مقالات

وفاء لشهداء الحراك المغربي

يرحل الشهيد إلى الرفيق الأعلى و يبقى ظله في المخيال الشعبي للمجتمع ، و تظل ذكراه منقوشة في ذاكرة أبناء وطنه الأحرار، و يستمر دمه ساخنا حتى يساءل من كان سببا في إزهاق روحه ،يحدث هذا كله عرفانا بتضحيات الشهيد الذي ضحى بحياته من أجل أن يحيا الوطن، و الذي جعل عظامه جسراً ليعبر غيره إلى الحرية.

لهذه الأسباب خصه الحق سبحانه بمنزلة رفيعة و مقام خاص، حيث منحه الحياة الأبدية الخالدة مصداقا لقوله تعالى ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله “.

ترى هل قضية شهداء الحراك المغربي قضية محورية ضمن قضايانا؟

و ما مألات ملفات شهداء الحراك على  مستوى التحقيقات الأمنية و القضائية؟

و ما مستوى وفاءنا لهؤلاء الشهداء الذين ضحوا بدمائهم من أجل أن تسقى و تنمو شجرة    الحرية، التي من أجلها ناضل أحرار هذا الوطن؟.

لنجعل من 02 يونيو يوما وطنيا للشهيد

كلما اقتربنا من اليوم الثاني من يونيو من كل سنة، نتذكر الشهيد كمال عماري أحد أشهر شهداء الحراك المغربي، الذي قتلته الأجهزة الأمنية بمدينة أسفي منذ ست سنوات خلت، إبان مشاركته في إحدى المسيرات الشعبية السلمية المطالبة بالحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية، كما نتذكر معه باقي شهداء الحراك المغربي بشتى المدن و الأرياف المغربية، الذين قضوا إما حرقا، أو بالضرب المبرح في الأماكن الحساسة دون تحفظ حتى الموت، و إما إلقاء بهم من أماكن مرتفعة، و إما بافتعال لهم حوادث غامضة و ملتبسة كانت سببا في إزهاق أرواحهم و التحاقهم بالرفيق الأعلى.

إن حديثنا عن شهداء الحراك المغربي، يجعلنا نستحضر بقوة ملف شبان الحسيمة الخمسة، المتراوح أعمارهم من 18 إلى 25 ربيعا، الذين استشهدوا تحت التعذيب و الضرب باستعمال القوة المفرطة، مع حرق جثتهم داخل وكالة بنكية لإخفاء معالم الجريمة التي ارتكبت يوم 20 فبراير من سنة 2011، حسب تصريحات زملائهم و عائلاتهم.

فرحم الله  الشهداء، نبيل جعفر،عماد القاضي ،جواد بنقدور، جمال السالمي و الشهيد سمير البوعزاوي، و تحية نضالية لعائلاتهم و للأسرة الحقوقية التي تطالب من الفينة إلى الأخرى، بالكشف عن الحقيقة فيما يخص ملابسات استشهادهم و العمل على فتح تحقيق نزيه فيما جرى، خصوصا بعد التشكيك في الرواية الرسمية التي كانت قد أشارت، إلى أن سبب وفاة الضحايا الخمس كانت نتيجة الاحتراق العرضي داخل مبنى الوكالة البنكية، و هو ما  نفته عائلات الشهداء و أصدقائهم و بعض الجمعيات و الفعاليات الحقوقية،نذكر منها التقرير الحقوقي الصادر عن الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان حيث جاء في إحدى حيثياته ما يلي :

” جميع الضحايا ليست لديهم سوابق قضائية، و يتصفون بالأخلاق الحميدة و الخصال الطيبة…كما تبين وجود أدلة و حجج و قرائن تفيد بشبهة القتل و التعذيب حتى الموت في حق الضحايا الخمسة ، ليتم نقل جثثهم إلى وكالة البنك الشعبي، حيث أحرقت للتخلص من أثار الجريمة و الإفلات من العقاب”.
إن واقعة الاعتداء بشكل بشع على الشهيد كمال عماري من قبل الأجهزة الأمنية ، والتي كانت سببا في إزهاق روحه ، ينبغي أن لا تنسينا في واقعة استشهاد  كمال الحساني، الناشط في حركة 20 فبراير ، في بني بوعياش (شمال المغرب) ، و استشهاد المناضل  محمد بودروة، الذي توفي عندما تدخل رجال الأمن لتفريق اعتصام كان يقوده أعضاء آخرين في جمعية للمعطلين بمدينة أسفي (غرب المغرب) ،ناهيك عن بشاعة جريمة قتل  كريم الشايب ،التي لم تكن تقل فضاعة عن الطريقة التي قتل بها كمال العماري، هذا الشاب الذي  توفي هو الآخر جراء تعرضه للضرب المبرح من طرف قوات الأمن خلال مشاركته في مسيرة لحركة 20 فبراير بمدينة صفرو (وسط البلاد)، كما يظهر ذلك شريط فيديو بث على الانترنيت و تناقلته مجموعة من وسائل الإعلام آنذاك، فرحم الله جميع شهداء الحراك المغربي، دون أن ننسى باقي الشهداء  و من بينهم عبد الوهاب زيدون شهيد الأطر المعطلة الذي حفظ ملفه كذلك دون عناء فتح تحقيق في ملابسات وفاته.

