حتى نصبح مثل السويد والدنمارك
في البداية كانت تونس، صفعة على خد البوعزيزي، ثم إحراقه لذاته، شوارع ملئى بالمتظاهرين تواجه دولة بوليسية ،بشجاعة و إصرار على المضي قدما، نحو التغيير المنشود ،كان شعارهم حرية عدالة كرامة ،( بن علي هرب )،من منا لم يتأثر حتى الدموع ،بصراخ مواطن تونسي، في أهم شوارع تونس العاصمة ،هروب الطاغية كان إيذانا بنجاح ثورة الياسمين..
الخامس والعشرين من يناير، تاريخ لن ينساه العالم ،ثورة الجياع -ليس جوع الخبز فقط بل جوع الحرية والكرامة -تشتعل في مصر، ويبدأ الزحف على ميدان التحرير بوسط القاهرة من كل أنحاء البلاد، وتعالت الشعارات من حناجر الشباب، ٱ(ارحل ،الشعب يريد إسقاط النظام )،فكان لهم ما أرادوا، رغم الدم الزكي الذي سال في شوارع المحروسة، تم إعلان تنحي مبارك عن الحكم ،بعد ثلاتين سنة من الاستبداد و الفساد، و انبهر العالم بهذا الإنجاز ،فخطفت مصر الأنظار إعلاميا من ثورة الياسمين….
سوريا انتفضت في وجه الأسد،وبدأت مسيرتها نحو الحرية ومازالت مستمرة ….
ليبيا نجحت في هزيمة نظام القذافي، ولكن الثمن كان غاليا ،قتلى وجرحى ،وتدمير لبنية تحتية أصلا معدومة، أربعين سنة من حكم شمولي، و فساد لعائلة إستحوذت على خيرات البلاد ،أنهتها غضبة شعبية و إعدام شعبي لمعمر القذافي…
اليمن لم تخلف الميعاد مع الثورات، فكان الشعب اليمني بالمرصاد لنظام عبد الله صالح ،الذي إحترق وهب من رماده مخاطبا اليمنيين (فاتكم القطار)…
المغرب تحايل النظام على مطالب حركة العشرين من فبراير، فمنح لشعبه دستورا ،لا يعطي صلاحيات واضحة وقوية، لحكومة منتخبة، و تم تصعيد حزب إسلامي معارض ،إلى الحكم دون إعطائه ضمانات كافية ،لتحقيق مطالب الشعب، وأولها محاربة الفساد، فكانت قولة بن كيران زعيم الحزب الحاكم و رئيس الحكومة :(عفا الله عما سلف )على التماسيح والعفاريت كما كان يحلو له تسمية الفاسدين…
على ضفاف الخليج، كانت دولة الإمارات تنظر إلى ما يحدث بهذه الدول بقلق ،فرغم إغداقها على شعبها بالأموال، كانت تعلم يقينا أن الرفاهية لا تغني عن الحرية والكرامة، و أن رياح التغيير قادمة إليها، فكان لزاما عليها الحد من هذه الموجة، أو على الأقل توجيهها إلى غير هدفها…
البداية كانت سوريا، تم بعثرة أوراق الصراع، و إدخال أطراف خارجية ،وتحويل الثورة إلى حرب طائفية، سنة شيعة علويين عرب أكراد، وتم قتل الألاف، أطفال قبل الكبار، نساء قبل الرجال، حتى نسي السوريون لماذا ثاروا ،وتم تحويلهم إلى شعب لاجئ تستقبلهم بلدان وتطردهم بلدان…
النموذج الذي سيرعبون به الشعوب، التواقة إلى الحرية ،من المنامة إلى طنجة، قد أصبح جاهزا …
لكي تكتمل المهمة، لابد من إزالة نتائج الثورات الناجحة، فتم الدفع بعسكر مصر، إلى الإنقلاب على أول رئيس مدني منتخب، منذ عهد الفراعنة، هذا الأمر تم عن طريق إراقة دم المصريين بكل برودة، و بهذا الدم تم رسم خارطة طريق، نحو حكم العسكر بالنار والحديد، ورمي كل معارض إلى غياهب المعتقلات، هذا إن نجا من القتل الممنهج، تمت المهمة بنجاح وتم تحويل مصر إلى دولة تابعة لمن يدفع رزا كثيرا…
استعانت الإمارات بجنرال متقاعد، إستقدمته من منفاه في أمريكا، و تم تسليحه ومده بالأموال، ليحول ربيع ليبيا إلى خريف ،وكلفوا صبيهم السيسي بمساعدة حفتر عند الحاجة ،مقابل نصيب في نفط ليبيا ،التي تحولت إلى دولة فاشلة، تتقاسمها ميليشيات ،كل منها فرحة بما لديها …
تونس كانت أقل دموية، تم تهميش حركة النهضة الإسلامية، التي تصدرت المشهد السياسي عقب الثورة ،و تم إعادة بقايا نظام بن علي إلى واجهة الحكم، و تأجلت أحلام الشعب التونسي إلى موعد أخر …
الخراب عم عواصم أهم دول المنطقة و كبرى حواضرها التاريخية، وصارت مقولة:( هل تريدون أن نصبح مثل سوريا وليبيا)، تواجه كل من طالب بالتغيير ،أو حتى من نادى بمطالب إجتماعية، و الأحرى حق لنا أن نقول:( لما لا نصبح مثل السويد والدنمارك)…