مقالات

حامي الدين..معركة الديمقراطية بالمغرب

جرت مياه كثيرة بين يوم 7 أكتوبر 2016 تاريخ تنظيم الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب وبين يوم 17 مارس تاريخ التعيين الملكي للدكتور سعد الدين العثماني وتكليفه بتشكيل الحكومة خلفا للأستاذ عبد الإله بنكيران الذي سبق أن تم تعيينه يوم 10أكتوبر، أي بعد يومين من كشف النتائج الانتخابية التي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى ب 125 مقعدا أي بنسبة 32 في المئة‏ من حجم المقاعد المتنافس حولها في ظل نظام انتخابي بدور واحد.
قبل يومين حصلت حكومة الدكتور سعد الدين العثماني على التنصيب البرلماني بعدما نالت ثقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وهو ما يعني أن حزب العدالة والتنمية سيترأس الحكومة المغربية للمرة الثانية، ومع ذلك فهناك شعور متزايد لدى العديد من الفئات بأنه حصل نوع من الالتفاف على أصواتهم بعد إزاحة بنكيران من رئاسة الحكومة وتعيين العثماني محله..هذا الشعور سيتحول لدى البعض إلى الإحساس بالإحباط وطرح الأسئلة حول الجدوى من الممارسة الانتخابية، وهو ما يحتاج إلى جواب سياسي قوي من أجل استعادة الثقة في النموذج السياسي المغربي والاستمرار في مصالحة المواطنين مع السياسة..
النقاش الدائر داخل فئات واسعة من المجتمع ولاسيما وسط الشباب حول المرحلة السياسية الراهنة هو نقاش حيوي يعكس عودة الاهتمام بتفاصيل الشأن السياسي الوطني ويخفي وراءه حجم الآمال التي ينتظرها الناس من الفاعل السياسي، صحيح أن الطابع التراجعي الذي ميز المسار السياسي لتشكيل هذه الحكومة من الناحية الديمقراطية، خلف نوعا من الإحباط والتشكيك في جدوى الممارسة الانتخابية لدى عينات مهمة من الناس، لكن من المؤكد أن هناك فهما عميقا للإشكاليات البنيوية التي فسحت المجال لتكالب العديد من الأطراف من أجل إفشال تشكيل الحكومة الجديدة بناء على نتائج اقتراع السابع من أكتوبر تحت رئاسة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي بوأه الناخبون المرتبة الأولى في رسالة واضحة من أجل ولاية ثانية تحت رئاسته..
المهم أن القضية الآن لم تعد قضية حزب العدالة والتنمية لوحده، ولكنها قضية فئات اجتماعية واسعة وأجيال من الشباب، ميزتها الأساسية أنها عابرة للانتماءات الحزبية وللاصطفافات الإيديولوجية وليست منغلقة في أُطر تنظيمية تقليدية وهي تحمل طموحات مختلفة عن الثقافة السياسية السائدة وسط النخب التقليدية وتؤمن بإمكانية تحقيق التغيير.
الرسالة التي حاول خصوم الديمقراطية بعثها إلى هذه الفئات هي رسالة الإحباط والتشكيك في فعالية أصواتهم الانتخابية ودفعهم إلى فقدان الإيمان بجدوى الممارسة السياسية، والانسحاب من ساحة التدافع السياسي والتراجع عن معركة الإصلاح..
إن المساعي والمجهودات التي بذلها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بصفته رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة اصطدمت بإرادة معاكسة، اشتغلت بشكل منهجي من أجل إفشال هذه المهمة التي كان من شأن نجاحها أن تعزز ثقة المواطنين في أصواتهم وفِي إرادتهم الحرة المعبر عنها يوم الانتخابات، ولذلك تجند خصوم الديمقراطية من أجل بعث رسالة تشكيك وإحباط إلى الناخبين والناخبات..
قال لي بائع الخضر في أحد الأسواق الشعبية: «شعرت بالاحتقار ( الحكرة) بعد إزاحة بنكيران..وفكرت في عدم الذهاب مرة أخرى إلى مكتب التصويت، لكني قلت إذا بقي ناس العدالة والتنمية رجال لن أتخلى عنهم».. وأضاف عبارات من الإطراء والاعتراف في حق الأستاذ بنكيران…
الكرة الآن في ملعب حزب العدالة والتنمية والجميع ينتظر تقييمه المؤسساتي لنتائج هذه المرحلة، ومن المؤكد أن هناك بعض التمايزات الواضحة التي تعكس نوعا من الاختلاف في قراءة معطيات المرحلة الراهنة، التي تستبطن أيضا اختلافا حقيقيا في قراءة المسار السياسي الذي أسفر عن تشكيلة حكومية من ستة أحزاب وشخصيات «تكنوقراطية» لا انتماء حزبي لها، بالإضافة إلى بعض الوزراء الذين التحقوا في آخر لحظة بأحد الأحزاب السياسية…
كيفما كان تقييم هذا المسار فإن الأمل في استمرار مصداقية شعار «الإصلاح في ظل الاستقرار» مرتبط باستمرار أداة الإصلاح قوية وفعالة تتمتع باستقلالية قرارها وبيقظة حسها النقدي..
تعرف كيف تدعم الحكومة في اختياراتها الإصلاحية، وتعرف كيف تقول «لا»بكل وضوح حينما يتعلق الأمر بعكس ذلك، استعدادا لجولة جديدة في معركة النضال من أجل الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ومن المؤكد أن ذكاء المغاربة ووعيهم بأن معركة الديمقراطية هي مسار شاق وطويل من النضال والتضحيات، سيؤدي لا محالة إلى انتصار الشعوب في النهاية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى