مقالات

الشباب المغربي بين التجنيد الإجباري والهجرة .. ما خفي أعظم

أولا: الشباب والتجنيد الإجباري

لقد تمت المصادقة مؤخرا بالمجلس الوزاري على القانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية، وقد أجمع مجموعة من المحللين على أن عودة الخدمة العسكرية أو التجنيد الإجباري عودة غير سليمة النية، على إثر السياق الذي جاءت فيه، حيث يشهد المغرب في السنوات الأخيرة عدة هزات احتجاجية يلعب فيها الشباب دورا مهما كونه المتضرر الأكبر من السياسات العمومية التي تنهجها الدولة، والذي يعتبرها غير منصفة له إن لم نقل إقصائية لفئة الشباب، كما ظهر في الآونة الأخيرة إرتفاع منسوب الوعي لدى الشباب خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي سواء انتقادا للوضع المزري أو فضح للمفسدين..، أو من خلال الإعراض عن صناديق الاقتراع ، أو الاحتجاجات الأخيرة بالريف وجرادة..، ثم المقاطعة الناجحة لمهرجان موازين، مهرجان العهر والذل والتي شكلت ضربة قوية للنظام السياسي لن ينساها، ناهيك عن مقاطعة الشركات الثلاثة المعروفة التي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا، لذلك أجمع الكل على أن الهدف الرئيسي من الخدمة العسكرية في هذا الوقت هو تكسير إرادة الشباب من خلال إعادة بناءه على النحو الذي يريده المخزن ليعلم الشباب الوطنية التي يراها مناسبة على مقاسه، من قبيل أن الخروج للاحتجاج بالشارع هو خروج عن الطاعة والملة والدين والقيم السمحة، وأن مقاطعة الانتخابات هي جريمة يجب أن يعاقب عليها كل من ثبتت في حقه لأن فيها إخلال بالنظام العام وتهديد لأمن واستقرار البلاد.

إن اختزال المواطنة والوطنية في إلزام الشباب بالخدمة العسكرية لهو التيهان عن الحلول الجذرية للواقع المر للشباب وهروب إلى الأمام وتأجيل لأزمة خطيرة ومستفحلة للأجيال الصاعدة، فالشباب المغربي بحاجة إلى إرادة سياسية صادقة توفر له الكرامة الانسانية من خلال ضمان وظائف للشغل والعيش الكريم والتعويض عن البطالة وتوفير التغطية الصحية وتعليم مجاني..

إن رهان النظام السياسي على تسكين آلام الشباب عبر إعادة إدماجه بالخدمة العسكرية من خلال تأطير عشرة آلاف شابا سنويا ، سيحد من غليانه وسخطه على الوضع الاجتماعي لهو صرخة في واد وذر للرماد، ففي ظل استمرار الفساد والاستبداد في تبذير المال العام وثروات الشعب فالأمر آيل للزيادة والاستمرار ما دامت لا توجد هناك أي نية حقيقية للإصلاح الجذري للأوضاع، وأن كل ما في الأمر هو استمرار في التعنت ونهج سياسة الآذان الصماء والعصى الغليظة، وتكميم الأفواه..

ويجب ألا ننسى أن القانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية أشارت المادة 5 منه إلى أنه في نهاية الخدمة العسكرية، يدرج المجندون ضمن احتياطيي القوات المسلحة الملكية وفقا للتشريع الجاري به العمل. وبهذا تبقي الدولة على هؤلاء الشباب المنخرطون في الخدمة العسكرية ضمن تعاقد مفتوح وعليهم أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد للعودة للخدمة عند الحاجة.

ثانيا: الشباب والهجرة غير الشرعية

لقد أصحبت الهجرة غير الشرعية هذه الأيام حديث من لا حديث له، وتتصدر العناوين الرئيسية للصحف الورقية والإلكترونية الوطنية، وقد لوحظ أن هناك غليان وظاهرة غير مسبوقة للهجرة غير الشرعية بمظاهر جديدة تمثلت في تصوير قوارب داخل البحر و هي تعبر في أمان وأخذ صور للمهاجرين وهم يعبرون إلى بر الأمان، مع العلم أن عملية الهجرة السرية بالمغرب تخضع للمراقبة وإن عبر قارب للمهاجرين على الأقل يكون ليلا.

 إن لكل هذا سياق دولي تمثل في تصفية حسابات مع دول الاتحاد الأوروبي، وسياق محلي له علاقة بنفس السياق الذي جاءت فيه الخدمة العسكرية، فالسماح بعبور قوارب المهاجرين السريين والترويج لأمر تسهيل العملية، الغرض منه هو تقليص حجم الشباب بالوطن نظرا للعدد الضخم الذي بات يشكله لا كما ولا كيفا.

لذلك أصبح مآل الشباب بالمغرب عند التعبير عن السخط على الأوضاع إما الاعتقال والسجن أو التجنيد الإجباري والعقوبة الحبسية لمن توفرت فيه الشروط ورفض، أو التهجير الاجباري عبر قوارب الموت. أو بتعبير آخر تقديم الشباب وجبة دسمة للحوت، وسيعلم الذين كانوا سببا في انقلاب قوارب الشباب أي منقلب سينقلبون، واعلم يا مسؤول أنه لن يرقد في قبرك غيرك. ” أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ “، سورة يوسف الآية 107.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى