تعليمنا.. جروح غائرة
قد يندمل الجرح المادي يوما، ولكن كيف للجرح المعنوي أن يندمل” بهذه الكلمات المؤلمة وبعيون باكية عبرت أستاذة البيضاء المعنفة من تلميذها عن حالها، وعلى وجهها شرخ غائر هو بمثابة شرح بليغ لمعنى العنف المدرسي، ذاك الشرح الذي لن تجده في البحوت والدراسات الأكاديمية المنمقة الغائصة في جذور الظاهرة أو المسطحة لها، أو حتى الموظفة لها توظيفا سياسويا لتصريف مخرجات أو تبليغ رسائل.. بكت أستاذتنا وأبكت الكثير من حالها وحال كل مدرس محتقر، كان الأولى أن يعتنى به ويكرم ويشرف بشرف رسالته العظيمة ومهمته النبيلة.. التربية.
لن يسعفنا المقام للخوض في تشخيص الظاهرة، ذاك أن منهج التوصيف والهروب إلى النظريات والدراسات في كل قضية مؤلمة ما يعاد يجدي، بل قد أصبح مع توالي هذه الأحداث نوعا من التمريض لأزمات ما عادت تريد حلول جزئية. كما أننا لن نعفي الاستبداد المخزني من مسؤوليته فهو يتحمل كل أصناف المسؤولية في انتاج هذه الأزمات بغزوه العقول وتسطيحها، وتقييده الدعاة وحملة الخير، وفسحه المجال لكل عابث.. ولكن الجرح الغائر، وقبله السحل المهين وقائع من أخرى تسائل قبل سياسات الاستبداد الفاشلة أبناء الوطن الصادقين عن ما قدمت مشاريعهم التغييرية لهذا الجيل “الضحية” الذي كلما تأملته ترى نقوش أدوات المشروع الحداثي المخزني بادية عليه في ترجله وملبسه وفكره وكل شخصيته،.. هذا الجيل الذي لم يجد حوله إلا أسرة فاقدة لقيم التربية ومجتمعا تنخره التناقضات، وإعلاما يسوق لكل ناعق، و مؤسسات تعليمية مكتظة وخالية من كل فعل ابداعي إيماني..
الجرح الغائر يساءل أيضا كل رجل تعليم استقال من مهمة التربية، بمعناها الحقيقي وجعل علاقته بتلاميذه تقنية جافة، الجرح الغائر يساءل كل واعظ جعل العلاقة مع الناس منبرا رسميا منقطعا عن حالهم، الجرح الغائر يساءل كل أب وكل أم وكل مرب لم يقدر المعلم ويعلم أبناؤه ذلك…
الوضع التعليمي صار ينذر بخراب الحاضر والمستقبل، والعنف ما دامت شروط انتاجه مستمرة اما أن يظهر في المدرسة أو هو مؤجل لفضاء آخر. لذلك أصبحت الحاجة ملحة لمبادرات موحدة وفعل مشترك وقبله لابد من بيئة تنمو فيها هذه المبادرات، بيئة تكون أول خطوة في انتاجها، معلم قدوة يعطي من نفسه المثال، ودعاة الى الخير يحتضنون هذا الشباب.