوي الحاجة وغيرهم…
ت- الصيام
عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” 9.
عن حفصة قالت: “أربع لم يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة” 10.
وفي شأن صيام أيام ذي الحجة قال الإمام الجليل النووي رحمه الله تعالى: (إنه مستحب استحبابا شديدا).
ث- يوم عرفة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” 11.
ج- التكبير والتهليل والتحميد
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد” 12.
قال الإمام البخاري رحمه الله: “كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما”.
ح- أداء الحج والعمرة
لقوله صلى الله عليه وسلم: “.. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” 13.
وغير ذلك من الأعمال المستحبة للمؤمن والمؤمن القيام بها في هذه الأيام المباركة تزودا، وتزلفا، وقربة إلى ربه، وحافز المؤمن في ذلك قول الحق جل وعلا: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار 14.
4- خاتمة
قال الإمام الجليل، على بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل).
بقلم يوسف بن بغداد
[1] رواه الطبراني.
[2] سورة الفجر الآية 1.
[3] رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1144.
[4] رواه أحمد والطبراني.
[5] أخرجه البخاري.
[6] رواه مسلم وأحمد والترمذي.
[7] النور، الآية 31.
[8] رواه البخاري.
[9] رواه الإمام احمد و أبو داود والنسائي.
[10] رواه أحمد (6/287)، والنسائي (4/200).
[11] رواه مسلم.
[12] رواه أحمد.
[13] رواه مسلم.
[14] سورة غافر الآية 39.