 سماك الحسيمة محسن فكري “شهيد  الحكرة”

سيظل حادث طحن سماك الحسيمة محسن فكري، مساء يوم الجمعة 28 أكتوبر 2016 محفورا في ذاكرة الشعب المغربي  بالنظر إلى بشاعة الواقعة ، حيث فرمل لحمه داخل حاوية نقل النفايات دون رحمة و لا هوادة ، شعر من خلالها المغاربة قاطبة  “بالحكرة” و بمدى استبداد الدولة و تسلطها على رقابهم و مدى استهانتها بأرواحهم.

الأمر الذي جعلهم يخرجون و إلى جانبهم الجمعيات الحقوقية، في وقفات و مسيرات بعدة مدن مغربية، عبروا من خلالها عن سخطهم على الأجهزة القمعية للدولة ، معتبرين أن محسن فكري شهيد ” الحكرة” ، و مشددين على ضرورة  إجلاء الحقيقة الكاملة في قضية مقتله، وترتيب الآثار القانونية في حق المتسببين في ذلك، إعمالا لمبدأ سيادة القانون وقاعدة عدم الإفلات من العقاب .

و لعل دم  الشهيد محسن فكري و دم باقي شهداء الحسيمة و شهداء الحراك المغربي لم تذهب سدى، بل تذكي تلك الدماء النضال في نفوس أحرار الريف ، و نعتقد أن الحراك الذي تعيشه المدينة إلى حد الآن ما زال  يقتات من دماء شهداء الحراك بالمنطقة .

   ضمانات عدم تكرار مثل هاته الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟

 من المبادئ الكبرى المؤطرة لجل التجارب الكونية في طي صفحة الماضي و تحقيق العدالة الانتقالية، و فتح عهد جديد تحترم فيه الحقوق و تصان فيه الكرامة الآدمية ، و التي ما فتئت المنظمات و الهيئات الحقوقية تنادي بها و تتبناها ، نجد مبدأ كشف الحقيقة ،و مبدأ عدم الإفلات من العقاب ، و مبدأ جبر الضرر ، و مبدأ توفير الضمانات الكفيلة لعدم تكرار تلك الانتهاكات.

لكن في الحالة المغربية نجد أن الدولة ليس لها بعد، استعدادا  للقطع مع سنوات الرصاص على الرغم من إعلانها عن ذلك في عدة مناسبات، و الذي يؤكد هذه الخلاصة هو أن كل الملفات التي عرضناها في صدر هذه المقالة ، فتحت فيها لجن للتحقيق ، منها من بقي يراوح مكانه و منها من حفظ لعدم العثور على مرتكبيها و منها من أسدل عليها الستار بدعوى كونها أحداثا عرضية.

هكذا ضاعت الحقيقة، و أفلت الجناة من المساءلة و العقاب، و لم يجبر ضرر عائلات ضحايا هاته الانتهاكات، فكيف لنا أن نتحدث عن توفر الضمانات الكفيلة لعدم تكرارها.

 و لعل ملف الشهيد كمال عماري خير شاهد على ما بسطناه أعلاه بحيث بعد ستة سنوات من الحادثة لم يعثر بعد على الجناة و لم تتحمل الدولة مسؤوليتها على الرغم من صدور عدة تقارير حقوقية ميدانية تحمل فيه المسؤولية للأجهزة الأمنية للدولة ، فهذا المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصفته مؤسسة رسمية يشير في ختام تقريره المفصل و الذي يقع في 42 صفحة على : وجود قرائن على تعرض المرحوم كمال عماري للعنف من جراء تدخل عناصر من الشرطة يستعملون دراجات نارية ويتراوح عددهم ،حسب شهادات الشهود ،بين أربعة وخمسة عناصر” .

 و على: “وجود أثار لهذا العنف على جثة المرحوم عند معاينة اللجنة لها في مستودع الأموات، وهو ما يتقاطع مع ما ورد في محضر المعاينة الأول الذي أنجز من قبل الشرطة القضائية بحضور نائبي الوكيل العام وأفراد من أسرة المرحوم”.

ختاما ، نحمل  المسؤولية للدولة المغربية عن كل هاته الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و التي تؤكد بالملموس عدم وجود إرادة حقيقية للانتقال الديمقراطي و طي صفحة الماضي ، كما نحمل المسؤولية لكل أحرار هذا الوطن بمختلف هيئاته و حساسياته السياسية، للضغط و النضال المستمر من أجل عدم إفلات قاتلي شهداء الحراك المغربي من العقاب و المساءلة على اعتبار أن الجرائم السياسية لا يطالها التقادم ، مقترحا جعل ملف الشهداء في أولى الأولويات، مع إعلان و ترسيم يوم 02 يونيو يوما وطنيا للشهيد .

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى