مقالات

العدالة والتنمية: سؤال الاستمرار في ظل إجهاض المسار

في الوقت الذي قامت فيه الدولة بتعبئة الشعب بشتى الوسائل من أجل الانخراط في العملية الانتخابية التي راهن النظام السياسي عليها بامتياز من أجل إضفاء الشرعية على لعبته السياسية ودستوره الممنوح..

كما أنه راهن بل عمل كل ما في جهده من أجل تبويئ حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة الأولى في انتخابات 7 من أكتوبر 2016 ، إلا أن حزب العدالة والتنمية حاز المرتبة الأولى، ومن هنا بدأ البلوكاج والتخطيط لإطفاء شعلة المصباح بالرغم من نسبة المقاطعة الكبيرة التي عرفتها هذه الانتخابات والتي جعلت النظام السياسي حائرا ومصدوما ومتخبطا بسببها.
 مباشرة بعد تعيين السيد بنكيران لتشكيل للحكومة آنذاك بدأت الآمال مع الآلام، حيث باشر النظام السياسي والأحزاب الموالية له في استفزاز حزب العدالة والتنمية وإجباره على التفاوض معهم بشروط الكل تابع أطوارها لمدة ما يقارب الست أشهر، أجبرت  بنكيران على تمسكه بشروطه في بلاغ أمانة حزبه المشهور الذي ختم ب" انتهى الكلام " إلى أن أعفي من مهمته كرئيس حكومة معين ببلاغ من الديوان الملكي أنهى به مهمته.
 الآن تم تعيين السيد العثماني رئيسا للحكومة في أقل من خسمة عشر يوما خرجت في تشكيلة اعتبرها الكثير من المحللين والمتابعين أنها لا شكل لها، حيث ظهر فيها حزب العدالة والتنمية يتيما من حيث عدد الوزارات التي أعطيت له بالمقارنة مع باقي الأحزاب التي منحت حصة الأسد من عدد الوزارات الاستراتيجية ذات الميزانيات الضخمة..ناهيك عما أحدثته هذه الطريقة التي اعتمدها رئيس الحكومة الجديد لتشكيل الحكومة من قبيل عدم إشراك أمانة الحزب، ثم قبوله بالتفاوض مع أحزاب كانت تشكل خطا أحمرا خلال فترة  بنكيران، ثم نزع وزارات من وزراء الحزب التي تقلدوها خلال فترة  ولايته وإعطائهم وزارات ذات طابع شكلي..كل هذا وغيره اعتبر تمريغا وتركيعا لحزب العدالة والتنمية من قبل النظام السياسي.
 لقد أدخل النظام السياسي حزب العدالة والتنمية في نفق ضيق شد عليه من خلاله الخناق بل أجبره مرغما غير مخير على الرضوخ لإملاءاته والقبول بالمقاس الذي وضعه لتشكيل الحكومة، مما ولد ردود أفعال في صفوف الحزب بين مؤيدين و رافضين بل غاضبين على تقبل العثماني الخوض في هذه المهزلة، في الوقت الذي وقف بنكيران سدا مانعا لعدم الانبطاح للخصوم السياسيين الذين قبلهم العثماني تحت شعار أعداء الأمس أحباب اليوم والغد
 إن ما يسعى له النظام السياسي بالمغرب هو إجهاض تجربة حزب العدالة والتنمية القاضية بالاصلاح من الداخل ليؤكد له على أنه وما توفيقك في الاصلاح إلا على يدي، فأنا صالح ولست فاسدا لتصلحني من الداخل، فهو يسعى الآن إلى تشتيت الحزب وتقسيمه لخلق أزمة بين قياداته وقواعدها بتكسير عنصر الثقة بينهما، وبالتالي ستولد أزمة داخلية بدأت  تظهر ملامحها.

 فهذه مرحلة جد خطيرة سيمر منها الحزب توجب عليه العمل على الخروج منها بأقل الخسائر على اعتبار عدم وجود بوادر للربح، هذا إن تركهم النظام السياسي سالمين، فمن دخل بطن الأفعى المخزنية لينمو فيه لن ينجح في ذلك، فإما تجهضه أو تكون ولادته قيصرية لتدعه يكمل نموه في وعاء اصطناعي أمام عينيها. ثم تأكله أو تتركه عليلا.
 يجب على الشعب المغربي أن يعي جيدا بأن ما يقوم به المخزن من تمريغ لحزب العدالة والتنمية واستفزازه.. الغرض منه ضرب المرجعية الاسلامية وتنفير المجتمع من كل من هو سياسي ذو توجه إسلامي حتى ينادي على من لا دين له لكنه يحمل معه رغيفا للعيش، بدل إسلامي لا يأتي منه إلا الخناق وتمرير كل ما كان في الرفوف وتم تنزيله أثناء توليهم ممارسة السلطة التنفيذية المقيدة.

 لذلك والكل ينتظر ويترقب مآلات حكومة العثماني لينصب عليها بالاستنكار والانتقاد- وهو يشكل فيها رفقة وزرائه من الحزب أقلية – أن يوجه أسهمه إلى الفاعل الرئيسي في المشهد السياسي الذي هو المخزن المتحكم في السياسة والثروة والمتسبب بسياساته التخريبية والتمييعية في تفقير وتجويع الشعب..دون أن نبرئ من المسؤولية من ثبت أن اختياره اللعب مع الأفعى خطأ، لكنه لا يزال يتمادى في قبوله لعب دور المنقذ من الضلال والظلام..
 إن حالة حزب العدالة والتنمية اليوم لتضع في المحك مدى الرهان على تجربة الاصلاح من الداخل في ظل مؤسسات شكلية لا شرعية لها و دستور غير نابع من إرادة شعبية.. عوض مساءلة من اختار التغيير من خارج المؤسسات الصورية ولعب دور المعارضة والممانعة لسياسة النظام السياسي لعدم إضفاء الشرعية على مؤسساته وسياساته المعاقة.
 إن ما يتعرض له حزب العدالة والتنمية ليعكس بالملموس مدى حقيقة شعارات المغرب الجديد والدستور الجديد ومغرب الاستثناء والاصلاح في ظل الاستقرار ودولة الحق والقانون والتعددية الحزبية..أنها مساحيق تجميل سرعان ما ينكشف زيفها وتبدد مع مرور الأيام لينكشف معها وجود دولة حق وقانون صورية تسوق لشعارات رفرافة لا وجود لها على مستوى الواقع، بل العكس تماما هو الموجود من قبيل إحتكار السلطة والثروة وشد الخناق على المعارضين والمساس بأرزاقهم وتعريضهم للخطر وتشجيع الفساد وتكميم أفواه الأحرار..
 إن هذا الظلام الحالك للمشهد السياسي وغيره بهذا الوطن الحبيب يجب ألا ينسينا أن زمن الكرامة والعدالة قادم مهما بدت الآفاق منسدة، ففجر كرامتنا طالع ولو طال ليل بدا سرمدا، فالفساد والاستبداد إلى زوال مهما طال الأمد، إذ التغيير من ربقة الظلم إلى العدل والكرامة ليس حتمية اختيارية فقط بل هو سنة كونية.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى