مقالات

رأفة بشباب هذا الجيل

بين شباب الأمس و شباب اليوم" لطالما ترددت إلى مسامعنا هذه العبارة، ولطالما اتخذها البعض عنوانا لمقالاتهم وأبحاثهم، كما أنها تكون دائما المقدمة المفضلة التي يفتتح بها كل من أراد الإسهاب في نقذ الجيل الجديد وتحميله ما لا يحتمل، مع رسم صورة محاطة بالسلبيات ومعززة بالعبارات التي لا تزيد هذا الجيل سوى توثرا و ضعفا. أحقا الوضع سيء لهذه الدرجة ؟ هل خيّب هذا الجيل فعلا آمال الأجيال السابقة ؟ 

مشاهد عديدة نصادفها أو نعيشها كل يوم تستلزم منا الوقوف فعلا لتحليل هذا الوضع..
– كنت أحتل كعادتي المقعد الأمامي في الحافلة، فإذا بي أرمق عبر النافذة شابا يجري خلف الحافلة مشيرا للسائق بالوقوف،وقف هذا الاخير فصعد الشاب يلهث من شدة التعب مرددا عبارات الشكر بمشقة بالغة،كان بجانبي رجل خمسيني أخذ يتأمل ذلك الشاب بنظرات متفحصة قبل أن يفاجئه بالسؤال :
_هل انت طالب ؟ 
اجابه الطالب بملامح الفخر 
على محياه :
 _نعم طالب في كلية الحقوق .. 
تغيرت ملامح الرجل الخمسيني فجأة فأخذ يردد عبارات الحسرة على حال طلبة اليوم دون أن ينسى عبارتنا الخالدة " بين الأمس و اليوم "  ثم أردف قائلا : 
_لقد تغير كل شيء، طلبة اليوم لا يدرسون بجد ، تربيتهم فاشلة، كثيري اللهو و ليسوا أهلا ليكونوا خلفا لمن قبلهم …
ثم استمر في حديثه الناقم ساردا لائحة من الصفات و السلبيات جعلت ذلك الطالب يتساءل فعلا عن الذنب الذي اقترفه حتى يكون من مواليد هذا الجيل الذي يحمل كل هذه الصفات..
-وفي مشهد آخر، داخل الجامعة، قرر بعض الطلبة تنظيم نشاط ثقافي، استمرت الاستعدادات لأيام، كل منهم حاول أن يبدل قصارى جهده لإبداع أشكال جديدة و مفيدة يستفيد منها طلبة الجامعة، تحدوا عجز إمكانياتهم المادية و حاولوا إثبات وجودهم داخل جامعة دُبّر لها أن تزرع الخوف و الخنوع في صفوف هذا الجيل الجديد،حاربوا سياسة القمع، وأقاموا نشاطهم رغم كل الظروف، آملين أن يكونوا فخرا للأجيال السابقة و أن يلقوا التشجيع الذي يستحقه ذلك العمل البسيط الذي أنتجته أياديهم، فما كان من الأجيال السابقة إلا أن كانت السباقة لتحطيم ذلك الأمل، مرددة عبارات السخرية مما آلت اليه جامعتهم التي شهدت ماشهدت في زمنهم،ليكونوا بذلك جزءا من سياسة القمع بدلا من أن يدافعوا عن أبنائهم و يُصوّبوا هجومهم نحو الآلة القمعية التي تزداد شراستها و تتنوع أساليبها عبر الزمن.
-وفي مشهد ثالث،وبينما كنت أنتظر الحافلة لتقلني للجامعة فإذا بي أرمق فتاة ذات وجه شاحب يكسوه الخوف، تلتفت لساعتها اليدوية في كل مرة،و تعزف بقدميها لحن عقارب الساعة من شدة التوثر، اقتربت منها سيدة أربعينية فسألتها عن سبب توثرها ؟ أجابتها  الفتاة بأنها تأخرت عن الامتحان مبدية مخاوفها حول إمكانية منعها من اجتياز الإختبار،أكثر شيء تمنته أو سيتمناه أي شخص في مكانها في تلك اللحظة هو أن يسمع عبارات اطمئنان ودعوات بالتوفيق والتيسير… نظرت إليها السيدة لوهلة ثم قالت أخيرا، بعد بضع عبارات أسف: أنتن فتيات اليوم مهملات، ولا تقدرن قيمة الوقت، وحياتكن كلها مبعثرة ، أ لا يكفيكن أنكن لا تقمن بأشغال البيت بحجة الدراسة ؟ فكيف تضيّعن أوقاتكن  ؟ نحن في زمننا كنا نطبخ و نغسل الصحون و نقدم الفطور للأهل قبل خروجنا للدراسة، كانت منّا من تملك أطفالا صغارا تحضرهم للجامعة، ومنّا من تجتاز الإختبارات بعد يومين أو ثلاتة من إنجابها …كانت الطالبة تحمل أملا صغيرا في إمكانية اجتيازها للإختبار، إلا أنها بعد هذا الخطاب فقدت الأمل في الحياة كلها…
كُلّها نماذج إن لم نكن شاهدناها فقد عشناها نحن أبناء هذا الجيل، نتسائل دوما ما ذنبنا ؟ماذنبنا إن أصبحنا ندرس تحت أضواء المصابيح بدلا من أضواء الشموع ؟ ما ذنبنا إن دخلت التكنولوجيا لعصرنا فسهلت لنا إيجاد المعلومة ؟ ما ذنبنا إن كنا أبناء جيل تحاملت عليه كل القوى لتفسده؟ فمنا من سقط و منا من ثبت و آخرون لا زالوا يقاومون بكل ما يحملون من أسلحة… لمذا نُجلد بدلا من جلد ظالمينا ؟ 
قرأنا عن شباب الأمس و عن المجد الذي صنعوه في عصرهم، فشعرنا بالفخر لكوننا سنكون خلفاً لخير سلف، مضينا قدُماً في الطريق التي سلكها من سبقونا، إلا أنها لم تكن نفس الطريق أو بالأحرى لم تعد كما كانت! بل صارت مجهزة بكل البرامج و الآلات و النّظم و الوسائل التي من شأنها إفسادنا و إزاحتنا عن الطريق، نودّ فعلا أن نصير مثلكم ! أن نملك قوتكم ! ونصنع مجدكم ! ونكون فخرا لكم ! إلا أن حربنا ليست كحربكم، صحيح أن عدونا واحد، لكنه طور أساليبه ليلائم زمننا، فدعونا نطور أساليبنا كذلك لنلائم زمننا و يوافق سلاحنا سلاحه ، لا تطلبوا منا أن نكون نسخة عنكم ، و لا تنتظروا منا أن ننهج نفس أساليبكم، لأننا بهذا سنظلم تاريخكم و نظلم حاضرنا..
إلى كل من يحمل همّ هذا الجيل الجديد ! إلى كل من يعتصره الألم لما آل إليه "شباب اليوم " إلى كل حرّ صنع تاريخا كان و سيزال مفخرةَ الأجيال! مُدّ يديك لأبناء هذا الجيل الجديد، اسمع لشكاويهم و تبصر معاناتهم، كن خيرَ الموجّه لشبابٍ أغرقهم هذا الزمن في بحور الحيرة و الضعف، كن عونا لهم على زمانهم و لا تكن عونا للزمان عليهم..

وإلى كلّ شاب ينتمي الى هذا الجيل الجديد، الأمر ليس سهلا ! ولكنه ليس مستحيلا أيضا، كل الآمال عليك لتحمل لواء التغيير، فلا تستكن ! ولا تضعف لملهيات عصرك ! لا تستسلم لما تسمع من صفات و ألقاب تُوجّه لك، الفرق بينك وبين أجدادك في الغلاف فقط ! أما الجوهر فسيظل عازما على التغيير رافضا للفساد و محاربا للآلة القمعية حتى آخر رمق.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى