Personalized knowledge التعليم المشخص
لربما نتحدث عن التعليم في بلدنا بشيء من الدراما على اساس الحسرة التي يحس بها المواطن خصوصا و أن التميز لم يعد يتحكم فيه لا القدرة و لا المجهود و لا الإمكانات العقلية والطبيعية للطفل بقدر ما يتحكم فيه المستوى المادي و المعيشي ،بل قد لا نبالغ اذا ما قلنا أنه احيانا نحتاج حتى المستوى الثقافي للأسرة،قد يتبادر للقارئ وهو على باب مقدمة هذا المقال ان يخطر بباله أشخاص ينحدرون من عائلات فقيرة ماديا و كذلك ليس لهم أي مستوى ثقافي يمكنهم من مواكبة دراسة ابنائهم إن لم تكن تؤول الى الأمية،ومع ذلك نجد الأبناء متفوقين !!!!…اقول نعم ولكنهم للأسف مجرد إستثناء،وسيكون من الإجحاف أن نقيس القاعدة بالإسثناء،ولو أن الكثير و منهم المسؤولون و منهم دون ذلك نجدهم يتشدقون و يتبجحون باستثناءات عرفها المجتمع كطفرات نادرة في محيطنا التعليمي و كأنهم يهدفون الى الغاء المسؤولية عن من يتحملونها ،او أنهم يسوقون لفكرة انما التفوق يمطر من السماء ذهبا على من اصطفاه الله،..لكن الحقيقة المرة و التي لا تحتاج الا الى المنطق الادنى لكل واحد منا هي ان الطريقة التي يصاغ بها ملف التعليم في المجتمع طريقة فيها نوع من العنصرية و الإقصاء بعدما كان التعليم يوما ما موحدا او قريب من الإجماع على جودة واحدة، و كذلك اضيف اليه إعادة الانتاج و جودة الإنتاج التي تتدخل بشكل مباشر في انتاج النخبة الحاكمة خصوصا مع دخول جامعات دولية خاصة على الخط ،..وحتى نعي جيدا الى أي حد نحن نعيش فوضى معرفية فإني ارتأيت في هذا المقال أن أنطلق هذه المرة من الخيال و في الوقت نفسه اعتمد على معطيات معرفية وعلمية نظرية لأرسم في خيالك كيف يجب أن نتوقع نمودج للتطور التعليم في البلدان الرائدة في هذا المجال عزيزي القارئ…وماهي الأليات و الفنيات التي يمكن أن تعتمد في انشاء مدارس نمودجية.
بداية وقبل رسم للمدرسة النمودجية يجب أن نذكر بأقوى الأطروحات و النظريات و التي ساهمت وستساهم بشكل كبير في إعادة صياغة مفهوم التقدم في التعليم و ستنقتصر على ذكر أهم نظريتين واللتان اصيغتا كتجربتين ناجحتين في مجموعة من المدارس،…!!
أولهما طريقة مينتيسوري و التي تعود للطبيبة الإيطالية ماريا منتيسوري و التي خرجت من خلال تجربتها عن المألوف إذ اعتمدت في طريقتها على ابتكار أشياء و اشكال ملموسة كذلك استخدام الحواس بشكل فني لتطوير ملكات الإدراك و كذلك تبسيط وترسيخ المعرفة للمتلقين،والأعجب أن هذه التجربة أعطت نتائج مبهرة مع ذوي الاحتياجات الخاصة على المستوى الإدراكي.
الأطروحة التانية هي نظرية الدكاءات المتعددة لهاوورد كارندر و التي جاءت بمفهوم جديد للإدراك و الدكاء إذ تقوم النظرية على اختلاف الدكاءات من فرد لأخر بنفس الطريقة التي تختلف بها البصمات بين الناس،الشيء الذي طرح فرضية أن التعليم بالطريقة الكلاسيكية قد يتلائم مع دكاءات أطفال في حين انه يقصي أخرين لأنهم يحتاجون لطرق اخرى حتى تكون استجابتهم جيدة.
إن مهمة النظريات و الاطروحات ليس هو الترف الفكري ،بل الهدف منها هو تحويلها لما هو معرفي و تطبيقه على أرض الواقع و انشاء مشاريع تعليمية وتربوية تستند في فلسفتها على الأطروحات و الأبحاث العلمية و تقوم بإخراجها في شكل منظومات وطرق تلقينية للأطفال والتلاميذ،…لكن من خلال هاتين الأطروحتين نلاحظ انهما يعتمدان على التشخيص أي انهما يستهذفان كل فئة بالطريقة الملائمة لها و لا نستبعد أنه في المستقبل سيتقدم الإنسان نحو تعليم تشخيصي لذلك فإني أقترح لنمودجنا الخيالي إسم: التعليم المشخصpersonalized knowledge و التي ستتكون مدرسته من الأتي:
1-الملف التقييمي للطفل او التلميذ.
يحتوي الملف التقييمي على نوعية الدكاء الخاصة بكل طفل و ميولاته و الطريقة المقترحة من الأخصائيين التربويين للمتلقين كذلك عدد الساعات المقترحة لكل طفل بالنسبة لكل مادة ،إذ أن المادة و برنامجها وعدد الساعات تختلف من طفل الى أخر حسب الحاجات و الكفايات التي تحدد له انطلاقا من مكتب التشخيص الموجود بالمدرسة،يحتوي الملف التقييمي كذلك بملحق نفسي واجتماعي يحدد الأليات و العوامل التي يمكن أن تعتمد لكل طفل خلال تحفيزه أوخلال حل المشاكل و النزاعات التي يكون المتمدرس طرفا فيها،.إضافة إلى ملحق عائلي يتضمن معلومات دقيقة حول الثقافة و الإثنية التي ينتمي اليها المتمدرس بالإضافة إلى تشخيص كامل للأسرة التي ينحدر منها ، كذلك يعتمد على مقابلات واستمارات دورية للتعرف على التغيرات التي تطرأ على الأسرة و تأخد بعين الإعتبار خلال فترة تمدرس الطفل أو التلميذ.
2-مكتب التشخيص والتقييم.
وهو امتداد لما يعرف الأن بالإدارة البيداغوجية ،إذ سيصبح مفهوم البيداغوجية مفهوم كلاسيكي عقييم،تم من خلاله إقصاء لكفاءات و دفن كفاءات ومهارات لأنه كان يوجه الى الفئة دون أن يعي أن الفئة المستهذفة تتكون من أفراد تختلف فيما بينها بشكل كبيير،مكتب التشخيص هذا يحتوي على أخصائيين نفسانيين و مشخصي كفاءات وميولات ،إذ يعتمدون في بناء تشخيصهم على تشخيص مسبق يمنح من طرف المشخص المواكب للطفل مند ولادته و الذي يكون من موظفي الدولة،…. وذلك من خلال أن أمما عظيمة قد تتقدم بشكل تصبح فيه لا تسمح بتبدير وضياع الطاقات والكفاءات الكامنة داخل الإنسان المنتمي لحضارتها،و هو يدخل ضمن ما يسمى الكشف عن الرأسمال غير المرئي و استغلاله في اتجاه ما هو كامن بداخله،إضافة إلى أن المكتب يعتمد مقابلات و استمارات وتكنلوجيا ذلك العصر في إعادة التقييم في كل مرة من أجل رصد التغييرات والتعامل معها.
3-القسم النمودجي والقسم المثالي.
القسم النمودجي لا يتجاوز ثمانية افراد و أقصى حد هو في القسم المسمى المثالي و المكون من اثنا عشر فردا،يجمع الأفراد المتقاربين فيما بينهم في الميولات و الكفاءات ،إذ بالرغم من أن كل واحد منهم يستفيد من الوصفة التعليمية الخاصة به إلا أن اجتماعهم في قسم واحد يستغل من أجل تقوية رابط التكامل بينهم وكذلك العمل على تطوير الدكاء العاطفي و العمل على تقوية العلاقات الإنسانية حتى نحفظ للإنسان طبيعته لنتجنب سقوط إلانسان في عقلية الكائن الآلي.
4-الملف الطبي والغدائي
و يتكون من ملف يحتوي على تشخيص طبي كامل للمتمدرس مرفوقا بملف غدائي يراعي تشخيص الملف الطبي،وهو كذلك ملف يعاد تقييمه بشكل دوري لرصد التطور والتغيير.
5-رصد الأهداف
تدخل المدرسة والدولة على الخط مع الأهذاف والأحلام و تتشارك فيها و توجهها مع المتمدرس ،إذتصبح أهذافا معلنة ولا تبقى سرية في ملك صاحبها، فتوضع الخطط و الإستراتيجيات لتحقيقها،و تقوم الدولة في كل بضع من السنوات بتقييم نجاعة فلسفتها في مجال الأهداف المنجزة ،حيث يتم حصيلة تقييمية ترصد فيها النسبة المأوية و كذلك تحليل للفرق بين الأهداف المحققة و الأهداف التي لم تنجز،وتبحث في الأسباب وتعمل من خلالها على التطوير .
كان هذا مجرد رسم من الخيال بالرغم من اني اعمدت فيه منطق مستلهم من معارف تربوية،الهذف منه أن نذكر أن الأمم حين ترصد مقياسا لتقدمها تجعل من أولى أولوياتها التعليم .