مقالات

ماذا نقصد بشخصية سوية أو متوازنة

إن تعريف الشخصية السوية، أو الشخصية المتوازنة بمفهوم العرف الإجتماعي يبقى رهين التصور الذي يحمله كل معرف للشخصية المبتغى)الموضيل المبتغى ( ونقصد بالضبط المعايير و القيم المجتمعية التي تحيى في المجتمع هنا او هناك, )اقصد هنا بالقيم والمعايير منظومة   الأخلاق الذي يتبناها المجتمع وكذلك ماذا يقصدون بالنجاح  و  الفشل كمفهومين في اذهانهما  (  دون أن نلصق هذا التعريف بماهو أكاديمي ،لكننانربطه بتصور المدينة الفاظلة في ذهن كل واحد منا،هذا التصور الذي يحمله الأباء في أذهانهم عن كيفية صنع الموضيل) (الشخصية المبتغى( هو الدافع الأساسي الذي ينطلق منه معظم الأباء لرسم نظرتهم و طريقتهم في كيفية التعامل مع الأبناء ،وكذلك الإجراءات و الاساليب المستعملة في ذلك،اضافة الى  التركيز على اشياء و اهمال اشياء اخرى أو  إلغائها،لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو،لماذا في أحيانا كثيرة تفشل خطط التربية التي سطرها الأباء لبناء تلك الشخصية  المبتغى التي توجد في أذهانهم؟
لكي نحاول الإسهام في الإجابة على هذا السؤال يجب  أن نعري على بعض المفاهيم الخاطئة  التي توجد في الأذهان كحمولات تقافية هي نفسها تعيق التربية، و من بينها أنه لا توجد شخصية مبتغى أو بالأحرى شخصية نرغب في ان نبنيها و نركبها و نفصلها على أذواقنا كما لو كنا في محل فصالة أوخياطة،و إنما كل ما في الأمر أن الناس كما تولد باختلاف الوانها و بصماتها التي لا تتشابه مع بعضها البعض بالمطلق،فإنها كذلك تولد مختلفة في الكفاءات و الدكاءات وكذلك الميول،لكن للأسف قد تتعارض هذه الميولات مع رغبة الأباء الذين قد يصرون على رسم اهداف لا تتكامل مع ما خلق الطفل من اجله، سواء كميولات او كقدرات،وكذلك الجهل بخصوصية الطفل و السير وراء “هستيريا تعليم الموضا” التي غالبا ما ترضخ لإشباع رغبات الأباء و تتعامل معها بشكل تجاري يقوم على اقناعهم لإقتناء المنتوج بعيدا عن جوهر التعليم الذي هو في الأصل بناء الإنسان اعتمادا على المنهج العلمي الذي يحدد به المخططات والاستراتيجيات البيداغوجية وبذلك لا يمكن أن نعول على المنتوج المدرسي بشكل مطلق في ارساء بعض المفاهيم الأساسية التي تبني للطفل شخصيته، ويمكن أن نصوغ بعض من أهم  المفاهيم التي يجب أن يحرص عليها الأباء  و نصوغ منها :
1 – الإبتعاد عن التربية بالمقارنة:
كثيرا ما يلجأ الأباء الى اسلوب مقارنة أطفللهم مع اطفال اخرين يرونهم  متفوقين حسب وجهة نظرهم ويجعلوا منهم مرجع  للمقارنة والقياس، الهدف يكون هو التحفيز بل و احيانا يسقط في هذا الفخ حتى المربين،إلا أن اللجوء الى هذا الاسلوب قد يؤدي الى أشياء عكسية  مثل الحسد و الغيرة و تشتيت التركيز،و الأهم من ذلك هو تشتيت انتباهه و عدم قدرته على التركيز على ذاته و استخراج ميولاته الكامنة داخله التي وهبها اياه الخالق لأنه مبالي مع تقليد دكاء الأخرين و نسي دكاءاته.
2- لا تتحدث لطفلك على انه من جيل اقل اجتهادا و مجهودا أو أقل اخلاقا من الأجيال السابقة:
يعد هذا  النوع من الخطاب التواصلي بمثابة التهكم عل فضاء يمكن أن نسميه الفضاء الزمني للطفل (أي الإنتماء الى الجيل التي يعيش فيه الطفل ) المبالغة في هذا السلوك التواصلي مع الطفل يمكن أن يحدث مسافة للصراع و يمكن للطفل أن يتمرد على اراء الأباء خصوصا عندما يبلغ المراهقة لأنه يكون مشبع بأفكار تتهكم عن فترة ينتمي اليها.
3- من استعجل الشيء قبل اوانه عوقب بحرمانه:
يجب ان نذكر أن لكل سن ابعاده في ما يخص الدكاء،أو بمعنى آخر فإن لكل مرحلة عمرية لغتها اي طريقة التواصل فيها ،وكذلك اختباراتها بحيث مثلا ،لا يجب ان نقحم تمارين تليق بسن العاشرة لسن السابعة او السادسة ،ويعتمد في هذا على مفهوم العمليات العقلية للطفل إذ لكل سن مرحلة وقدرات يجب ان نكفيها بالإختبارات والتداريب والتمارين المناسبة لها دون القفز الى اسلوب اكبر من السن،هذا الاسلوب هو بمثابة السلاسة لأن كلما اتقن الطفل المرحلة التي ينتمي اليها بكفاياتها من التداريب والتمارين التقنية وكذلك باشباعاتها من اللعب والعاطفة  الملائمة لها ،الا و استقبل المرحلة الموالية بطريقة اسهل .
4- لغة واضحة وتجنب اسلوب الصراخ :
الصراخ هو بمثابة العنف اللفضي  لأنه بكل بساطة يشتت انتباه الطفل ويغيب عنه مهارة الإصغاء ويجعله متفاعل بشكل سلبي بنوع من الفوبيا  مع الملامح والتي قد تسبب له نوع من الإرتباك في التواصل في الفترات القادمة اضافة الى اضرار نفسية اخرى،اما عن اللغة الواضحة فيعنى بها ان تكون الكلمات واضحة دون التحدث للطفل بلغة الاستعارة او المبالغة او الفهم بالامثال الشعبية  ،لأن الطفل لا يشفر اللغة بنفس طريقة البالغين، و انما يستقبلها كما هي ،بحيث تتحول الى صور ذهنية يمكن أن تغير او تعكس قراءته للرسالة المراد ايصالها .
في الأخير يجب أن نذكر أن التربية فن قبل كل شيء و مجموعة من المفاهيم  الهدف منها البحث عن التوفيق و فهم الطفل اولا لتوجيه ادراكه و فهمه،وليست معادلات او ميكانيزمات حتمية النتيجة، لأننا نتحدث الى كائن متعدد الابعاد و الحمولات الثقافية والجينية والنفسية لذلك يفضل في المربين او الاباء ألا يكون شريكا في الحلم بل هو فقط موجهين لكفاءات وفطرة هي  موجودة أصلا.

يتبع

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى