هل أصيب المخزن بإنفلونزا المحاكمات؟
بعد موجة الربيع العربي، وما واكبها في المغرب من تغييرات سطحية حافظت على جوهر الاستبداد والتحكم، وغيرت بعض المواقع و المسميات، كان لزاما على المغاربة أن يجدوا أنفسهم في دائرة ما قبل 20 فبراير. ولئن كان المخزن المستبد بالسلطة والمال قد طور أساليبه في احتواء وإخماد الأزمات وأقنع نفسه أنه قد خرج من عنق الزجاجة، فإنه لم يستحضر أن الشعب المغربي قد تخطى كل حواجز الخوف، وأن الجيل الذي تربى وواكب حركة عشرين فبراير قد تشرب روح الممانعة، و اقتنع بمبادئ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولم يعد يحتمل الفقر والبطالة والتهميش ونهب الثروات…
هذا التحليل ستثمنه وتؤكده وقائع متعددة، و بمناطق جغرافية مختلفة أهمها: حراك الريف،وأولاد الشيخ، وجرادة، وزاكورة، والراشدية…. . ناهيك عن غليان الشارع بالتنسيقيات، ليتوج هذا الحراك الشعبي بمقاطعة منتجات كبدت أصحابها مآلات ما لم يكن في الحسبان. وأمام هذا الوضع المزري، وعوض البحث عن حلول لتجاوز الأزمة المركبة، اختاز النظام المخزني المقاربة القمعية؛ حيث عسكر مناطق الحراك المُطالِبة بضرورات العيش، وزج برموزها في السجون وأثخنهم بتهم لا قِبَلَ لهم بها، لتصل أحكام الاحتجاجات بالمغرب إلى ما يفوق 300 سنة إبان الفترة الممتدة بين 2018/2015. ومن المعلوم أن هذه المقاربة لم تقتصر على مكون سياسي بعينه، بل طالت كل مُطَالِب بحقه أينما وُجد. وعليه فإنني أعتبر كحقوقي، أن رسالة الآلة المخزنية واضحة، مفادها أن النظام الحاكم لا نية له في تحقيق المطالب الحيوية والعاجلة، وأنه عازم على طحن وإسكات كل الأصوات المطالِبة، وهو ما نعايشه على أرض الواقع. وعليه فإنني أعتقد أن الدولة اليوم تهدم آخر ركيزة من ركائز الثقة لدى ألمواطن متمثلة في القضاء. إن الزج بمؤسسة القضاء وتوظيفها كأحد أدوات القمع الناعمة، لَيُنْذِر بالكارثة، ويقوض كل مزاعم الدستور الممنوح الذي هَلَّلَ ولا يزال باستقلال القضاء. إن ما يحدث في المغرب اليوم، قد تخطى كل الحدود، فهاهم 8% من المغاربة يرفلون في ثروات البلاد، و92% منهم يقتسمون البؤس، والفقر، وغلاء المعيشة، والبطالة، ونقص الخدمات الصحية والتعليمية… ولا يسمح لهم حتى برفع مطالبهم عبر التظاهر السلمي. إن وضع مثل هذا مخيف جدا، ولا تُستأمن عواقبه، فالمخزن قد يمتلك القوة على الضغط، لكنه لا يمتلك القدرة على درء الانفجار. إن دوام الحال من المحال، وعلى عقلاء الدولة أن يتدخلوا عاجلا قبل فوات الأوان. اليوم المغرب بحاجة إلى كل قواه الحية من أجل النهوض بالبلد بعد إقرار رموز الدولة بفشل كل مشاريعهم السياسية والاقتصادية والتنموية. الدولة بحاجة إلى: -مصالحة حقيقية مع الشعب، تبدأ بإطلاق سراح جميع المعتقلين.
-فتح حوار جاد ومسؤول حول وثيقة دستورية شعبية.
-تمتيع المواطن بكل حقوقه الطبيعية والمدنية، وحمايتها بالقوانين الزاجرة
-تحرير ثروات البلاد وتوزيعها بالعدالة المطلوبة.
-فصل السلط، بما يمنح الاستقلالية والمسؤولية.
– فصل المال عن السلطة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
إشراك كل مكونات المجتمع في بلورة مشروع اقتصادي تنموي ينخرط في إنجاح الجميع.
-تغليب روح التوافقات عوض المنافسة الانتخابية التي تكرس روح الغلبة.
إن كل تبرم من هذه المطالب ينم على عدم الرغبة في التغيير، كما يؤكد عقلية الهيمنة والاستبداد التي لا تفقه سوى لغة العصا والقمع. وعلى أصحاب القرار أن يقتنعوا بأن عهد الخضوع والانصياع قد ولَّى بغير رجعة، وأن المناخ الدولي وإن كان اليوم يشجع الأنظمة المستبدة على سياساتها القمعية، فإن الشعب يمتلك زمام أمره، وسيعلم المنتظم الدولي عاجلا أم آجلا أن مصلحته مع الشعوب وليس مع الأنظمة المتستبدة. أخيرا، آمل أن يوقف المخزن فيروس انفلونزا المحاكمات، الذي أصاب كل مناطق المغرب، وأن يرفع عسكرته عن الشارع العام، وأن يقدم حلولا واقعية لأزمة أضحت تهدد البلد. فالمغرب بما يمتاز به من خيرات طبيعية وبشرية قادر بأبنائه أن يعود إلى مصاف الدول المتقدمة، إن نحن أعدنا قطار الحكم إلى سكة الديموقراطية الحقيقية.