القمة التي لن تقوم لها قائمة
قبل البدء.. منذ مدة والشارع العربي والإسلامي ينتظر من أنظمته الرجوع إلى جادة الصواب والإقلاع عن محاباة الاستعمار القديم والجديد. ومنذ مدة والشعوب العربية والإسلامية تتمنى استنهاض همم حكامها القابعين وراء أسوار الرفاهية، الجالسين على عروش خاوية إلا من وهن الدنيا.
طال الأمد، وتجددت خيبات الأمل، وظلت الأنظمة راكدة جامدة لا تتحرك إلا لقمع أبنائها. وطال الانتظار وتكاثرت خيبات الأمل، ولم يستفيقوا من سباتهم العميق رغم تعاظم الأحداث وتفاقمها، حتى بات من المستحيل التعويل على من قضى نحبه وإن كان حيا يرزق.
و بعد.. لقاءات واجتماعات ومؤتمرات وقمم، كلمات وخطب وقرارات لم تُفعّل، هرجٌ ومرجٌ عند العرب، وبرامج للتقسيم تُدبّج، وقولٌ وعملٌ عند أعداء العرب! قمم عربية، وأخرى إسـلامية وشعوب تُقتّل وتُذبّح على مرأى ومسمع كل العرب وكل المسلمين، وليس هناك من يحرك ساكنا. وحتى التنديد باللفظ الخجول، يكون حوله كلام وكلام، ومن أجل حفظ قطرات من ماء الوجه، تُعقد المؤتمر لتؤكد الفشل وتخلق الإحباط. الفشل تلو الفشل.. تتبعنا مهازل كل المؤتمرات، وعايشنا وقائع لم تكن لتخطر ببال، وكانت الصفعات لكل الأنظمة العربية، صفعات قد تكون إيجابية إذا ما تم الأخذ بالأسباب والتفكير بجدية أكثر في واقع بات يهدد الجميع، كيف لا ونحن نعيش المآسي في ظل انعقاد القمة الثامنة والعشرين.
مرّت سبعون عاما والعرب والمسلمون يجتمعون، من قمة 1946 في مصر إلى قمة “البحر الميت” الآن. لم تكن النتائج إلا كلاما معسولا وقرارات لو تحدثت رفوف جامعة الدول العربية عنها لقالت الشيء الكثير.قمم عادية وأخرى طارئة، جلها كانت تمثل العجز الرسمي العربي والإسلامي، أمام أحداث وتحديات جسام كان الالتحام فيها سيشكل الجسد الواحد والوحيد. الكل صار يتحدث عن الفشل إلا الأنظمة! والكل بات يعرف حقيقة الفشل تلو الفشل الذي يلاحق كل المؤتمرات، بل ويتنبأ بالفشل بمجرد ذكر كلمة “قمة” أو “مؤتمر”.
فبعد سبعون سنة والشعوب تتابع مهازل اللقاءات العربية الإسلامية التي لا تنتهي في أحسن الأحوال إلا بكلمات الشجب، وببعض الوعود التي يتم التنازل عنها بمجرد الخروج من قاعات المؤتمرات! بل وصرنا نسمع في السر والعلن عن إملاءات ومراجعات ومذكرات أمريكية كانت توجه للقمم العربية، وكانت تملي إملاءاتها التي ستُدبج على بيانات تلك المؤتمرات العربية.
ومنذ اللاءات الثلاث المشهورة الصادرة في بيان الخرطوم سنة 1967: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، اللاءات التي كانت بمثابة سابقة تاريخية في البيانات العربية التي جاءت على إثر العدوان الإسرائيلي، لم نعد نسمع بعد ذلك سوى ما يرضي ويثلج صدور الأعداء، ويزيد من تعميق الإحباط في نفس كل مسلم وعربي. لقد تم التوقيع على معاهدات تلو المعاهدات مع الطرف الصهيوني، وعقدت لقاءات عربية إسرائيلية، وتم الاعتراف بالكيان الصهيوني من خلال كامب ديفيد الشهيرة. ثم مدريد، و أوسلو، و وادي عربة ( وآي ريــفر ). وتوجت اللقاءات الثنائية العربية الإسرائيلية أثناء كل هذه المعاهدات، بمبادرات سميت لـ” التسوية” كانت خارطة الطريق إحداها.
كما صرنا نسمع بفتح مكاتب الاتصال والمكاتب التجارية والسفارات الإسرائيلية في العواصم العربية “الإسلامية ضدا على إرادة الشعوب. وتأكد الفشل بتقديم العرب التنازلات تلو التنازلات للطرف الصهيوني، دون أي دعم للشعب الفلسطيني. فكانت النتائج المعلومة منذ 1948 وحرب 1967 مرورا بـ1973 والنكبات تلو النكبات، وصولا إلى الاجتياحات والمجازر الإسرائيلية التي يذهب ضحيتها يوميا أبرياء يؤدون ثمن العجز الرسمي العربي.
وانضاف الفشل إلى الفشل حين تم اجتياح العراق من طرف القوات الغربية بدعوى امتلاكه للسلاح النووي (…)، فتآمر العرب على العرب عندما أجازوا العدوان الأجنبي على العراق خلال قمة مصر لسنة 1990، وحينما شاركوا رسميا بشتى أنواع الدعم في الاجتياح الثاني الذي يعيش الشعب العراقي مآسيه اليوم.
وتأكد الفشل حينما عجز النظام الرسمي العربي والإسلامي أمام التصدي للغطرسة الصهيونية التي تسلب الأراضي، وتُهَوّدُ المقدسات، وتغتال الزعماء، وتُسيّجُ أرض فلسطين بسور الفصل الصهيوني. لعل قائمة الفشل تطول إذا ما أضفنا خيبات الأمل العربية والإسلامية أمام سياسات (الفيـتو) للولايات المتحدة الأمريكية، كلما تعلق الأمر بطلب استصدار قرار أممي يدين إجرام الصهاينة.
لكن تبقى الخيبة العظمى بالنسبة للعرب وللمسلمين هي الاستمرار في التشتت والتشرذم والمزيد من التشبث بالزعامة الخالدة ولو على حساب الشعوب، بل والمساهمة في صنع “سايس بيكو” ثانية في المنطقة العربية، أمام تكتل الغرب في تجمعات و أحلاف إقليمية ودولية (الاتحاد الأوربي، حلف الناتو)، وأمام محاولات بناء عالم جديد مبني على مكافحة الإرهاب دون وضع أي تحديد لمفهوم الإرهاب، بل تم خلق “طُفَيليات” إرهابية حقيقية لزرع الفتنة الطائفية وخلق أجواء مناسبة لمزيد من التدخلات العسكرية الاستعمارية -لتقسيم المُقسّم وتجزيئ المُجزّأ-. لقد بدا جليا أن الأنظمة العربية كانت لا تأتمر إلا بأوامر سيد العالم الآن، وتأكد في غير ما مرة أن جل المؤتمرات العربية تكون الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة فيها بآرائها واقتراحاتها وبمذكراتها السرية والعلنية.
كما ظهر أن تعامل أنظمتنا مع هذا “السيّد”، بالطريقة المعروفة وعلى حساب شعوبها، ما هو في الأساس إلا تأكيد على التشبث بدفتي الحكم لهم وللأنجال الكرام. عودتنا القمم العربية على ألا تكون سوى مكان تجمُّع للنظام العربي الرسمي، للشجب والتنديد أحيانا، وأحيانا أخرى لطرح هامشي لبعض القضايا، ولعل قمة البحر الميت هاته، لن تخرج عن نفس مسارات القمم السابقة. ستُدرج طبعا ملف القضية الفلسطينية، الملف الحاضر الغائب منذ النكبة، ثم سوف تتطرق لمستجدات الأزمة السورية التي يقفون أمامها موقف المتفرج، ثم الواقع العراقي الدامي، والأزمة الليبية والملف اليمني والتدخل الإيراني … وقس على ذلك من ملفات ستظل دون قرارات حازمة وجريئة سوى قرارات الإملاءات الأمريكية الصهيونية، وحيث تتجاذب كل الأطراف الغربية التي تعمل جاهدة على خلق صراعات فئوية طائفية في أفق خلق عالم عربي إسلامي على المقاس!